سلسلة خلفاء الدولة الاموية … الخليفة سليمان بن عبد الملك

كتبت سوزان مرمر
سليمان بن عبد الملك
سابع خُلفاء بني أميَّة (حكم 96 – 99هـ / 715 – 717م)
أبُو أيُّوب سُليْمَان بن عَبدَ المَلِك بن مُروان بن الحَكَم بن أبي العاص الأُمَويُّ القُرَشيُّ (54 – العاشِر مِن صَفَر 99 هـ / 674 – الثَّاني والعُشْرُون مِن سَبْتَمْبَر 717 م) هو الخليفة الأموي السابع، حكم من الخامِس عَشَر مِن جَمادَى الآخِرة 96 هـ المُوافِق الثَّالِث والعُشْرُون مِن فَبْرايِر 715 م حتى وفاتِه. ومدة خلافته سنتان وثمانية أشهر. كان واليًا على فلسطين في عهد والده الخليفة عبد الملك بن مروان، ثم في عهد أخيه الخليفة الوليد بن عبد الملك. تعلم على يد التابعي رجاء بن حيوة، وأجار سليمان عنده يزيد بن المهلب أحد المعارضين الرئيسيين للحجاج بن يوسف، حيث كان سليمان يستاء من الحجاج. أسس سليمان مدينة الرملة وفيها قصره والمسجد الأبيض. وقد حلت محل اللد. وتطورت الرملة وأصبحت مركزًا اقتصاديًا وموطنًا للعديد من العلماء المسلمين، واستمرت عاصمةً إداريةً لولاية فلسطين حتى القرن الحادي عشر.
سليمان بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية
معلومات شخصية
الميلاد
54 هـ / 674م
المدينة المنورة
الوفاة
یوم الجمعة 10 صفر 99 هـ / 22 سبتمبر 717م (45 سنة)
مرج دابق
مواطنة
الدولة الأموية تعديل قيمة خاصية (P27) في ويكي بيانات
الكنية
أبو أيوب
الديانة
مسلم سني
الاب
عبد الملك بن مروان
الأم
ولادة بنت العباس
إخوة وأخوات
الوليد، مسلمة، يزيد، هشام، محمد، سعيد، فاطمة، مروان
عائلة
بنو أمية تعديل قيمة خاصية (P53) في ويكي بيانات
منصب
الخليفة الأموي السابع
الحياة العملية
معلومات عامة
الفترة
سنتان وثمانية أشهر: 23 فبراير 715م – 24 سبتمبر 717م
(15 جمادى الآخرة 96 هـ – 10 صفر 99 هـ)
التتويج
15 جمادى الآخرة 96 هـ / 23 فبراير 715م
الوليد بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
السلالة
بنو أمية
المهنة
قائد عسكري، وسياسي، وحاكم، وخليفة المسلمين
اللغة الأم
العربية
اللغات
العربية
بعد وفاة الوليد، تولى سليمان الخلافة، وأقال عمال وولاة الوليد، وجميع الموالين للحجاج بن يوسف. وعيّن يزيد بن المهلب، واتخذ عمر بن عبد العزيز ورجاء بن حيوة مستشارين له، وأطلق الأسرى وأخلى السجون. وكان قتيبة بن مسلم مواليًا للحجاج ناقمًا على ابن المهلب، فتمرد على سليمان في بداية عهده، فقُتِل، وكذلك مات محمد بن القاسم الثقفي ابن عم الحجاج في ظروف غامضة. على الرغم من توقف الفتوحات جزئيًا في عهد سليمان، بسبب مقاومة التمردات؛ إلا أنه في عهده عاد المسلمون إلى غزو طبرستان على ساحل بحر قزوين الجنوبي سنة 97 هـ/ 716م، بعد أن بدأ أهلها بالتمرد، حتى ردّت جرجان وطبرستان ودهستان على يد يزيد بن المهلب، وغزا ابنه داود بن سليمان الصائفة ففتح حصن اسمه «المرأة»، وغزا مسلمة بن عبد الملك ففتح حصن «ابن عوف» وحصن «الحديد» وبرجمة، وغزا عمر بن هبيرة بلاد الروم من البحر. واشتدت الحرب مع الإمبراطورية البيزنطية، وبلغت ذروتها في حصار القسطنطينية سنة 98 هـ / 717 و718م.
توفي ابنه أيوب فحزن عليه، ومات سليمان بعد وفاة ابنه بـ 42 يومًا فقط في قرية دابق من أرض قنسرين. وأوصى بالخلافة من بعده لابن عمه عمر بن عبد العزيز. وكتب كتابًا نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز، إني وليته الخلافة من بعدي، ومن بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له وأطيعوا، واتقوا الله ولا تختلفوا فيُطمع فيكم.». قال ابن سيرين: «يرحم الله سليمان، افتتح خلافته بإحياء الصلاة، واختتمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز»، وكانت سنة وفاته سنة 99 هـ، وصلى عليه عمر بن عبد العزيز، وكان منقوش في خاتمه: «أؤمن بالله مخلصاً».
بداية حياته
نسبه
تخطيط اسم عبد الملك بن مروان والد سليمان.
هو: سليمان بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الأموي القرشي.
أمه: ولَّادة بنت العباس بن جزى بن الحارث بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض أم الوليد العبسية.
أخوته: لسليمان أربعة أخوة أشقاء من أمه وأبيه، وهم: الوليد بن عبد الملك، ومروانَ الأكبر، وداودَ، وعائشةَ. أما أخوته لأبيه فهم كُثُر، وهم: يزيد، ومروان، ومعاوية، وأم كلثوم، وهشام، وأبو بكر واسمه بكار، والحكم، وفاطمة، عبد الله، ومسلمة، والمنذر، وعنبسة، ومحمد، وسعيد، والحجاج.
كنيته: أبو أيوب.
شجرة خلفاء بني أمية.
نشأته
ولد سليمان سنة 54 هـ / 674م، في المدينة المنورة في بني جزيلة، ونشأ بالبادية، في أخواله بني عبس. وكان ولادته ونشأته في عهد معاوية بن أبي سفيان، الذي أسس الدولة الأموية، واستلم الخلافة في 41 هـ / 661م. توفي معاوية سنة 60 هـ/680م، وخلفه ابنه يزيد بن معاوية، وتوفي في 64 هـ/683من ثم خلفه ابنه معاوية بن يزيد الذي ما لبث أن توفي بعد شهرين في 64 هـ/684م. اضطربت الدولة الأموية، وبويع عبد الله بن الزبير بالخلافة في جميع الولايات إلا ولاية الشام. وطُرد العُمَّال الأمويين من المدينة المنورة، وخرجوا إلى الشام. واختلف بنو أمية على خليفة معاوية بن يزيد، فذهب البعض إلى خالد بن يزيد بن معاوية رغم كونه حدثًا في تلك الفترة، ومال البعض لاختيار مروان بن الحكم، إلا أن الاجتماع الذي تم بالجابية رجّح كفة مروان لكبر سنه ومن بعده خالد بن يزيد ومن بعده عمرو بن سعيد الأشدق. وبايع بنو أمية مروان بن الحكم، وأيَّده أهل الشام، بينما شكلت الضحاك بن قيس والقبائل القيسية تحالفًا مع ابن الزبير، وسيطرت على شمال سوريا والجزيرة. لكن قُتل الضحاك في نهاية سنة 64 هـ/685م في مرج راهط، استعاد مروان سيطرته على سوريا ومصر. خلفه ابنه عبد الملك بن مروان والد سليمان، الذي استعاد ما تبقى من الخلافة بحلول عام 73 هـ/692م.
ولايته على فلسطين
عيّن عبد الملك بن مروان ابنه سليمان على جند فلسطين، وكانت جند فلسطين من قبل تحت إمارة عم أبيه يحيى بن الحكم وأخي أبيه أبان بن مروان. وفي 81 هـ / 701م، قاد سليمان قافلة الحج الخارجة من فلسطين إلى مكة.
ولاية العهد من بعد الوليد
خارطة تُظهرُ ولاية الشَّام وأجنادها، وهي: جُند فلسطين، وجُند الأُردُن، وجُند دمشق، وجُند حِمص، وجند قنسرين، وجند العواصم.
بعد وفاة عبد العزيز بن مروان، سارع عبد الملك بن مروان إلى أخذ البيعة لولديه الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك بولاية العهد من بعده، وبذلك يكون عبد الملك قد حصر الحكم في نسله. قال ابن الأثير الجزري: «فلما مات عبد العزيز قال أهل الشام: رد على أمير المؤمنين أمره، فلما أتى خبر موته إلى عبد الملك أمر الناس بالبيعة لابنيه الوليد وسليمان فبايعوا وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان، وكان على المدينة هشام بن إسماعيل فدعا الناس إلى البيعة فأجابوا إلا سعيد بن المسيب فإنه أبى وقال: لا أبايع وعبد الملك حي فضربه هشام ضربًا مبرحًا وطاف به وهو في تبان شعر حتى بلغ رأس الثنية التي يقتلون ويصلبون عندها ثم ردوه وحبسوه».
