مشاجرة المترو الثانية| رجل يعتدي لفظيًا على سيدة مسنة .. وشهود عيان يكشفون التفاصيل

كتبت سوزان مرمر
لم تعد مشاهد المشادات داخل وسائل النقل العام مجرد خلافات عابرة تنتهي بانتهاء الرحلة، بل تحولت في كثير من الأحيان إلى قضايا رأي عام، تتصدر «التريند» وتفتح أبوابًا واسعة للنقاش والجدل. وخلال الأيام الماضية، وجد مترو الأنفاق نفسه مرة أخرى في قلب العاصفة، بعد تداول مقاطع فيديو توثق مشاجرات لفظية حادة بين ركاب، كان أبطالها رجالًا ونساءً، في مشاهد عكست حالة من الاحتقان المجتمعي، وأثارت تساؤلات حول أسباب هذا التوتر المتصاعد داخل الفضاء العام.
الواقعة الأحدث.. سيدة مسنة في مرمى الإهانات
أحدث هذه الوقائع تمثلت في مقطع فيديو قصير انتشر بسرعة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه رجل يعتدي لفظيًا على سيدة مسنة داخل إحدى عربات مترو الأنفاق. وبحسب ما بدا في الفيديو، اعترض الرجل على ركوب السيدة للعربة، معتبرًا إياها «عربة رجال»، ووجه إليها عبارات قاسية وتهديدات صريحة، من بينها: «لو فتحتي بوقك بكلمة تانية هرميكي من هنا… إنتي راكبة ليه عربية الرجالة؟».
المشهد أثار صدمة وغضبًا واسعَين، ليس فقط بسبب حدة الألفاظ المستخدمة، بل لكون الضحية سيدة مسنة، بدت عاجزة عن الدفاع عن نفسها وسط زحام العربة، فيما التزم بعض الركاب الصمت، واكتفى آخرون بمحاولات خجولة لتهدئة الموقف دون حسم حقيقي.
اللافت في الواقعة أن التوتر لم يقتصر على الرجل والسيدة فقط، بل امتد ليشمل فتاة أخرى داخل العربة، دخلت في مشادة مع السيدة المسنة، قبل أن يتدخل عدد من الركاب لمحاولة شرح الموقف واحتوائه. ورغم ذلك، أظهر الفيديو لحظات توبيخ وتهديد، وصلت إلى مطالبة السيدة بالنزول من العربة، في مشهد عكس حالة من الفوضى اللفظية، وغياب واضح لثقافة الحوار وضبط النفس.
واقعة سابقة تعود للواجهة
ولم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها خلال فترة قصيرة، إذ سبقها بأيام تداول فيديو آخر لمشادة داخل المترو، بطلها رجل مسن من أبناء الصعيد وفتاة شابة. الواقعة بدأت عندما اعترض الرجل على طريقة جلوس الفتاة، بعدما وضعت ساقًا فوق الأخرى، وشرع في توبيخها بصوت مرتفع قائلًا:
«إنتو مبتحترموش حد؟ ينفع الرجالة كلها قاعدة وهي حاطة رجل على رجل؟».
الفتاة ردت بدورها بحدة: «أنت مالك ومالي؟ هو أنا كلمتك؟»، لتتطور المشادة وسط تدخل محدود من بعض الركاب، ومحاولات لفض الاشتباك الكلامي الذي خلق حالة من التوتر داخل العربة.
تضارب الروايات.. وغياب الصورة الكاملة
مع انتشار الفيديوهات، انقسمت آراء المتابعين بين من تعاطف مع السيدات واعتبر ما جرى تعديًا غير مبرر، وبين من حاول تبرير تصرفات الرجال بدعوى «الالتزام بالعادات» أو «سوء الفهم». وزاد الجدل مع تضارب الروايات حول تفاصيل بعض المقاطع، إذ شكك البعض في توقيتها أو في كونها «مفبركة» أو «مفتعلة» بهدف صناعة تريند وجذب الانتباه.
في المقابل، أكد شهود عيان أن مترو الأنفاق لا يضم ما يسمى «عربات رجال»، بل يحتوي فقط على عربتين مخصصتين للسيدات، بينما باقي العربات مختلطة، ما يعني أن اعتراض الرجل على وجود السيدة المسنة لا يستند إلى قاعدة قانونية أو تنظيمية واضحة.
شهادات من داخل المترو
وعدد من الركاب الذين تابعوا الوقائع أو عاشوا تفاصيلها عن قرب عبّروا عن استيائهم من تصاعد حدة الخلافات داخل المترو. أحدهم قال:
«السيدة ممكن تكون ملحقتش عربية السيدات، أو كانت بعيدة عنها، ده شيء طبيعي بيحصل كل يوم».
بينما تساءل آخر بمرارة: «ليه بقينا متحفزين ضد بعض بالشكل ده؟ هو عشان التريند ولا عشان الضغوط اللي بقت حوالينا من كل ناحية؟».
هذه الشهادات عكست إحساسًا عامًا بأن المشكلة أعمق من مجرد خلاف على مقعد أو طريقة جلوس، وتمس حالة نفسية واجتماعية أوسع.
القواعد واضحة.. والاحترام أولًا
وسط الجدل، شدد كثيرون على أن القواعد المنظمة لاستخدام المترو واضحة؛ فلا يجوز للرجال ركوب العربات المخصصة للسيدات، بينما يحق للسيدات ركوب العربات المختلطة دون قيود، خاصة في حالات الضرورة أو الزحام. وأكدوا أن أي اعتراض يجب أن يتم بأسلوب محترم، بعيدًا عن الإهانات أو التهديدات، التي لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف.
وزارة الداخلية تدخل على الخط
من جانبها، أعلنت وزارة الداخلية أنها تتابع مقاطع الفيديو المتداولة، وتقوم بفحصها بدقة للتأكد من توقيت نشرها وملابساتها، تمهيدًا لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد أي طرف يثبت تورطه في التعدي اللفظي أو مخالفة القانون. وأكدت الوزارة أن التعامل مع مثل هذه الوقائع يتم بمنتهى الجدية، حفاظًا على أمن وسلامة المواطنين داخل المرافق العامة.
تبقى وقائع «خناقة المترو» أكثر من مجرد مشاجرات عابرة، فهي مرآة تعكس حالة من الاحتقان والضغط المتراكم في المجتمع، حيث تتحول أبسط الخلافات إلى معارك لفظية موثقة بالكاميرات، وقضايا رأي عام لا تهدأ. وبين تضارب الروايات، وغضب الشارع، وتشكيك البعض، تظل الحقيقة الأهم أن الاحترام المتبادل وضبط النفس لم يعودا رفاهية، بل ضرورة ملحّة، إذا أردنا أن تظل الأماكن العامة مساحات آمنة للجميع، بعيدًا عن الإهانة والعنف، ولو بالكلمة.



