على حدود مصر.. إسرائيل تدرس خطة بـ”رؤية صهيونية”

كتبت سوزان مرمر
كشف تقرير لموقع “ماكور راشون” (Makorrishon) الإخباري الإسرائيلي عن خطة تهدف إلى توسيع الاستيطان على الحدود الجنوبية مع مصر، في إطار ما وُصف بـ”الرؤية الصهيونية”.
وأوضح الموقع العبري أنه مع تصاعد التهديدات الأمنية على الحدود مع سيناء، وازدياد محاولات تهريب الأسلحة عبر الطائرات المسيرة، يبرز “المجلس الإقليمي رمات نقب” كنموذج فريد للاستيطان الحدودي الذي يجمع بين البعد الأمني والزراعي والاجتماعي. ويمتد هذا المجلس على نحو ثلث مساحة إسرائيل، ليشكل أحد أكبر المجالس الإقليمية من حيث المساحة.
ويضم المجلس نحو 8000 مستوطن يعيشون في “يشوبات” (تجمعات سكانية صغيرة)، يتمتعون برؤية صهيونية واضحة للتوسع في الصحراء، وبناء مجتمعات جديدة على الأرض المحاذية للحدود المصرية.
في تقرير مطول أعده الكاتب الإسرائيلي يوسي ألّوني، أكد الموقع أن “المجلس الإقليمي رمات نَقِب” يقع في قلب الصحراء، بين كثبان رملية تمتد حتى الأفق، ويُشكّل نموذجًا حيًا لحياة جماعية غنية، رغم بعده الجغرافي عن مركز البلاد، ويعزز في الوقت نفسه الاستيطان وتحقيق “الرؤية الصهيونية”.
وأشار التقرير إلى تصريحات عوران دورون، رئيس المجلس الإقليمي، الذي وصف المنطقة بأنها “ليست على الهامش، بل في قلب الجوهر الإسرائيلي الحقيقي”، موضحًا أن السكان لا يأتون إليها بحثًا عن الراحة، بل بهدف بناء شيء لأسرهم، ولوطنهم، ولأمن إسرائيل.
وأضاف دورون أن الحياة في النقب ليست سهلة، إذ تفرض المسافات البعيدة والظروف المناخية القاسية والتحديات الأمنية قيودًا حقيقية، لكنه شدد على وجود “مجتمع داعم، ونظام تعليمي ممتاز، وروح الصحراء التي تمنح معنى لا يُعوّض”.
وتابع الموقع أن دورون كان قد خرج لتوه من جلسة طارئة عقدتها لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست، ناقشت خلالها تزايد حالات التهريب من سيناء إلى منطقة “فتحة نتزانة” وإسرائيل عبر طائرات مسيرة. وقال إن “الطائرات المسيرة ليست المشكلة الحقيقية، بل هي كالبعوض في المستنقع، أما المستنقع الحقيقي فهو عصابات الجريمة التي تشتري الأسلحة. وهذا خطر استراتيجي وجودي على دولة إسرائيل”.
وأشار إلى أن التقديرات تشير إلى دخول “آلاف الأسلحة غير القانونية” إلى داخل إسرائيل، لا إلى النقب وحده، ما يجعل تداعيات هذه الظاهرة بعيدة المدى وأكثر خطورة.
وأضاف الموقع أن دورون عرض خطة ثلاثية الدوائر لمواجهة هذا التهديد:
الدائرة الأولى: الجدار الحدودي، وهي من مسؤولية الجيش.
الدائرة الثانية: ما يحدث داخل الأراضي، وتتطلب تعاون الشرطة والشاباك وأجهزة الأمن، باعتبار انتشار السلاح غير القانوني “تهديدًا استراتيجيًا”.
الدائرة الثالثة: الاستيطان.
وأوضح أن منطقة “فتحة نتزانة” تضم اليوم خمسة يشوبات وقرابة 200 عائلة فقط، رغم توفر تخطيط حضري معتمد لألف قطعة أرض سكنية — تُعدّ من الأرخص في إسرائيل.
وقال دورون: “الحل الحقيقي هو جلب 1000 عائلة إضافية إلى منطقة الحدود المصرية. لدينا تصاريح لـ300 قطعة أرض زراعية إضافية في المشابيب (المزارع التعاونية) الحالية. بإمكاننا استيعاب 1300 عائلة جديدة”.
ودعا رئيس المجلس تل أبيب إلى توحيد جهود الوزارات ذات العلاقة، من وزارة الزراعة التي تستثمر في إعداد الأراضي، إلى وزارة الدفاع التي يمكنها إطلاق أراضٍ عسكرية للبناء، ووزارة المالية التي يمكنها تقديم حوافز ضريبية، ووزارة الإسكان التي يجب أن تضاعف الدعم.
وطرح أمثلة عملية لتنمية المنطقة، منها نقل مصنع دفاعي لإنشاء 60 فرصة عمل، أو إقامة سجون جديدة توفر ألف وظيفة لقوات السجون، أو تشجيع السياحة عبر بناء فنادق ومنشآت سياحية في الكثبان الرملية، مثل رحلات الرمال والمنتجعات الريفية.