لما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة جمع ولده، فقال: «أوصيكم بتقوى الله تعالى فإنها عصمة باقية وجنة واقية، وهي أحصن كهف وأزين حلية، وليعطف الكبير منكم على الصغير، وليعرف الصغير منكم حق الكبير، مع سلامة الصدور، والأخذ بجميل الأمور، وإياكم والفرقة والخلاف فبهما هلك الأولون، وذل ذوو العزة المعظمون، انظروا مسلمة فاصدروا عن رأيه فإنه نابكم الذي عنه تفترون ومجنكم الذي به تستجنون، وأكرموا الحجاج فإنه وطأ لكم المنابر وأثبت لكم الملك، وكونوا بني أم بررة وإلا دبت بينكم العقارب، كونوا في الحرب أحرارا وللمعروف منارا، واحلولوا في مرارة، ولينوا في شدة، وضعوا الذخائر عند ذوي الأحساب والألباب، فإنه أصون لأحسابهم وأشكر لما يسدى إليهم، ثم أقبل على ابنه الوليد فقال: لا ألفينك إذا مت تجلس تعصر عينيك وتحن حنين الأَمَة، ولكن شمر وائتزر والبس جلدة نمر ودلني في حفرتي وخلني وشأني وعليك وشأنك، ثم ادع الناس إلى البيعة فمن قال هكذا فقل بالسيف هكذا، ثم أرسل إلى عبد الله بن يزيد بن معاوية وخالد بن أسيد. فقال: هل تدريان لم بعثت إليكما، قالا: نعم لترينا أثر عافية الله تعالى إياك. قال: لا، ولكن قد حضر من الأمر ما تريان، فهل في أنفسكما من بيعة الوليد شيء، فقالا: لا، والله ما نرى أحدا أحق بها منه بعدك يا أمير المؤمنين، قال: أولى لكما، أما والله ولو غير ذلك قلتما لضربت الذي فيه أعينكما». وتوفيَّ عبد الملك بن مروان بن الحكم في شهر شوال سنة 86 هـ (أكتوبر سنة 705م).
ظل سليمان واليًا على فلسطين طوال فترة حكم الوليد. واتخذ الفقيه رجاء بن حيوة – الذي أشرف على بناء قبة الصخرة في القدس في عهد عبد الملك – مستشارًا له وكبيرًا لمساعديه.
إجارة يزيد بن المهلب
تخطيط اسم الخليفة الوليد بن عبد الملك أخو سليمان.
قام سليمان بتعزيز العلاقات مع خصوم والي العراق حينئذٍ الحجاج بن يوسف، الذي استاء من نفوذه الكبير في عهد الوليد. في عام 89 هـ / 708م لجأ إليه يزيد بن المهلب، الذي طرده الحجاج من ولاية خراسان، وعذَّبه، واستأصل موجوده، وسجنه، فاحتال يزيد بحسن تلطفه، وأرغب السجان واستماله، وهرب هو والسجان. وقصد الشام إلى سليمان بن عبد الملك، فلما وصل يزيد بن الملهب إلى سليمان بن عبد الملك أكرمه وأحسن إليه وأقام عنده، فكتب الحجاج إلى الوليد يعلمه أن يزيد هرب من السجن، وأنه عند سليمان، فكتب الوليد إلى سليمان بذلك، فكتب سليمان: «يا أمير المؤمنين، إني أجرت يزيد بن المهلب؛ لأنه مع أبيه وإخوته أحباء لنا من عهد أبينا، ولم أجر عدوًّا لأمير المؤمنين، وقد كان الحجاج عذبه وغرمه دراهمَ كثيرة ظلمًا، ثم طلب منه بعدها مثل ما طلب أولًا، فإن رأى أمير المؤمنين أن لا يخزيني في ضيفي فليفعل؛ فإنه أهل الفضل والكرم»، فكتب إليه الوليد: «إنه لا بد من إرسال يزيد مقيدًا مغلولًا»، فلما ورد ذلك الكتاب على سليمان أحضر ولده أيوب فقيده، ثم دعا بيزيد بن المهلب وقيده، ثم شد قيد هذا إلى قيد هذا بسلسلة، وغلهما