سلسلة بيت آل على بن ابى طالب .. الحسن بن على بن ابى طالب

كتبت سوزان مرمر
ننشر اليوم الحسن بن على ابى طالب رضى الله عنه
ولد في منتصف شهر رمضان، سنةَ 3 هـ، وكان النبي محمد يحبه حبًا جمًا ويقول: «ٱللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ»، وكان يأخذه معه إلى المسجد النبوي في أوقات الصلاة، فيصلي بالناس، وكان الحسن يركب على ظهره وهو ساجد، ويحمله على كتفيه، ويُقبّله ويداعبه ويضعه في حِجره ويَرْقِيه، وكان يعلمه الحلال والحرام، توفي جده النبي محمد وأمه فاطمة كلاهما سنة 11 هـ. جاهد في عهد عثمان، فشهِد فتح إفريقية تحت إمرة عبد اللهِ بْنِ سعدِ بْنِ أبي السرح، وشهِد فتح طَبَرِستان وجُرجان في جيش سعيدِ بْنِ العاص، ومَوقِعةَ الجمل، ومعركةَ صفين.
بويع بالخلافة في آخر سنة 40 هـ بعد وفاة عليِّ بْنِ أبي طالب في الكوفة. واستمر بعد بيعته خليفة للمسلمين نحو ستة أشهر، ثم تنازل عنها لمعاويةَ بْنِ أبي سفيان حين صالحه علىٰ أمور. وانتقل الحسن بعد ذلك من الكوفة إلى المدينة المنورة وعاش فيها بقية حياته حتى تُوفي سنة 49 هـ، وقيل: سنة 50 هـ لخمسِ ليالٍ خَلَونَ من شهر ربيعٍ الأول، ودفن بالبقيع.
يعُدُّه أهل السنة والجماعة خامسَ الخلفاء الراشدين، وأن النبي بشّر أنه سيصلح الله به بين فئتين من المسلمين، وبسببه انتهت الفتنة، ويعتقد الشيعة الاثنا عشرية أنه ثاني الأئمة الاثنَي عشَر، ومن المعصومين الأربعة عشر، ومن أصحاب الكساء. وقيل: إنّ الحسن كان مِطلاقًا، أي: كثير الزواج والطلاق، وشكك بعضهم بذلك، ولا يُعرف من أسماء زوجاته إلا إحدى عشْرةَ زوجة منهن: أمهات الأولاد، ذكر الذهبي أن للحسن اثني عشر ابنًا ذكرًا، وذكر أنه ولم يُعقِب منهُم سِوى الحسن المثنى وزيد بن الحسن، وذكر الفخر الرازي أن له من الأولاد ثلاثة عشر ذكرًا وست بنات، وذكر المفيد خمسة عشر ولدًا ذكرًا وأنثى
نشأ الحسن في بيت أبويه في المدينة المنورة، وكان النبي محمد يُحب أن يرعاه، وكان يأخذه معه إلى المسجد النبوي في أوقات الصلاة حين يصلي بالناس، وكان الحسن يركب على ظهره وهو ساجد، ويأتي وهو راكع، فيفرج له بين رجليه، حتى يخرج من الجانب الآخر. وكان يحمله على كتفيه، فيقول الناس: «نعم المركب ركبت يا غلام»، فيقول النبي: «ونعم الراكب هو». وكان يذكره على المنبر، فعن أبي بكر قال: «لقد رأيت رسول الله ﷺ على المنبر، وهو يُقبِل على الناس مرة، وعلى الحسن مرة، ويقول: إن ابني هذا سيد وعسى الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين.»