وأكد أن ربط “فتحة نتزانة” بـ”فتحة شلوم” عبر توسيع شارع رقم 10 سيعزز الحركة الاقتصادية، مشيرًا إلى أن فتح الطريق خلال العيد الأخير جذب عشرة آلاف زائر — “رقم فلكي”، على حد تعبيره — ما يُظهر أن “وجود السكان والسياح سيُجبر الدولة على توفير الحماية، ولن يجرؤ أحد على الإضرار بالسياحة أو حياة السكان بعد أن تعلّمنا دروس السابع من أكتوبر”.
وأضاف الموقع أن دورون، القادم من خلفية بيئية، يروّج لرؤية “صهيونية بيئية” تربط بين الاستيطان والحفاظ على الطبيعة.
وأشار إلى أنه كان مديرًا لمدرسة “سيدِه بوغر” الميدانية، التي أُسست بمبادرة من يهوشع كوهين، أحد أعضاء خلية “ليحي” (شتيرن) الذي اغتال الكونت فولك برنادوت، وكان لاحقًا حارسًا شخصيًا لدافيد بن غوريون بعد انتقاله إلى الصحراء.
وقال دورون: “عند قبر بن غوريون، ترى من جهة صحراء سين المحفوظة منذ آلاف السنين، ومن الجهة الأخرى الاستيطان الحي الذي يواصل الحلم الصهيوني”.
وأوضح أن دورون يعارض حاليًا مشروعًا شمسيًا ضخمًا في النقب، محذرًا من أن الضرر البيئي قد يفوق الفائدة، خصوصًا إذا تم تجاوز مراحل الفحص البيئي.
وقال: “لقد رأينا ما حدث مع البرج الشمسي — بدا مشروعًا مبتكرًا، لكنه اليوم تقنية متقادمة، وكلّف بيئيًا واقتصاديًا ثمنًا باهظًا. يجب أن نتعلّم من الماضي”.
وفي رده على سؤال حول العلاقات مع السكان البدو، أشار الموقع إلى أن دورون يرى أن “البدو جزء من النسيج الإسرائيلي”، لكنه شدّد على ضرورة “الالتزام بالقانون من القيادة إلى البناء”، داعيًا إلى “إنفاذ صارم” يصاحبه “بدائل تربوية واقتصادية”.
وأشار إلى كفر “بير الهَدَج” كمثال، حيث يعاني السكان من الجريمة وانعدام الخدمات، رغم وجود استثمارات حكومية، لكنها “تفتقر للفعالية”. وقال: “الحل ليس بالمزيد من المال، بل بنهج جديد”.
أما عن الاندماج الديموغرافي داخل المجلس، فأشار الموقع إلى أن دورون يفخر بتواجد يشوبات دينية مثل “مارخب عَم” و”رتَميم”، إلى جانب يشوبات مختلطة مثل “شِزوف”.
وقال: “في رمات نَقيب، لا تسمع عن صراع ديني-علماني، أو كيبوتسات ضد مشابيب. أنا أُرضي الجميع بعدل”.
وأضاف: “نحن لا نقسّم المال بالتساوي، بل بالعدل، حسب احتياجات كل مجتمع، وبنسبة توافق تصل إلى 98٪”.
وأشار الموقع إلى أن دورون يعتبر “معسكر رامون” — القاعدة الجوية — جزءًا من المجلس، إذ يعيش فيها عائلات الطيارين، وأطفالهم يدرسون في مدارس رمات نَقيب.
وقال: “من واجبي أن أضمن لهم جودة حياة كأي عائلة أخرى، فهم جزء من نسيجنا”.
ثم انتقل الموقع إلى سرد قصص إنسانية من داخل النقب، بدءًا بعائلة تسادوك من “قادش برنعة”، التي هاجرت من الشارون عام 1979، واستقرّت أولًا في سيناء، ثم انتقلت إلى “فتحة نتزانة” بعد توقيع اتفاق السلام مع مصر.
ييعمل يوفال كعالم زراعي وباحث رئيسي في وحدة البحث والتطوير “رامات نقيب”، وساعد في مكافحة فيروس “تومبو” الذي هدّد زراعة طماطم الشيري في المنطقة، عبر تطوير سلالات مقاومة.
وأشار الموقع إلى أن كاي يرى في النقب “مختبرًا حيًا”، حيث “البحث يتحول مباشرة إلى ممارسة ميدانية”.
ومن مشاريعهم: تطوير “سليكورنيا”، نبات صحراوي يُروى بمياه مالحة، ويُستخدم في مطاعم الجرمة الأوروبية.
من جانبها، قالت سارة، مديرة “أولبان نتزانة” لتعليم العبرية للمهاجرين من دول الاتحاد السوفيتي السابق:
“الحياة هنا ساحرة. في البداية كنا نعرف كل شخص في المنطقة، كأنها عائلة واحدة”.
وأضافت أن البرنامج الذي تديره يساعد الشباب على الاندماج عبر الإقامة، والتعليم، والتحضير للجيش.
وأشار الموقع إلى أن كليهما يشعران أن النقب “ليس مكانًا معزولًا، بل فقاعة آمنة، قريبة من الطبيعة، وغنية بالدعم المجتمعي”.
وختم التقرير بكلمات الدكتور كاي: “النقب مكانٌ يتحدى، لكنه يمنح توازنًا نادرًا بين العلم، الابتكار، والحياة المجتمعية الدافئة. هنا، يمكنك أن تعيش، تبحث، وتعطي للعالم — وهذا ليس أمرًا مفروغًا منه”.


