كن قويا وإن كنت فقيراً

بقلم: ناصر السلاموني
في هذا العالم المادي، لا يزال بعض الأغنياء الذين اطلوا برؤسهم القبيحة علينا خلسة يعتقدون أن المال الذى جمعوه من غير تعب ولا عمل ولا اجتهاد يصنع لهم مهابة، وأن الناس جميعها تلهث خلفهم طمعًا في فتات عطاياهم. والحقيقة أنهم –في قرارة أنفسهم– يدركون ضآلة مكانتهم، ويعرفون كيف جمعوا أموالهم، ويعلمون كم هم أحقر البشر إذا ما نُزعت عنهم مظاهر الثراء التى يتشبثون بها.
ترى أحدهم محدث نعمة، يملأ الدنيا ضجيجًا بسياراته الفارهة،وسفرياته المتعددة وخدمه، وملابسه الباذخة، ولا همّ له إلا أن يُشعر الناس أنه السيد وهم العبيد. يماطل في تلبية الطلبات البسيطة، ويستمتع بمرارة حاجة الآخرين، حتى وإن لم تكن مطالبهم مالية. فهو يعطيك من طرف اللسان حلاوة، لكنه في قرارة نفسه يرى نفسه فوق البشر، ونسى أن الله سبحانه قال:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
فلا تكن أخى الحبيب صدىً لأوامرهم، ولا ذليلاً تطلب ودّهم. كن عزيز النفس، قوي الموقف، شريف الروح، حتى وإن كنت فقيرًا.
فالغنى الحقيقي هو غنى النفس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:”ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس” [متفق عليه].
كم من ذوى الحاجات تذلل لطلب وظيفة لابنه أو خدمة لابنته أو علاجا لمرض عند هؤلاء المتكبرين، فما وجد إلا التلكؤ والتعالي، رغم أنهم يملكون المصانع والشركات ويتباهون أنهم رجال بر وتقوى وخدمات للأهالى! لكن هيهات أن تنال من نفوس ما تريد فقد تخلت عن الرحمة وابتلعت الكبرياء.فهم كما قال تعالى محذراً لهم:
{وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء: 37].
إنك أخى الغالي أقوى منهم بأخلاقك، بصدقك، بتعاطفك، بإيمانك.فالقوة لا تقاس بالمال ولا بالجاه، بل بمواقف الرجال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير” [رواه مسلم].
واعلم أن قوة الشخصية لا تعني الجلافة، ولا التسلط، بل هي أن تكون واثقًا بنفسك، عزيزًا في مواقفك، واضحًا في أقوالك، صادقًا في نيتك، متواضعًا في عظمتك، رحيمًا في حكمتك.
هي أن تقول “لا” عندما يلزمك قولها، دون تردد أو تملق. أن تضع حدودًا واضحة تحمي بها كرامتك، وتُربي بها من اعتادوا أن يستعبدوا الناس بالمال.
قوة الشخصية تعني أن تتعلم، أن تنمو، أن تواجه الحياة بقلب المؤمن، الذي يوقن أن الرزق بيد الله، لا بيد عبدٍ من عباده، مهما علا شأنه أو كثر ماله.فطمئنا الله بقوله:
{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22].
القوة أن تسير في طريقك بعزيمة لا تنكسر، وإرادة لا تلين، وتقول كما قال يوسف عليه السلام، حين خرج من السجن إلى الملك:{اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55] فهو لم ينتظر منّة أحد، بل تكلم بثقة وإيمان.
وأخيرًا…
لا تخشَ أن تكون فقيرًا، ولكن اخشَ أن تكون ضعيفًا.
لا تستحِ من قلة مالك، ولكن استحِ أن تُذلّ نفسك لطاغٍ بماله.
فالعظمة لله وحده، والرزق من عنده، والكرامة لمن حافظ على نفسه وعزته.
“من تواضع لله رفعه” [رواه مسلم].
“واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك” [حديث صحيح].
وأقول لمن ظن أنه امتلك الجميع بأمواله أن مال ليس كل الرزق واعلم أنك لا تستطيع أن تصلح زوجتك المتسلطة أو ابنك العاق أو المدمن أو ابنتك التى ضلت طريقها بأموالك ولا تستطيع أن تشفى نفسك أو تمنع عنها المرض أو الموت
المال نعمة لو احسنت استخدامها ولم تتكبر كقارون.
كن قويًا… وإن كنت فقيرًا.