وجاء في العديد من الأحاديث والمرويات، أن النبي محمد كان يُقبّله ويداعبه ويضعه في حجره ويَرْقِيه، كما كان يدعوه له كثيرًا ويقول: «اللهم إني أحبه فأحبه». وكان يُعلّمه الدعاء مثل الدعاء في الوتر، ويعلمه الحلال والحرام، والصلاة والعفة وغيرها، فيقول الحسن:
الحسن بن علي سمعته – أي النبي ﷺ – يقول لرجل: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الشر ريبة وإن الخير طمأنينة»، وعقلت منه: أني بينما أنا أمشي معه إلى جنب جرين الصدقة تناولت ثمرة فألقيتها في في، فأدخل إصبعه في في فاستخرجها بلعابها وبزاقها فألقاها فيه. وقال: أنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة، وعقلت عنه الصلوات الخمس، فعلمني كلمات أقولهن عند انقضائهن: اللهم اهدني فيمن هديت. وعافني فيمن عافيت. وتولنا فيمن توليت. وبارك لنا فيما أعطيت. وقنا شر ما قضيت. إنك تقضي ولا يقضى عليك. إنه لا يذل من واليت. تباركت ربنا وتعاليت. الحسن بن علي
توفي النبي محمد سنة 11 هـ، والحسن حينها بين السابعة والثامنة من عمره، وتذكر المراجع الشيعية أن الحسن والحسين كانا بجانب النبي عند وفاته. ولم تلبث عدة شهور حتى توفيت والدته فاطمة الزهراء، حيث توفيت في نفس السنة 11 هـ، واختُلِفَ في الشهر الذي توفيت فيه، فذهب جماعة من الباحثين إلى القول بأنها عاشت بعد أبيها 24 يومًا وتراوحت الأقوال ما بين 45 و85 و95 يومًا أو 100 يوم، وعلى قول آخر عاشت بعد أبيها بما يقارب 3 أشهر، ومنهم من أوصل ذلك إلى 6 أشهر.
يؤمن أهل السنة والجماعة بأن النبي محمد قد بشر وتنبأ بأن الحسن سيصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين قبل حصول هذا الأمر بسنوات بعيدة، فقد ورد في ذلك حديث نبوي رواه البخاري في صحيحه عن الحسن البصري قال: «وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، جَاءَ الحَسَنُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ».» وجاء الحديث لدى أحمد بن حنبل في مسنده عن الحسن البصري قال: «سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ، وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: عَنْ أَبِي بَكَرَةَ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَحَسَنٌ مَعَهُ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ مَرَّةً، وَيَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ».» فتشير المصادر إلى أن حديث الرسول هذا هو ما دفع الحسن إلى الإقدام على الصلح، وأن هذه النبوءة قد كانت هي الموجهة للحسن في اتجاهاته وتصرفاته ومنهج حياته، وأنها حلت في قرارة نفسه، واعتبرها كوصية من الرسول.
التمهيد للصلح ثم محاولة اغتياله
تنص مصادر أهل السنة والجماعة على أن الروايات التي نقلت شرط الحسن بالمسالمة تفيد بابتدائه في التمهيد للصلح مع معاوية بن أبي سفيان فور استخلافه، وذلك تحقيقًا لنبوءة النبي. فتشير الروايات على أن الحسن قد قام فور استخلافه بوضع شرط لقبوله مبايعة أهل العراق له وهو أن يقوموا بمسالمة من يسالم ويحاربوا من يحارب، فعن ميمون بن مهران، قال: «إن الحسن بن علي بن أبي طالب بايع أهل العراق بعد علي على بيعتين. بايعهم على الإمرة. وبايعهم على أن يدخلوا فيما دخل فيه. ويرضوا بما رضي به.» ويقول خالد بن مضرب، قال: «سمعت الحسن بن علي يقول: والله لا أبايعكم إلا على ما أقول لكم. قالوا: ما هو؟ قال: تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت.»
وقد نقل ابن سعد في طبقاته رواية تذكر أن معاوية بن أبي سفيان بعث إلى الحسن بعد وفاة علي فأصلح الذي بينهما سرًا. يقول عمرو بن دينار: «أن معاوية كان يعلم أن الحسن كان أكره الناس للفتنة. فلما توفي علي بعث إلى الحسن فأصلح الذي بينه وبينه سرًا وأعطاه معاوية عهدا إن حدث به حدث والحسن حي ليسمينه وليجعلن هذا الأمر إليه.»
بعد أن كشف الحسن عن نيته في الصلح مع معاوية وقعت محاولة لاغتياله، وتنص المصادر أن هذه المحاولة قد جرت بعد استخلافه بقليل، وهو ما أشارت إليه أكثر من رواية، فقد أخرج ابن سعد في طبقاته من طريق أبي جميلة الطهوي، قال: «أن الحسن بن علي لما استخلف حين قتل علي. فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر. وزعم حصين أنه بلغه أن الذي طعنه رجل من بني أسد- وحسن ساجد، قال حصين: وعمي أدرك ذاك. قال: فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه فمرض منها أشهرًا ثم برئ. فقعد على المنبر فقال: «يا أهل العراق اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم وضيفانكم أهل البيت الذين قال الله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ قال: فما زال يقول ذاك حتى ما يرى أحد من أهل المسجد إلا وهو يخن بكاء.»
