سلسلة بيت آل على بن ابى طالب .. الحسين بن على

كتبت سوزان مرمر
نتحدث اليوم عن الخسين بن على بن ابى طالب
وُلد في شعبان، سنة 4 هـ، وحُمِلَ إلى جده النبي محمد، فأذن في أذنيه بالصلاة، وعقَّ عن كل واحد من الحسن والحسين بكبش، وكان يصطحبه إلى المسجد النبوي في أوقات الصلاة، فيصلي بالناس، وكان يركب على ظهره وهو ساجد، ويحمله على كَتِفيه، ويُقبّله، ويداعبه، ويضعه في حِجره، ويَرْقِيه. تُوفي جده النبي محمد وأمه فاطمة كلاهما سنة 11 هـ. وجاهد الحسن والحسين في عهد عثمان، فشَهِدَا فتح إفريقية تحت إمرة عبد اللهِ بْنِ سعدِ بْنِ أبي السرح، وشهِدا فتح طَبَرِستان وجُرجان في جيش سعيدِ بْنِ العاص، ومَوقِعةَ الجمل، ومعركةَ صفين.
بويع أخوه الحسن بالخلافة، فاستمر خليفةً للمسلمين نحو سبعة أشهر، ثم تنازل عنها لمعاويةَ بْنِ أبي سفيان سنة 41 هـ حين صالحه على أمور. وانتقل الحسن والحسين من الكوفة إلى المدينة المنورة، ولم يزل الحسين بعد وفاة الحسن يحفَظ عهد أخيه مع معاوية طَوال حياة معاوية. فلمَّا مات معاوية، تسلَّم ابنُه يزيدُ بْنُ معاويةَ الخلافة بالتوريث بدلًا من الشُورى؛ فأبى الحسين بيعته، وخرج إلى مكة ومكث فيها أشهرًا، فأرسل إليه أنصاره بالكوفة رسائل يؤكدون فيها رغبتهم في حضوره ومبايعته، فأرسلَ ابْنَ عمه مسلمَ بْنَ عَقِيل، وأمره أن يستجليَ له حقيقة أمر أهل الكوفة، ولكنَّ واليها الجديد عبيدَ الله بْنَ زياد لم يلبَث أن بطش به فقتله، فتفرق عنه أنصار الحسين وخذلوه.
خرج الحسين إلى الكوفة، وفي طريقه إليها، مرَّ على مِنطقة «زُبَالة»(2)، فبَلَغَه حينئذٍ خبر مقتل مسلمِ بْنِ عقيل، وخذلانِ أهل الكوفة، وتوجّه الحرُّ بْنُ يزيدَ الرياحي ومعه ألف فارس إلى الحسين؛ ليلازمه حتى يصل إلى الكوفة، فلما وصلوا إلى كربلاء، اعترضهم جيش عمرَ بْنِ سعد من أربعة آلاف مقاتل، فعرض على الحسين النزول على حكم ابن زياد، فلما استعصَت المفاوضات وتعذّر الصلح، دارت معركة كربلاء، فقُتِلَ فيها نحوُ 72 رجلًا من أصحاب الحسين، وقُرابة 88 رجلًا من جيش عمر، وطعنه سنانُ بْنُ أنس، فاحتزّ رأسه، وقيل: إن الذي قطع رأسه هو شِمْرُ بْنُ ذي الجوشن، ودفن جسده في كربلاء. وفي روايات الشيعة أن رأسه دُفن بكربلاء مع جسده عند عودة نساء أهل البيت من الشام، وأما أهل السنة فاختلفوا في مَدفِن الرأس؛ فقيل: في دمشق، وقيل: في كربلاء مع الجسد، وقيل: دفن في مقبرة البقيع في المدينة المنورة، وقيل غير ذلك، فتعدّدت المراقد، وتعذّرت معرفة مَدفِنه. وكان مقتله يوم العاشر من المحرم سنة 61 هجرية، الموافق 10 أكتوبر سنة 680 م، ويسمى «عاشوراء»، ولم يزل هذا اليوم عند الشيعة يومَ حزن وكآبة.
بدايته
نسبه
تخطيط لاسم الحسين، يعلوه “ع” اختصارًا لعبارة عليه السلام.
هو: الحسينُ بْنُ عليِّ بْنِ أبي طالب بْنِ عبد المُطَّلِب بْنِ هاشم بْنِ عبد مَنَاف بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلاب بْنِ مُرَّة بْنِ كَعْب بْنِ لُؤَيّ، بْنِ غالِب بْنِ فِهْر بْنِ مالك بْنِ النَّضْر بْنِ كِنَانة بْنِ خُزَيمة بْنِ مُدرِكةَ بْنِ إلياسَ بْنِ مُضَرَ بن نِزارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عدنانَ.
أبوه علي بن أبي طالب، أمير المؤمنين، رابع الخلفاء الراشدين عند أهل السنة والجماعة، أول أئمة الشيعة الاثنَي عَشَرية، ابن عم النبي محمد.