جميعًا، وحملهما إلى أخيه الوليد، وكتب إليه: «أما بعد؛ يا أمير المؤمنين، فقد وجهت إليك يزيد وابن أخيك أيوب بن سليمان، وقد هممت أن أكون ثالثهما، فإن هممت يا أمير المؤمنين بقتل يزيد فبالله عليك فابدأ بقتل أيوب، ثم اجعل يزيدًا ثانيًا، واجعلني إن شئت ثالثًا، والسلام»، فلما دخل يزيد بن المهلب وأيوب بن سليمان على الوليد في سلسلة واحدة؛ أطرق الوليد؛ استحيًاء، وقال: لقد أسأنا إلى أبي أيوب؛ إذ بلغنا به هذا المبلغ. فأخذ يزيد يتكلم ويحتج لنفسه، فقال له الوليد: ما يحتاج إلى الكلام، قد قبلنا عذرك، وعلمنا بحكم الحجاج. ثم استحضر حدادًا فأزال عنهما الحديد، وأحسن إليهما، ووصل أيوب ابن أخيه بثلاثين ألف درهم، ووصل يزيد بن المهلب بعشرين ألف درهم، وردهما إلى سليمان، وكتب كتابًا للحجاج مضمونه: «لا سبيل لك على يزيد بن المهلب، فإياك أن تعاودني فيه بعد اليوم»، فسار يزيد بن المهلب إلى سليمان، وأقام عنده في أعلى المراتب وأفضل المنازل. وكان لا تأتي يزيد بن المهلب هدية إلا بعث بها إلى سليمان، ولا تأتي سليمان هدية إلا بعثها ليزيد، ظل يزيد مع سليمان لمدة تسعة أشهر حتى وفاة الحجاج سنة 95 هـ/ 714م.
تأسيس الرملة والتعمير
مئذنة المسجد الأبيض في الرملة، وهي الجزء المتبقي الوحيد منه.
أسس سليمان الرملة في بداية القرن الثامن وأصبحت عاصمته.
أطلال المسجد الأبيض في الرملة سنة 2014.
أسس سليمان مدينة الرملة كمقر لإدارته. وبقيت الرملة عاصمة لولاية فلسطين حتى العهد الفاطمي، حيث استبدلها سليمان بمدينة اللد، كان موقع مدينة اللد مفيدًا من الناحية اللوجستية والاقتصادية، لكن سليمان أسس عاصمته خارج المدينة. وفقًا للمؤرخ نمرود لوز، فمن المحتمل أن هذا يرجع إلى صغر مساحة اللد، وعدم مقدرته على توسيعها، خاصةً أن أغلب أراضي اللد تعود ملكيتها إلى أهلها، ولا يستطيع سليمان مصادرتها لتوسيع المدينة، فلجأ إلى نقل عاصمته الإدارية، وبناء مدينة جديدة.
يذكر الجهشياري أن سليمان سعى لتخليد ذكراه بعمل كبير، على غرار سمعة دائمة كبناء عظيم على غرار والده الذي بنى قبة الصخرة، والوليد الذي بنى الجامع الأموي في دمشق. وسميت الرملة نسبة إلى الرمال التي كانت تحيطها. ونقل القلقشندي أن اسم الرملة نسبةً إلى امرأة اسمها رملة، وجدها سليمان في بيت من الشَعر في هذا المكان، ولما رأت هذه المرأة سليمان أكرمته دون أن تعرفه. تطورت الرملة وأصبحت مركزًا اقتصاديًا وموطنًا للعديد من العلماء المسلمين، واستمرت عاصمةً إداريةً لولاية فلسطين حتى القرن الحادي عشر.
كان المبنى الأول الذي شيَّده سليمان في الرملة هو مقر إقامته، الذي يُعد الديوان أيضًا. وأمر بتشييد مسجد جامع في وسط المدينة الجديدة، عرف فيما بعد بالمسجد الأبيض، والذي اكتمل بناءه في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز عام 720م، لم يبق اليوم من المسجد سوى المئذنة الكبيرة، لذا تطلق عليه السلطات الإسرائيلية اسم «البرج الأبيض» بدل «المسجد الأبيض».
تطورت الرملة اقتصاديًا فصارت مدينةً تعج بأسواق للمنتجات الزراعية، ومركزًا للصباغة والنسيج والفخار. كما كانت موطنًا لعددٍ كبير من علماء الدين المسلمين. بنى سليمان قناة في مدينة تسمى البردى، والتي تنقل المياه إلى الرملة من تل الجزر، على بعد 10 كيلومتر (6.2 ميل) إلى الجنوب الشرقي. وحلت الرملة محل اللد مركزًا تجاريًا لفلسطين. وانتقل العديد من سكان اللد المسيحيين والسامريين واليهود إلى المدينة الجديدة.
اهتم سليمان أيضًا بالتشييد في ولايته عمومًا وبيت المقدس خصوصًا، وأمر سليمان ببناء حمام بالقرب من المسجد الأقصى. استخدم المصلون في قبة الصخرة هذا الحمام في الوضوء أيضًا. وينسب لسليمان بناء الأقواس والمطاحن والحدائق في أريحا، والتي دُمرت بسبب الفيضانات فيما بعد. كما طور منطقة زراعية بالقرب من القطيفة في ضواحي دمشق سميت «السليمانية» من بعده.
خلافته
توليه الخلافة
دينار ذهبي لسليمان بن عبد الملك، منقوش على الوجه «الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد» وعلى الظهر «لا إله إلا الله وحده لا شريك له».
درهم فضي لسليمان بن عبد الملك، منقوش على الوجه «الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد» وعلى الظهر «لا إله إلا الله وحده لا شريك له».
في عام 95 هـ/ 714م حاول الوليد -بعد نصيحة من الحجَّاج- أخذ البيعة لابنه عبد العزيز خلفًا له، وإلغاء البيعة التي أخذها أبوه عبد الملك لسليمان من بعده. ووفقًا للمؤرخ عمر بن شبة أن الوليد عرض على سليمان أموال طائلة للموافقة على ذلك، لكن سليمان رفض. فبعث الوليد إلى ولاته وعُمَّاله يأمرهم بأخذ البيعة لابنه عبد العزيز، لكنه لم يتلق ردود سوى من الحجاج والي العراق وقتيبة بن مسلم والي خراسان وما وراء النهر، لكن توفي الحجاج في ذات السنة. بينما اعترض عمر بن عبد العزيز على ذلك وقال: «لسليمان في أعناقنا بيعة.». فأخذه الوليد فحبسه وضربه، وقيل: خنقه بمنديل حتى صاحت زوجة عمر فاطمة بنت عبد الملك، فشكر سليمان لعمر ذلك الموقف. ونصح عباد بن زياد بن أبيه الوليد بالضغط على سليمان بالقوة، واستدعائه إلى دمشق. فأبطأ سليمان بالقدوم، فاعتزم الوليد المسير إليه على أن يخلعه من ولاية العهد، وأمر الناس بالتأهب، لكنه مرض، وتوفي الوليد بعد فترة وجيزة في يوم السبت 15 جمادى الآخرة 96 هـ الموافق 23 فبراير 715م. ووصل سليمان نبأ وفاة أخيه، وبذلك تولى الخلافة. وصل سليمان نبأ وفاة أخيه بعد سبعة أيام، وكان بالرملة، فسار إلى دمشق؛ فأخذ البيعة من أهلها، ولما قدم دمشق صعد المنبر، فخطب خطبة طويلة، فكان أول ما قال:
ركب تخب به المطي فغافل
عن سيره ومشمر لم يغفل
لا بد أن يرد المقصر والذي
حب النجاء محله لم تحلل
وكان مما قال:
سليمان بن عبد الملك أيها الناس، أين الوليد وأبو الوليد وجد الوليد وخلفاء الله، وأمراء المؤمنين، وساسة الرعية؟ وأسمعهم الداعي، وقبض العارية معيرها، فاضمحل ما كان كأن لم يكن، وأتى ما كأنه لم يزل، وبلغوا الأمد، وانقضت بهم المدة، ورفضتهم الأيام وشمرتهم الحادثات فسلبوا عن السلطنة، ونفضوا لدة الملك، وذهب عنهم طيب الحياة، فارقوا والله القصور وسكنوا القبور، واستبدلوا بلينة الوطاء خشونة الثرى، فهم رهائن التراب إلى يوم الحساب، فرحم الله عبداً مهد لنفسه، واجتهد لدينه، وأخذ بحظه، وعمل في حياته، وسعى لصلاحه، وعمل ليوم، ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ …
فعلى رسلكم بني الوليد، فإني شبل عبد الملك، وناب مروان، لا تظلعني حمل النائبة، ولا يفزعني صريف الأجرف، وقد وليت من أمركم ما كنت له مكفيا، وأصبحت خليفة وأميراً، وما هو إلا العدل أو النار، ليجدني الممارس لي أخشن من مضرس الكذاب، فمن سلك المحجة حذي نعل السلامة، ومن عدل عن الطريق وقع في وادي الهلكة والضلالة. ألا فإن الله سائل كلا عن كل، فمن صحت نيته ولزم طاعته كان الله له بصراط التوفيق، وبرصد المعونة، وكتب له بسيل الشكر والمكافأة، فاقبلوا العافية فقد رزقتموها، والزموا السلامة فقد وجدتموها، فمن سلمنا منه سلم منا، ومن تاركنا تاركناه، ومن نازعنا نازعناه.