اختُلِف في زمن وفاة الحسن، وأكثر الآراء أنه توفي سنة 49 هـ وهو قول الواقدي وخليفة بن خياط، وقيل سنة 50 هـ وهو قول المدائني وابن الكلبي والزبير بن بكار، وقيل 51 هـ وهو قول محمد بن إسماعيل البخاري ورجََّحه خالد الغيث. ومات وهو ابن سبع وأربعين سنة، أو ثمان وأربعين سنة، ورُوى أنه قبل مماته رأى رؤيا كأنّ بين عينيه مكتوبٌ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ١﴾ [الإخلاص:1]، ففسرها سعيد بن المسيب أن أجله قد اقترب، قال أبو نعيم الأصبهاني: «لما اشتد بالحسن بن علي الوجع جزع، فدخل عليه رجل فقال له: يا أبا محمد، ما هذا الجزع؟ ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك، فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جديك النبي ﷺ وخديجة، وعلى أعمامك حمزة وجعفر، وعلى أخوالك القاسم الطيب ومطهر وإبراهيم، وعلى خالاتك رقية وأم كلثوم وزينب، قال: فسُرّيَ عنه. وفي رواية: أن القائل له ذلك الحسين، وأن الحسن قال له: يا أخي إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله، وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثله قط. قال: فبكى الحسين رضي الله عنهما».
قبر الحسن بن علي في البقيع.
أوصى الحسنُ أخاه أن يدفنه في حجرة عائشة مع النبي، وقال: «ادفني عند أبي، – يعني النبي – إلا أن تخافوا الدماء، فادفني في مقابر المسلمين.»، ونقل ابن عبد البر أنهم لما التمسوا من عائشة أن يدفن الحسن في حجرتها، قالت: «نعم وكرامة.»، ولكن منعهم مروان بن الحكم، وراسل معاوية بالخبر، واستعان بوالي المدينة المنورة يومئذٍ سعيد بن العاص، وقال: «لا ندعه يدفن مع رسول الله، أيدفن عثمان بالبقيع، ويدفن الحسن بن علي في الحجرة.»، فتنازع الحسين ومروان، وكادا يتقاتلا، فلما خاف الناس وقوع الفتنة أشار سعد بن أبي وقاص، وأبو هريرة، وجابر، وابن عمر على الحسين أن لا يقاتل، وقال له أبو هريرة: «أنشدك الله ووصية أخيك، فإن القوم لن يدعوك حتى يكون بينكم دماء.»، فدفنوه بالبقيع عند قبر فاطمة بنت أسد. واجتمع الناس لجنازته حتى ما كان البقيع يسع أحدًا من الزحام. وقدَّم الحسين والي المدينة المنورة سعيد بن العاص للصلاة على الحسن، روى سفيان الثوري عن سالم بن أبي حفصة عن أبي حازم أنه قال: «إني لشاهد يوم مات الحسن، فرأيت الحسين يقول لسعيد بن العاص، ويطعن في عنقه: تقدم، فلولا أنها سنة ما قُدِّمت.».
يُعتبر يوم 28 صفر في إيران عطلة رسمية لذكرى وفاة الإمام الحسن وهو نفس اليوم الذي تحدده الجمهورية لوفاة النبي محمد، ويقيم الشيعة في إيران مراسم العزاء في ذلك اليوم، بينما في العراق؛ يوم 7 صفر هو يوم العزاء الذي حددته الحوزة العلمية في النجف.
أمّا عن سبب وفاته، فالمشهور عند السنة والشيعة أنه قُتل مسمومًا، قال قتادة بن دعامة: «قال الحسن للحسين: قد سقيت السم غير مرة، ولم أسق مثل هذه، إني لأضع كبدي. فقال: من فعله؟ فأبى أن يخبره.»، وقال ابن حجر العسقلاني: «يقال إنه مات مسمومًا.»، أما عن قاتله فاختُلف في ذلك، حيث تذكر أغلب المصادر الشيعية أن زوجته جعدة بنت الأشعث هي من سقته السم بإيعاز من يزيد بن معاوية، وقيل بإيعاز من معاوية نفسه، بينما ينكر أهل السنة هذا الخبر، يقول ابن خلدون: «وما نُقل من أن معاوية دسَّ إليه السم مع زوجته جعدة بنت الأشعث، فهو من أحاديث الشيعة، حاشا لمعاوية من ذلك.»، وقال الذهبي: «هذا شيء لا يصح؛ فمن الذي اطلع عليه!». وقال ابن حجر الهيتمي في كتابه الصواعق المحرقة “وبموته مسموماً شهيداً جزمَ غيرُ واحد من المتقدمين كقتادة وأبي بكر بن حفص والمتأخرين كالزين العراقي في مقدمة شرق التقريب”.