أمه: فاطمةُ الزهراء، بنتُ النبي محمد، فعُرف بـ “سبط رسول الله”، والسبط كلمة تُقال للأولاد عامةً، وقيل: أولاد الأولاد، وأولاد البنات، وقيل معناه الطائفة أو القطعة، فيكون معنى “سبط رسول الله” أي قطعة منه، دلالة على شدة حبه له وللحسن.
كُنيته: أبو عبد الله، وفي مصادر الشيعة أن النبي من كناه بذلك.
ألقابه: لُقّب بالسبط، وسيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله، والشهيد، وفي بعض الروايات الشيعية بسيد الشهداء، وبألقاب آخرى مثل: الزكيّ، والطّيب، والوفي، والسّيد، والمُبارك.
إخوته: للحسين بن علي العديد من الإخوة والأخوات من أبيه، فقد بلغ عدد إخوته من الذكور حوالي عشرين أخًا، ومن الإناث ثماني عشرة، أما الإخوة الأشقاء من أبناء فاطمة الزهراء فهُم: الحسن، والمُحَسِّن، وزينب وأم كُلثوم. والحسين هو الابن الثاني لعلي وفاطمة بعد الحسن.
نشأته على عهد النبي
نشأ الحسن والحسين في بيت أبويهما في المدينة المنورة، وكان النبي محمد يُحبهما ويأخذهما معه إلى المسجد النبوي في أوقات الصلاة حين يصلي بالناس، فكان إذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره. فإذا أراد أن يرفع رأسه أخذهما بيده فوضعهما وضعا رفيقا. فإذا عاد عادا. حتى إذا صلى صلاته وضع واحدا على فخذ والآخر على الفخذ الأخرى، وكان يُركبهما بغلته الشهباء؛ أحدهما أمامه والآخر خلفه، وكان يقول: «هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما.». وكان إذا سمع الحسين يبكي قال لأمه: «ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني».
كان الحسين أحد الذين حضروا مباهلة نصارى نجران وهو صغير، حيث أخذ النبي بيد فاطمة والحسن والحسين للمباهلة وقال: «هؤلاء بني». وجاء في بحار الأنوار أن النبي كان يضع اللقمة تارة في فم الحسن وتارة في فم الحسين.
توفي النبي محمد سنة 11 هـ، والحسين حينها بين السادسة والسابعة من عمره، وتذكر المراجع الشيعية أن الحسن والحسين كانا بجانب النبي عند وفاته. ولم تلبث عدة شهور حتى توفيت والدته فاطمة الزهراء، حيث توفيت في نفس السنة 11 هـ، واختُلِفَ في الشهر الذي توفيت فيه، فذهب جماعة من الباحثين إلى القول بأنها عاشت بعد أبيها 24 يومًا وتراوحت الأقوال ما بين 45 و85 و95 يومًا أو 100 يوم، وعلى قول آخر عاشت بعد أبيها بما يقارب 3 أشهر، ومنهم من أوصل ذلك إلى 6 أشهر.
خرج ابن زياد إلى النخيلة، واستعمل على الكوفة عمرو بن حريث، وضبط الجسر، وبدأ بعض أهل الكوفة يتسللون لنصرة الحسين. وفي صباح يوم الجمعة 10 محرم 61 هـ، عزم الحسين وأصحابه على القتال، وكان معه 32 فارسًا و40 راجلًا، فجعل زهير بن القين على الميمنة، وحبيب بن مظاهر الأسدي على الميسرة، وأعطى الراية للعباس بن علي. وجعل البيوت وراء ظهورهم وأتى بحطب وقصب وأشعل فيه النار مخافة أن يأتوا وراء ظهورهم. وأما عمر بن سعد فجعل على الميمنة عمرو بن الحجاج الزبيدي، وعلى الميسرة شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عزرة بن قيس، وعلى الرجال شبث بن ربعي، وأعطى الراية ذويدًا مولاه.
وانضم إلى الحسين ثلاثون رجلًا من أعيان الكوفة من جيش عمر بن سعد، وقالوا: «عرض عليكم ابن بنت رسول الله ﷺ ثلاث خصال فلا تقبلوا منها شيئا؟». كما انضم الحر بن يزيد الرياحي إلى الحسين، وقال لعمر بن سعد ومن معه: «ألا تتقون الله؟ ألا تقبلون من هؤلاء ما يعرضون عليكم، والله لو سألتكم هذا الترك والديلم ما حل لكم أن تردوهم»، ثم ضرب الحر وجه فرسه وانطلق إلى الحسين، فظنوا أنه إنما جاء ليقاتلهم، فلما دنا منهم قلب ترسه وسلم عليهم ثم كر على أصحاب ابن زياد فقتل منهم رجلين ثم قتل.
وبدأ جيش عمر بن سعد بالقتال، وأصحاب الحسين يدافعون عنه، وحمل عمرو بن الحجاج الزبيدي على ميمنة أصحاب الحسين فيمن كان معه من أهل الكوفة، فلما دنا من الحسين جثوا له على الركب وأشرعوا الرماح نحوهم، فلم تقدم خيلهم على الرماح، فذهبت الخيل لترجع فرشقهم أصحاب الحسين بالنبل فصرعوا منهم رجالًا وجرحوا منهم آخرين. ثم حمل عمرو بن الحجاج في أصحابه على الحسين من ناحية الفرات فاضطربوا ساعة، فصرع مسلم بن عوسجة، ثم حمل شمر بن ذي الجوشن على أهل الميسرة فثبتوا له فطاعنوه، فلما رأى الحصين بن نمير السكوني – وكان على الرماة – صبر أصحاب الحسين تقدم إلى أصحابه – وكانوا خمسمائة نابل – أن يرشقوا أصحاب الحسين بالنبل فرشقوهم، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم وجرحوا الرجال، ولم يزل يتقدم رجل رجل من أصحاب الحسين فيقتل؛ حتى قُتلوا جميعًا، وقُتِلَ في المعركة 72 رجلًا من أصحاب الحسين، و88 رجلًا من جيش عمر. فقُتِلَ من أهله بيته ابنه علي الأكبر، وأخوته: العباس وعبد الله وجعفر وعثمان، وأبناء أخيه الحسن: القاسم وأبو بكر وعبد الله، وبنو عقيل: جعفر بن عقيل وعبد الرحمن بن عقيل وعبد الله ومحمد ابنا مسلم بن عقيل، وأبناء عبد الله بن جعفر الطيّار: عون ومحمد.
فلمّا قُتلوا لم يجرؤ أحد على قتل الحسين خشية أن يبوء بقتله، فقام شمر بن ذي الجوشن وصاح في الجنود وأمرهم بقتل الحسين، فضربه زرعة بن شريك التميمي، وطعنه سنان بن أنس، واحتز رأسه، وقيل أن الذي قطع رأسه شمر بن ذي الجوشن، ويقال أن الذي قتله عمرو بن بطار التعلبي، وزيد بن رقادة الحيني، وحمل رأسه إلى ابن زياد خولي بن يزيد الأصبحي. وأرسل عمر بن سعد برأس الحسين ونسائه ومن كان معه من الصبيان إلى ابن زياد.
موقف يزيد بعد مقتل الحسين
لوحة فارسية تصور أهل بيت الحسين حاضرين أمام يزيد بن معاوية.
كتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد يخبره بما حدث، ويستشيره في شأن أبناء الحسين ونسائه، وحسب الروايات السُنِّية فإن يزيد بكى وقال: «قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن مرجانة، أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، ورحم الله الحسين.»، وأن يزيد رد على ابن زياد أن يرسل أهل بيت الحسين إليه، فأعطاهم ذكوان أبو خالد عشرة آلاف درهم فتجهزوا بها، واختلف علماء السنة في رأس الحسين هل سيره ابن زياد من الكوفة إلى يزيد بالشام أم لا، والذي جاء في صحيح البخاري أنه حُمل رأسه إلى عبيد الله بن زياد، فعن أنس بن مالك قال: «أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين عليه السلام، فجعل في طست، فجعل ينكت، وقال في حسنه شيئًا، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله ﷺ وكان مخضوبا بالوسمة». وجاء في روايات أخرى أن الرأس حُمل إليه، وحسب الروايات السُنِّية أيضًا فإن فاطمة بنت الحسين لمّا دخلت على يزيد قالت: «يا يزيد، أبنات رسول الله سبايا!» فقال: «بل حرائر كرام، أدخلي على بنات عمك تجديهن قد فعلن ما فعلن.»، ثم بعث يزيد بهم إلى المدينة المنورة، وأمر النعمان بن بشير أن يقوم بمصاحبتهم. يقول ابن كثير الدمشقي: «وأكرم آل بيت الحسين، ورد عليهم جميع ما فقد لهم وأضعافه، وردهم إلى المدينة في تجمل وأبهة عظيمة، وقد ناح أهله في منزله على الحسين مع آله – حين كانوا عندهم – ثلاثة أيام».
أمّا حسب الروايات الشيعِّية فإن من بقي من النساء والأطفال وعلي بن الحسين السجاد أُخذوا كأسرى مقيّدين بالسلاسل إلى بلاد الشام، حيث يقيم يزيد، وأحضروهم إلى مجلسه، وكان قد وضع رأس الحسين في إناءٍ أمامه، ضاربا إياه بعصاه، شامتًا فيه، فخطبت زينب بنت علي بن أبي طالب الخطبة المعروفة في التراث الشيعي بخطبة زينب في مجلس يزيد، التي رواها سيد بن طاووس. يقول أبو منصور الطبرسي: «أنه لما دخل علي بن الحسين وحرمه على يزيد، وجيء برأس الحسين عليه السلام ووضع بين يديه في طست، فجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده، فلما رأت زينب ذلك فأهوت إلى حبيبها فشقت، ثم نادت بصوت حزين تقرع القلوب، يا حسيناه! يا حبيب رسول الله! يا ابن مكة ومنى! يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء! يا ابن محمد المصطفى. فأبكت والله كل من كان، ويزيد ساكت، ثم قامت على قدميها، وأشرفت على المجلس، وشرعت في الخطبة.».