فارغبوا إلى الله في صلاح نياتكم وقبول أعمالكم، وطاعة سلطانكم، فإني والله غير مبطل حداً، ولا تارك له حقاً حتى أنكثها عثمانية عمرية، وقد عزلت كل أمير كَرِهَتهُ رعيته، ووليت أهل كل بلد مَن أجمع عليه خيارهم، واتَّفَقَت عليه كلمتهم، وقد جعلت الغزو أربعة أشهر، وفرضت لذرية الغازين سهم المقيمين، وأمرت بقسمة صدقة كل مِصرٍ في أهله إلا سهم العامل عليها، وفي سبيل الله وابن السبيل، فإن ذلك لي وأنا أولى بالنظر فيه، فرحم الله امرءاً عرف منا سهو المفعل عن مفروض حق وأوجب فأعان برأي، وأنا أسأل الله العون على صلاحكم فإنه مجيب السائلين، جعلنا الله وإياكم ممن ينتفع بموعظته، ويوفي بعهده، فإنه سميع الدعاء، واستغفر الله لي ولكم.
سليمان بن عبد الملك
استمر سليمان في الحكم من فلسطين، حيث «كان محبوبًا كثيرًا»، وكان له دار كبيرة مكان طهارة جيرون وأخرى أنشأها للخلافة بدرب محرز. وعمل لها قبة شاهقة صفراء. يعتقد أغلب المؤرخين مثل يوليوس فلهاوزن أن الرملة أصبحت عاصمة الخلافة بدلاً من دمشق، العاصمة الإدارية التقليدية للأمويين. بينما يؤكد راينهارد أيزنر أنه اتخذ القدس عاصمة، بينما ذكر هيو كندي أنه بقي في مكان قريب من الرملة.
سياسته العامة
كان أسلوب حكم سليمان مختلف عن أسلافه، فمال إلى الموادعة والأخذ برأي أهل العلم، والتمسك بتعاليم الإسلام، فكتب إلى عُمَّاله : «إن الصلاة قد أُميتت فأحيوها بوقتها.»، كما انتهج منهج الشورى، فقد قال في خطبته: «قد عزلت كل أمير كرهته رعيته، ووليت أهل كل بلد من أجمع عليه خيارهم، واتفقت عليه كلمتهم»، مما يعني أنه عزل العمَّال والولاة الذين يكرههم الناس، وولى مكانهم من رغب الناس فيهم. مما جعل بعض المؤرخين يصفونه بأنه «من خيار بني أمية»، وقال المسعودي: «كان سليمان لين الجانب، لا يعجل إلى سفك الدماء، ولا يستنكف عن مشورة النصحاء». وقال ابن كثير الدمشقي: «يرجع إلى دين وخير ومحبة للحق وأهله، وإتباع القرآن والسنة وإظهار الشرائع الإسلامية رحمه الله». وقال جلال الدين السيوطي: «كان من خيار بني أمية، وكان مؤثرًا للعدل محبًا للغزو». ووصفه لسان الدين ابن الخطيب بقوله: «وكان قائماً برسوم الشريعة». وقال ابن قتيبة: «افتتح بخير وختم بخير لأنه رد المظالم إلى أهلها، ورد المسيرين وأخرج المسجونين الذين كانوا بالبصرة».
إدارة الدولة
ولايات وأقطار الدولة الأموية.
اتخذ سليمان عمر بن عبد العزيز مستشارًا له، وكان يستشير علماء المسلمين والفقهاء أمثال شيخه رجاء بن حيوة الذي كان يجعله قيَّمًا على عُمَّاله وولاته وحتى أولاده، قال سعيد بن صفوان عن رجاء: «وكانت له من الخاصة والمنزلة عند سليمان بن عبد الملك ما ليس لأحد، يثق به ويستريح إليه». وكان من أوائل أعمال سليمان أن عزل ولاة وعمَّال الحَجَّاج، وأمره بمعاقبة آل الحجاج بن يوسف، وبعث محمد بن يزيد الأنصاري إلى أهل الديماس في العراق الذين سجنهم الحجاج فأخرجهم، وكان منهم يزيد بن أبان الرقاشي ويزيد الضبي من عُبَّاد أهل البصرة.
عزل سليمان يزيد بن أبى مسلم عن العراق، وولى يزيد بن المهلب ولاية العراق حربها وصلاتها، وجعل صالح بن عبد الرحمن على الخراج، وعلى البصرة سفيان بن عبد اللّه الكندى، وعلى قضائها عبد الرحمن بن أذينة، وعلى قضاء الكوفة أبو بكر بن أبى موسى الأشعري. وفي 23 رمضان 96 هـ عزل سليمان عن إمرة المدينة عثمان بن حيان، وولى عليها أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وكان أحد العلماء والمحدثين، فحجَّ بالناس، وظلّ واليها طوال عهده. وعزل عبد الله بن موسى بن نصير عن ولاية إفريقية، وكان مولى الحجاج بن يوسف، وأمر به فأتي في الأغلال، فنظر إليه سليمان فقال: «لعن الله من ولاك». قال: «لا تفعل يا أمير المؤمنين؛ فإنك رأيتني والأمور مدبرة عني، فلو رأيتني في الإقبال لاستعظمت ما استحقرت». فقال: «قاتله الله ما أسد عقله». ثم قال: «أترى الحجاج يهوي بعد في جهنم أو بلغ قعرها؟» قال: «لا تقل ذاك؛ فإنه يحشر مع من ولاه». فقال سليمان: «مثل هذا فليصطنع». فأمر سليمان أن يبحثوا في ولايته وأمواله، فلم يجده أخذ درهمًا من الولاية، فعفا عنه. وولى محمد بن يزيد الأنصاري، بمشورة رجاء بن حيوة.
كما ولى عروة بن محمد بن عطية السعدي الجشمي على اليمن، وكان من الزهَّاد ورواة الحديث. أقر عبد الملك بن رفاعة على ولاية مصر، وكان الوليد قد ولاه على مصر في آخر أيامه خلفًا لقرة بن شريك العبسي، وأقره سليمان، وقد أحسن السيرة في أهل مصر، فكان عفيفًا عن الأموال دينًا وعادلًا وأمينًا. وولى على مكة عبد العزيز بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد.
عُمَّاله
الوظيفة الاسم
والي العراق وخراسان يزيد بن المهلب
والي المدينة أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
والي مكة عبد العزيز بن عبد اللّه بن خالد بن أسيد
والي إفريقية محمد بن يزيد الأنصاري
والي مصر عبد الملك بن رفاعة
والي اليمن عروة بن محمد بن عطية السعدي
والي الأندلس عبد العزيز بن موسى بن نصير (جمادي الآخرة 96 هـ – رجب 97 هـ)
أيوب بن حبيب اللخمي (رجب 97 هـ – ذو الحجة 97 هـ)
الحر بن عبد الرحمن الثقفي (ذو الحجة 97 هـ – 99 هـ)
والي السند يزيد بن أبي كبشة (96 هـ)
حبيب بن المهلب (96 هـ – 99 هـ)
والي البصرة سفيان بن عبد اللّه الكندى
قاضي البصرة عبد الرحمن بن أذينة
قاضي الكوفة أبو بكر بن أبى موسى الأشعري
والي خراج العراق صالح بن عبد الرحمن السجستاني
الكاتب سليمان بن سعد الخشني
وفاته
مرض سليمان بدابق من أرض قنسرين، فلما كان يوم الجمعة، أمر خاله فوضأه، ولبس حلة صفراء، ثم نزعها ولبس بدلها حلة خضراء، واعتم بعمامة خضراء، وجلس على فراش أخضر، وقد بسط ما حوله بالخضرة، ثم نظر في المرآة فأعجبه حسنه، وشمر عن ذراعيه، فقال: «أنا والله الملك الشاب»، فخرج إلى الصلاة يصلي بالناس الجمعة فلم يرجع حتى وعك.
