ترسانة القرن الحادي والعشرين.. كيف يخطط ترامب لاستعادة السيادة البحرية الأمريكية؟

كتبت سوزان مرمر

يستعد البيت الأبيض لإطلاق واحدة من أكثر المبادرات طموحاً في تاريخ الصناعة الأمريكية الحديثة؛ حيث من المقرر أن يعلن الرئيس دونالد ترامب يوم الاثنين عن مشروع وطني شامل لإعادة بناء وصناعة السفن.

 

هذا التحرك ليس مجرد خطة اقتصادية عابرة، بل هو بمثابة “استنفار عام” يهدف إلى معالجة الضعف الهيكلي الذي أصاب أحواض بناء السفن الأمريكية على مدار العقود الماضية.

 

يدرك ترامب أن القوة العظمى لا يمكن أن تظل مهيمنة إذا كانت تعتمد على موانئ أجنبية أو سفن تُبنى في بلدان منافسة، لذا فإن هذا المشروع يمثل حجر الزاوية في عقيدته الاقتصادية “أمريكا أولاً”.

 

التحدي الصيني وسباق التسلح البحري

تأتي هذه الخطوة في ظل تقارير استخباراتية وعسكرية تشير إلى فجوة متزايدة في عدد القطع البحرية بين الولايات المتحدة والصين.

 

فبينما تمتلك بكين أكبر أسطول بحري في العالم من حيث العدد، وتعزز قدراتها بوتيرة مذهلة، تعاني البحرية الأمريكية من تأخيرات في الصيانة ونقص في الكوادر الفنية المتخصصة.

 

مشروع ترامب الجديد يهدف إلى كسر هذا الجمود عبر “عسكرة الصناعة المدنية”؛ أي تحويل أحواض بناء السفن إلى خلايا نحل تعمل على مدار الساعة لإنتاج جيل جديد من المدمرات، والغواصات النووية، وحاملات الطائرات المسيرة، لضمان بقاء المحيطين الهادئ والهندي تحت الهيمنة الأمريكية المطلقة.

 

ثورة في “حزام الصدأ” والولايات الساحلية

من الناحية الاقتصادية، يمثل المشروع قمة “الشعبوية الصناعية” التي ينتهجها ترامب.

 

فبناء السفن هو صناعة “كثيفة العمالة” وتتطلب مهارات فنية عالية، مما يعني خلق مئات الآلاف من الوظائف ذات الأجور المرتفعة في ولايات مثل فرجينيا، وماين، ومسيسيبي، وكاليفورنيا. يطمح ترامب إلى تحويل “حزام الصدأ” الصناعي إلى “حزام فولاذي” بحري، حيث سيتم ربط مصانع الصلب في بنسلفانيا وأوهايو مباشرة بأحواض بناء السفن، مما يخلق دورة اقتصادية مغلقة ومستقلة تماماً عن الاستيراد الخارجي.

 

هذا النهج يهدف إلى استعادة الطبقة الوسطى الصناعية التي يرى ترامب أنها هُمشت بسبب سياسات العولمة السابقة.

 

التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في أعالي البحار

لن يقتصر المشروع على الطرق التقليدية في البناء، بل يتضمن دمجاً واسع النطاق للذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد في تصنيع قطع الغيار وهياكل السفن. يهدف ترامب إلى بناء “أساطيل ذكية” تضم سفناً ذاتية القيادة وأسلحة ليزرية متطورة، مما يقلل من التكاليف التشغيلية ويزيد من الفعالية القتالية.

 

ومن المتوقع أن يعلن الرئيس عن حوافز ضريبية هائلة لشركات التكنولوجيا في “سيليكون فالي” للانخراط في الصناعات الدفاعية البحرية، مما يجعل السفينة الأمريكية ليست مجرد قطعة فولاذ، بل منصة برمجية متطورة تتفوق على نظيراتها العالمية.

 

المواجهة التجارية والسيادة الملاحية

على الصعيد التجاري، يسعى ترامب إلى فرض واقع جديد يتم فيه نقل الصادرات الأمريكية من النفط والغاز المسال على متن سفن “بُنيت في أمريكا، وتُدار بأيدٍ أمريكية، وترفع العلم الأمريكي”.

 

هذا التوجه سيوفر لواشنطن سلاحاً جيوسياسياً فتاكاً؛ حيث لن تعود إمدادات الطاقة العالمية رهينة لشركات الشحن الدولية أو الممرات التي قد تسيطر عليها قوى معادية. إن السيطرة على “سلاسل التوريد البحرية” هي الخطوة النهائية لتأمين الاستقلال الاقتصادي التام الذي ينشده ترامب.

 

رسالة ردع للعالم

ختاماً، إن إعلان يوم الاثنين ليس مجرد تدشين لعدد من السفن، بل هو إعلان عن عودة “القرن الأمريكي” من بوابة المحيطات. يبعث ترامب برسالة ردع واضحة إلى بكين وموسكو بأن الولايات المتحدة مستعدة لإنفاق ما يلزم لاستعادة تفوقها البحري.

 

إذا نجح هذا المشروع في تجاوز عقبات التمويل والبيروقراطية، فإنه سيعيد تشكيل ملامح القوة العالمية لعقود قادمة، وسيجعل من صناعة السفن الأمريكية المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي، تماماً كما كانت صناعة السيارات في القرن الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى