الدكتورة “شيرين العدوي” تكتب : السلك الجامعي

 

أشكر كل القراء الأعزاء الذين تناولوا مقالى السابق بالتحليل والثناء أو بالمناقشة والإضافة، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المقال مس حاجة ملحة مسكوتا عنها فى السلم الجامعى وقرت فى قلوبهم ، مما دفعنى أن أؤكد الفكرة وأكملها. قصدت بالمقال السابق الفصل بين درجة الأستاذية وهى أعلى درجات السلم العلمى الجامعى، وبين العمل الإدارى والدرجة المالية. ودرجة الأستاذية هى حلم كل من اشتغل بالعلم وتدرج فى السلك الجامعى ولم يعتبر العلم مهنة يترزق منها، وإنما اعتبره قضية وإيمانا، و طريقا للإضافة الحضارية للبشرية.

إن طريق العلم صعب طويل سلمه، ومن يعمل فيه بحق يأخذ وقتا طويلا إذا أحب أن يضيف أو يطور من فكرة ما، مما يسرق عمره ووقته وأحيانا حياته، وغالبا هؤلاء تكاد تكون الإضافة المادية لحياتهم منعدمة على الرغم من إفادتهم العظيمة. وفى بعض الأحيان تضيع حياتهم سدى فلا يجدون حتى التقدير المعنوي، ولذلك أنادى بفصل الدرجة العلمية عن الدرجة المالية وسن المعاش حتى لا نحرم هؤلاء من طريق اتخذوه لأنفسهم منهاجا وبذلوا من أجله الغالى والنفيس، وهم بهذا الأجدر بالعطاء. إن الجهود العلمية فى مصر متفرقة والكل يعمل فى جزر منعزلة، وكأنه فى حالة حرب خوفا من سرقة فكره، أوالسطو العلمي.

ولكى نتفادى هذا كله علينا أن نعمل بإستراتيجية علمية منهجية، تعتمد فى المقام الأول على كبار العلماء الذين رادوا المجالات العلمية المختلفة، واتسموا بالمنهجية لوضع تلك الإستراتيجية التى تضيف للعلم وتتفق مع رؤية الوطن واحتياجاته، ثم علينا العمل بروح الفريق، فيُعطَى لكل طالب علم وباحث صغير نقطة يجب استكمالها ليبدأ بالعمل عليها مع زملائه وبروح الفريق. من هنا تكتمل المنظومة العلمية وتتوحد الجهود. فلدينا عقول نفخر بها ولكنها ضائعة الفرص، مُضيَّعة المكانة من جراء عشوائية الدراسة.

فكل عالم جليل صاحب مدرسة يلتف حوله آلاف الدارسين. ويعتبر حاضنة علمية لطلابه، فمثلا: فى القانون الدولى هناك مدرسة مفيد شهاب، وفى طب الأمراض الصدرية مدرسة محمد عوض تاج الدين، وفى طب السرطان جمال السعيد، وفى طب القلب مجدى يعقوب وفى التاريخ الإسلامى محمود إسماعيل، وفى الصحافة هيكل رحمه الله، وفى الفيزياء فاروق الباز. فى كل مجال سنجد عظماء مصر أكثر من أن يحصوا أو يعدوا.

إن كل عالم من هؤلاء قادرعلى أن يقود أمة، ويستطيع أن يضع إستراتيجية لمراكزعلمية ضخمة تقود مصر نحو التقدم الحق. مشكلتنا فى مصر أننا نعطى الدراسات العملية أهمية قصوى، وننحى الدراسات النظرية جانبا وكأنها سقط متاع، بل ينظر إليها نظرة دونية على الرغم من أن تلك العلوم النظرية كالفلسفة والتاريخ واللغات و الاجتماع وغيرها لها يد طولى فى تطور العلوم،ولا يوجد مركز بحثى فى العالم مهم إلا والعلوم النظرية مكمل أساسى لتطويره، فجامعات مثل: السربون وكامبريدج وهارفارد وموسكو والصين تولى أهمية كبرى لهذه العلوم النظرية. إن النظريات الفلسفية والفرضيات والأسئلة الوجودية كانت السبب فى تطور علوم كالهندسة والفيزياء والطب وغيرها، فلا نهضة لأمة لا تضع إستراتيجية للتقدم ، أوتُضيِّع علماءها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى