فاجعة الطريق الإقليمي.. بنات لقمة العيش إلى القبر

 

بقلم: ميرال المنصوري

المنوفية، 28 يونيو 2025
في ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة، بينما كانت قرية كفر السنابسة ما زالت تغطّ في نومها، خرجت بناتها العاملات بحثًا عن الرزق. ميكروباص صغير ضمّ أحلامهن الصغيرة وأجسادهن المنهكة، لكنه لم يصل إلى وجهته. اصطدمت شاحنة نقل ثقيل بالمركبة، فانقلبت الحكاية إلى مأساة دامية. سقط 19 ضحية — 18 فتاة وسائق، وعدة مصابين، في واحدة من أبشع الحوادث التي هزت مصر خلال السنوات الأخيرة.

مش بس حادث لكنها جريمة مجتمع

الضحية الأولى هنا لم تكن فقط بنتًا فقدت عمرها، بل كانت كرامة العمل المهدورة، وسلامة الطرق المنسية، وصرخة في وجه التهميش.
هؤلاء الفتيات لم يركبن ذلك الميكروباص للترف أو الترفيه، بل بحثًا عن 120 جنيهًا في اليوم، ثمن كرامة، ثمن رغيف، ثمن كتب دراسية أو دواء لوالد مريض.
في الحقول حيث كنّ يقطفن العنب، لم يكن العنب ناضجًا بما يكفي ليعشن. وما كان الطريق آمنًا بما يكفي ليعُدن.

من المسؤول؟
هل هو سائق التريلا؟ أم غياب الرقابة على السرعة؟ أم شركة المقاولة التي لم توفر وسيلة نقل آمنة؟ أم الدولة التي تركت أبناءها على طريق يبتلع الأرواح بصمت؟ الحقيقة أن المسؤولية تتقاسمها مؤسسات ومجتمع، تنام ضمائرهم إلا حين تقع الكارثة.

كلمات بلا جدوى؟

كالعادة، نُكّس العلم، وصُرفت تعويضات: 100 ألف لكل شهيدة، 25 ألفًا لكل مصابة. تُشكر الرئاسة، نعم، لكن ماذا عن القوانين؟ ماذا عن فرض رقابة حقيقية على سيارات النقل الثقيل؟ ومتى نوقف مهزلة “الميكروباص” كوسيلة مواصلات غير آدمية؟

شيماء لم تكن وحدها
إحدى الضحايا، الطالبة شيماء عبد الحميد، كانت تنتظر نتيجتها الجامعية. حلمها أن تدخل كلية الهندسة. كان والدها يأمل أن تصبح “أول مهندسة في العيلة”. ماتت شيماء في الطريق، ومعها مات حلم أبيها.

الخاتمة: دم البنات ليس رخيصًا
دم بنات كفر السنابسة يجب ألا يُنسى. هذه ليست أرقامًا في تقرير أمني، هذه بنات بلد خرجن يشتغلن بشرف وماتن في صمت.
إذا لم يتحول هذا الحادث إلى بداية لتشريع واضح لحماية العاملات، وتحسين المواصلات، وردم الحفر القاتلة في طرقنا، فنحن نشترك جميعًا في الجريمة القادمة.

هؤلاء البنات لم يذهبن للحرب، بل إلى العمل.
لكن الوطن خانهن على الطريق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى