الاعتذار لا ينفع.. تصاعد الدعوات لترحيل علاء عبدالفتاح.. والإخوان يحاولون إنقاذه بـ«سلاح فلسطين»

كتبت سوزان مرمر

فى الوقت الذى تحاول فيه جماعة الإخوان الإرهابية إعادة تدوير علاء عبدالفتاح كبطل مزعوم مدافع عن القضية الفلسطينية، وتقديمه للرأى العام الغربى بوصفه «ضحية سياسية»، عقب حملة الهجوم الواسعة التى تعرض لها فى بريطانيا بعد يوم واحد فقط من وصوله إلى لندن، كانت تسع تغريدات موثقة، واضحة وصريحة، نشرها «علاء» بنفسه فى صيف عام ٢٠١١، كفيلة بنسف هذه السردية الإخوانية من جذورها.

 

لم تتناول هذه التغريدات كلمة واحدة عن مجازر الاحتلال الإسرائيلى، ولا سطرًا عن حقوق الشعب الفلسطينى، كما تحاول منصات الإخوان الإرهابية الترويج لذلك كذبًا وتضليلًا، بل كشفت عن خطاب مختلف تمامًا، يقوم على التحريض المباشر على العنف، والدعوة إلى قتل «البيعض»، والترويج لفكرة الإبادة الجماعية، إلى جانب التحريض على الشغب والحرق، وتبرير استهداف الشرطة ومؤسسات الدولة، داخل مصر وخارجها.

ماكينة التزييف الإخوانية فى خدمة كل المخربين

رغم علم جماعة الإخوان بحقيقة الأسباب التى دفعت سياسيين وإعلاميين بريطانيين إلى شن هجوم علنى على علاء عبدالفتاح، فإنها تجاهلت عمدًا هذا الأرشيف الرقمى الخطير، وسارعت إلى القفز على الحقائق عبر تسويق رواية مضللة تزعم بأن الانتقادات الموجهة إليه جاءت بسبب مواقفه الداعمة لفلسطين، فى محاولة مكشوفة لتوظيف القضية الفلسطينية كغطاء سياسى وأخلاقى لإخفاء مضمون تحريضى لا يمكن الدفاع عنه.

لم يكن علاء عبدالفتاح يومًا ناشطًا حقوقيًا بالمعنى المهنى أو القانونى الذى تحاول ماكينة التزييف الإخوانية فرضه على الرأى العام، وهو ما كشف عنه خطابه العلنى ومنشوراته ومسيرته السياسية، الذى أظهر أنه يمثل نموذجًا للفوضوى السياسى ذى التوجه الأناركى، الذى يتخفى خلف شعارات الحرية وحقوق الإنسان، بينما يبرر استهداف مؤسسات الدولة، ويشرعن العنف بوصفه وسيلة مشروعة للتغيير.

 

الأخطر من خطاب علاء عبدالفتاح ذاته، هو هذا الاصطفاف العلنى والمكشوف بينه وبين جماعة الإخوان؛ وهو تحالف لا يمكن تفسيره بوصفه تعاطفًا إنسانيًا أو دفاعًا مبدئيًا عن الحقوق، بل باعتباره التقاء مصالح بين مشروعين يختلفان فى اللغة، ويتطابقان فى الهدف عبر هدم الدولة، ونزع الشرعية عن مؤسساتها، وإشاعة الفوضى كأداة سياسية تارة باسم الثورة، وتارة باسم حقوق الإنسان، ومؤخرًا باسم فلسطين.

 

ما يجمع الإخوان وعلاء عبدالفتاح ليس نضالًا ولا أخلاقًا، بل شراكة فوضى هدفها إسقاط الدولة، وتشويه مؤسساتها، وتبرير العنف متى خدم الهدف.

 

ّ الفوضوى المحرض

 

منذ منتصف العقد الأول من الألفية، ارتبط اسم علاء عبدالفتاح بخطاب عدمى يرى فى الدولة خصمًا وجوديًا، فلم تكن مواقفه مجرد نقد سياسى، بل تحولت فى محطات مفصلية إلى تحريض مباشر على العنف، وخلال أحداث دامية، من بينها أحداث ماسبيرو فى سبتمبر ٢٠١١، برزت منشوراته التى بررت الاعتداء على الجيش والشرطة، واستخفت بسقوط الضحايا، وذهبت إلى تبرير قتل الضباط وأقاربهم باعتباره ثمنًا ضروريًا للصراع.

هذا السجل الإجرامى المتطرف لم يكن سرًا، إلا أن إعادة تقديمه عمدًا كرمز «اضطهاد سياسى» تمت عبر فصل متعمد من جماعة الإخوان الإرهابية بين الصورة الإعلامية المضللة، والأرشيف الرقمى الحقيقى.

ولم تدافع جماعة الإخوان الإرهابية عن علاء عبدالفتاح من منطلق حقوقى ولا انحياز لمبدأ، بل ممارسة سياسية انتهازية مكشوفة، تحكمها حسابات الصراع لا قيم العدالة، فما روجت له الجماعة سابقًا باعتباره خلافًا أيديولوجيًا مع علاء، تبين أنه خلاف تكتيكى عابر، سرعان ما سقط أمام وحدة الهدف الحقيقى المتمثل فى استهداف الدولة الوطنية، ونزع الشرعية عن مؤسساتها، وتطبيع الفوضى بوصفها أداة تغيير.

لا تبحث جماعة الإخوان فى أزمة علاء عن الديمقراطية، أو حقوق الإنسان، أو حرية التعبير، بقدر ما تبحث عن أوراق ضغط قابلة للتوظيف، ووجوه يمكن تسويقها داخل الدوائر الحقوقية الغربية، وسرديات مظلومية جاهزة لإعادة التدوير، كلما احتاجت الجماعة إلى إشعال معركة جديدة ضد الدولة، ولذلك يشكّل علاء عبدالفتاح للجماعة نموذجًا مثاليًا باعتباره شخصية غير منتمية تنظيميًا بما يسمح بتقديمها كصوت مستقل، وشخصية مقبولة لدى بعض المنصات الحقوقية الغربية، وفى الوقت ذاته تحمل خطابًا فوضويًا وتحريضيًا يصلح ليكون وقودًا دائمًا لحملات التشويه والتحريض، دون أن تتحمّل الجماعة تكلفة مباشرة.

الدفاع عن علاء، بهذا المعنى، ليس دفاعًا عن شخص، بل هو استثمار فى الفوضى، وإعادة إنتاج لمعادلة قديمة لدى الإخوان بأن أى صوت يهدم الدولة هو حليف مؤقت، مهما كان تطرفه أو خطورته، أو خلافه الأيديولوجى معها.

بريطانيا.. من الترحيب إلى الانفجار

عند انتقال قضية علاء عبدالفتاح إلى بريطانيا، صنعت صورة جاهزة له بأنه سجين رأى، وأسهمت تقارير انتقائية وضغوط جماعات ضغط فى نشر رئيس الوزراء البريطانى تغريدة ترحيب بعلاء عقب وصوله إلى بريطانيا، لكن تلك اللحظة كانت بداية الأزمة.

فعقب يوم واحد من نشر تغريدة رئيس الوزراء البريطانى، فُتح الأرشيف الرقمى العلنى لعلاء، وما ظهر لم يكن دعمًا لفلسطين ولا نقدًا سياسيًا تقليديًا، ولكن كان خطابًا تحريضيًا يشرعن العنف والشغب والحرق، ويفتح أسئلة قانونية داخل بريطانيا نفسها حول التعارض مع قوانين مكافحة التطرف.

وعقب إعادة تداول التغريدات التحريضية المنسوبة إلى علاء عبدالفتاح، والتى تضمنت دعوات صريحة ضد البيض وضباط الشرطة، شهد الخطاب السياسى والإعلامى البريطانى تحولًا حادًا فى نبرته، فبعد مرحلة التعاطف الأولى، برزت مراجعات علنية داخل الأوساط البرلمانية والإعلامية والحكومية البريطانية بشأن خلفية الخطاب الذى جرى تجاهله عند الترحيب بوصوله إلى بريطانيا.

وتزايدت المطالبات البرلمانية بفتح تحقيق قانونى فى مضمون تلك المنشورات، والنظر فى مدى تعارضها مع القوانين البريطانية المتعلقة بالتحريض على العنف والكراهية، إلى جانب دعوات صريحة بإسقاط الجنسية البريطانية عنه، وفى ظل هذا الضغط السياسى المتصاعد، اضطر رئيس الوزراء البريطانى إلى الاعتذار علنًا عن تغريدة الترحيب، فى خطوة عكست اعترافًا بسوء التقدير، وعدم إخضاع الملف للفحص الكافى قبل اتخاذ موقف علنى بشأنه.

وعقب الهجوم الواسع الذى تعرض له علاء عبدالفتاح بعد نشر تغريداته التحريضية، تحرك التنظيم الدولى للإخوان لترويج سردية واحدة تتمثل فى أن الهجوم على علاء بسبب دعمه لفلسطين.

لكن الوقائع تكشف العكس، فالجدل البريطانى دار حول التحريض على العنف ضد البيض وضباط الشرطة البريطانيين، لا فلسطين، وبات مكشوفًا أن جماعة الإخوان تعمدت تحويل القضية الفلسطينية إلى ستار تضليل لتبييض سجل علاء عبدالفتاح الإرهابى.