يقول رجاء بن حيوة: استشارني سليمان بن عبد الملك وهو مريض أن يولي له ابنا صغيرًا لم يبلغ الحلم، فقلت: «إن مما يحفظ الخليفة في قبره أن يولي على المسلمين الرجل الصالح»، ثم شاورني في ولاية ابنه داود، فقلت: «إنه غائب عنك بالقسطنطينية ولا تدري أحي هو أو ميت»، فقال: «من ترى؟» فقلت: «رأيك يا أمير المؤمنين»، قال: «فكيف ترى في عمر بن عبد العزيز؟» فقلت: «أعلمه والله فاضلاً خياراً مسلماً»، فقال: «هو على ذلك، والله لئن ولّيته ولم أولِّ أحداً من ولد عبد الملك لتكونن فتنة ولا يتركونه أبداً يلي عليهم إلا أن أجعل أحدهم بعده»، ويزيد بن عبد الملك غائب على الموسم، قال: «فيزيد بن عبد الملك أجعله بعده، فإن ذلك مما يسكنه ويرضون به»، قلت: «رأيك»، فكتب سليمان بيده:
سليمان بن عبد الملك بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من عبد الله سليمان أمير المؤمنين لعمر بن عبد العزيز، إني وليته الخلافة من بعدي، ومن بعده يزيد بن عبد الملك، فاسمعوا له وأطيعوا، واتقوا الله ولا تختلفوا فيُطمع فيكم. سليمان بن عبد الملك
وختم الكتاب، فأرسل إلى كعب بن حامد صاحب الشرطة أن مُرْ أهل بيتي فليجتمعوا، فأرسل إليهم كعب فجمعهم، ثم قال سليمان لرجاء بعد اجتماعهم: «اذهب بكتابي هذا إليهم، فأخبرهم أنه كتابي ومُرهم فليبايعوا من وليت». ففعل رجاء، فلما قال لهم ذلك رجاء قالوا: «سمعنا وأطعنا لمن فيه»، وقالوا: «ندخل فنسلم على أمير المؤمنين»، قال: «نعم»، فدخلوا فقال لهم سليمان: «هذا الكتاب هذا عهدي، فاسمعوا وأطيعوا وبايعوا لمن سميت في هذا الكتاب»، فبايعوا رجلاً، ثم خرج بالكتاب مختوماً في يد رجاء.
دخل رجاء على سليمان فإذا هو يموت، فوجهه إلى القبلة، فأفاق يقول: «لم يأن لذلك بعد يا رجاء»، فلما كانت الثالثة قال: «من الآن يا رجاء إن كنت تريد شيئًا، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله»، فوجهه إلى القبلة فمات. فغطاه رجاء بقطيفة خضراء، وأغلق الباب عليه، وأرسل إلى كعب بن حامد فجمع الناس في مسجد دابق، فقال: «بايعوا لمن في هذا الكتاب»، فقالوا: «قد بايعنا»، فقال: «بايعوا ثانية»، ففعلوا، ثم قال: «قوموا إلى صاحبكم فقد مات»، وقرأ الكتاب عليهم، فلما ذكر عمر بن عبد العزيز تغيرت وجوه بني مروان، فلما قرأ وإن يزيد بن عبد الملك بعده، تراجعوا بعض الشيء. ونادى هشام قائلًا: «لا نبايعه أبدًا»، فقال رجاء: «أضرب عنقك والله، قم فبايع».
كانت وفاة سليمان في 10 صفر 99 هـ الموافق 22 سبتمبر 717م، بمرج دابق، واختلف المؤرخون في نوع مرضه، فقيل أُصيب بالتخمة، وقيل أُصيب بذات الجنب، وظهرت عليه أعراض المرض وهو يخطب الجمعة، فنزل محموم. بينما يرى سبط ابن الجوزي أنه مرض بعد وفاة ابنه أيوب كمدًا عليه، فيقول : «ما زال سليمان بعد وفاة ابنه يذوب وينحل، حتى مات كمدًا.» وتوفي وعمره 39 سنة، وقيل: خمس وأربعين سنة، وقيل: ثلاث وأربعين، وقيل: لم يجاوز الأربعين. وكانت مدة خلافته سنتين وثمانية أشهر، وقال محمد بن جرير الطبري: سنتين وثمانية أشهر إلا خمسة أيام، وزعم أبو أحمد الحاكم أنه توفي يوم الجمعة 17 رمضان، وأنه استكمل في خلافته ثلاث سنين وثلاثة أشهر وخمسة أيام. وصلى عمر بن عبد العزيز بالناس صلاة المغرب، ثم صلى على سليمان، ودفن بعد المغرب