9تغريدات تنسف الرواية الإخوانية

قبل ترويج الإخوان لعلاء عبدالفتاح كبطل مظلوم، تكشف تسع تغريدات موثقة من أرشيفه الرقمى خطابًا صريحًا يحرض على قتل البيض وضباط الشرطة، ويشرعن العنف والفوضى.

وجاءت التغريدات التسع لعلاء عبدالفتاح المنشورة فى صيف ٢٠١١ باللغة الإنجليزية عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» قبل أن يتحول إلى منصة «إكس» والتى ترجمناها إلى اللغة العربية كالآتى:

التغريدة الأولى: «أخبركم بوضوح أنا أكره أصحاب البشرة البيضاء».

التغريدة الثانية: «أنا عنصرى وأكره أصحاب البشرة البيضاء، اغربوا عن وجهى».. وجهها لطلاب الدراسات العليا الدوليين.

التغريدة الثالثة: «نحن فى حاجة إلى المزيد من الخوف، أطلقوا النار العشوائى على الرجال البيض ليعرفوا أن العنصرية ستكلفهم حياتهم».

التغريدة الرابعة: «سأنتقل إلى شىء آخر، أدعم قتل الشرطة وكراهية أصحاب البشرة البيضاء».

التغريدة الخامسة: «رجال الشرطة ليسوا بشرًا ولا حقوق لهم ويجب أن نقتلهم جميعًا».

التغريدة السادسة: «لن تصل الإنسانية إلى الخلاص إلا بعد ارتكاب إبادة جماعية لكل أصحاب البشرة البيضاء، كان بعض أقرب أصدقائى من البيض».

التغريدة السابعة: «انتقادى للشغب بعد عمليات قتل الشرطة لأنكم لم تتصرفوا جيدًا، اذهبوا واحرقوا المدينة وطاردوا الشرطة أيها الأغبياء».

التغريدة الثامنة: «توجد حاجة إلى المزيد من العمليات الانتحارية».

التغريدة التاسعة: «أنتم البريطانيون كلاب وقردة».

ً تبريراته لم تقنع أحدا

أعاد سياسيون وإعلاميون بريطانيون تداول نشر التغريدات التسع، وكانت جوهر الهجوم داخل بريطانيا، ولم تكن التغريدات الداعمة لفلسطين سببًا فى الهجوم البريطانى على علاء عبدالفتاح كما تحاول الجماعة الإرهابية الترويج لذلك.

وتسببت تغريدات علاء عبدالفتاح الداعية إلى العنف ضد البيض وضباط الشرطة بصدمة واسعة فى الأوساط السياسية البريطانية، وكشفت عن هشاشة الرقابة على وصول شخصيات معادية للمجتمع إلى المملكة المتحدة، إذ أعلن كل من وزيرة الخارجية إيفيت كوبر ونائب رئيس الوزراء ديفيد لامى، اللذين رحّبا بوصوله، أنهما لم يكونا على علم بهذه المنشورات المثيرة للجدل، فيما أكد متحدث باسم وزارة الخارجية أن الحكومة لم تكن على دراية بها،

وحاول علاء عبدالفتاح نفسه تبرير تلك التغريدات التحريضية، معتبرًا أنها «تعبيرات عن غضب شاب وإحباطه فى زمن الأزمات الإقليمية».

لكن هذه التبريرات لم تسكت الغضب الشعبى والسياسى، إذ دعا عضو البرلمان عن حزب الإصلاح، روبرت لوى، إلى سحب الجنسية من علاء عبدالفتاح وترحيله فورًا، معتبرًا أن تواجده فى بريطانيا يشكل خطرًا على القيم الوطنية، فيما ذهبت النائبة اليمينية سارة بوشين إلى أبعد من ذلك، مخاطبة رئيس الوزراء كير ستارمر: «كيف يُعقل أن ترحبوا برجل ينكر المحرقة النازية، ويعادى السامية والبيض علنًا، ويدعو إلى العنف ضد النساء والفتيات، ويحث على قتل ضباط الشرطة؟ أين حماية شعب المملكة المتحدة من هؤلاء المتطرفين».

وفى تضامن مماثل، وصف الوزير السابق روبرت إدوارد جينريك علاء عبدالفتاح بأنه «رجل يكره بريطانيا، عنصرى ومعادٍ للسامية بشكل صارخ، ويحرض على الكراهية بشكل عام، وشخص غير مرغوب أن تطأ قدمه بريطانيا».

وكشفت هذه الردود عن حجم القلق والخطر الذى يثيره وصول شخصية متطرفة إلى قلب المجتمع البريطانى، ووضعت الحكومة أمام سؤال أخلاقى وسياسى حاد: كيف تسمحون لمن يزرع الكراهية والعنف بالتمركز بيننا؟

كما دفعت التغريدات إيلون ماسك للتغريد محذرًا من خطورة هجرة أشخاص يدعون إلى قتل البيض، واصفًا ذلك بأنه مسار «إبادة جماعية».

وعبّر نواب سابقون عن ندمهم على توقيع مذكرة فى عام ٢٠٢٣ طالبت بالضغط للإفراج عن علاء عبدالفتاح، وطالبوا بالتحقيق العاجل معه.

كما أوضحت أليسيا كيرنز، وهى سياسية بريطانية بارزة فى حزب المحافظين أنها تشعر بخيبة أمل عميقة، تصل إلى حد الخيانة، بعد أن قدمت دعمها لقضيته، معلنة عن أنه أمر ندمت عليه الآن.

ووصفت صحف بريطانية، بينها التليجراف البريطانية، علاء عبدالفتاح بـ«المتطرف».

كما وجهت اتهامات لهيئة الإذاعة البريطانية «BBC» بالتغطية الانتقائية وتجاهل الخلفية التحريضية.

صبيان الجماعة.. دفاع أعمى وتحريض مقنّع

انطلق إعلام جماعة الإخوان من إسطنبول ولندن فى حملة دفاعية مريبة، متجاهلًا الدعوات للعنف والتحريض على الشغب والخطاب العنصرى الذى تبناه علاء عبدالفتاح، ومركزًا كل جهوده على تسويق سردية «المضطهد السياسى»، وبررت أبواق الجماعة الإرهابية الهجوم عليه بسبب موقفه تجاه فلسطين والهجوم على إسرائيل.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل نشرت شبكة «رصد الإخوانية» بتوجيه مباشر من التنظيم الدولى للجماعة نفس المزاعم، فيما خرجت أبواق الجماعة فى إسطنبول ولندن، مثل محمد ناصر عبر قناة «مكملين»، لتكرر السردية نفسها، فى محاولة من الجماعة لغسل سمعة التحريض، ولى الحقائق بغطاء إعلامى مزيف.

وتتضمن صحيفة سوابق علاء عبدالفتاح عددًا من قضايا التحريض والعنف وصلت إلى خمس قضايا خلال ٢١ عامًا، وكانت أولى القضايا عام ٢٠٠٤ حينما وجهت إليه اتهامات بالتحريض والتخريب.

وفى عام ٢٠٠٦، حبس على خلفية مشاركته فى احتجاجات فئوية، وفى عام ٢٠١١ وجهت إليه اتهامات بالتحريض والاشتراك فى الاعتداء على أفراد القوات المسلحة وإتلاف معدات فى أحداث ماسبيرو، التى أسفرت عن سقوط ضحايا، وحبس احتياطيًا وتم تحويله لنيابة أمن الدولة.

وفى نوفمبر ٢٠١٣، حبس بتهمة التحريض على التظاهر ضد قانون التظاهر والدستور أمام مجلس الشورى، ما أدى إلى الحكم عليه بالسجن ٥ سنوات فى قضية «أحداث مجلس الشورى» مع آخرين بتهم التظاهر بدون تصريح، وإتلاف ممتلكات، والاعتداء على الشرطة، وهى القضية التى أيدت محكمة النقض الحكم النهائى فيها، وأفرج عنه لاحقًا قبل سجنه مرة أخرى فى عام ٢٠١٩.

وفى ٢٩ سبتمبر ٢٠١٩ تم حبسه بتهمة «نشر أخبار كاذبة» و«الانضمام لجماعة إرهابية» ضمن القضية رقم ١٣٥٦ لسنة ٢٠١٩ حصر أمن الدولة العليا، حيث تم إدراجه بعدها ضمن قوائم الإرهاب.

وبعد فترة حبس احتياطى طويلة، تم حبسه فى قضية جديدة «١٢٢٨ لسنة ٢٠٢١» بتهمة نشر أخبار كاذبة بسبب منشور كاذب، وحكم عليه بالسجن ٥ سنوات فى ديسمبر ٢٠٢١، ما أدى إلى استمرار احتجازه حتى قرار عفو رئاسى وإخلاء سبيله فى ٢٠٢٥.

ومن تدويناته التحريضية ضد ضباط الشرطة فى مصر: «لولا حرق الأقسام ما كانتش الداخلية هتتربى» و«حرق الأقسام كان أسلوب تأديبى سلمى بدل ذبح كل الضباط علنًا»، وكتب أيضًا: «حتى لو جابوا أجمد دستور، برضه مش ملتزم بقانون التظاهر».

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى