مدبولي يوضح مسار إدارة الدين ويؤكد التزام الحكومة بتحسين معيشة المواطنين

كتبت سوزان مرمر

أكد د. مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن إدارة الدين العام في مصر لم تعد مجرد أرقام اقتصادية تُتداول في التقارير، بل أصبحت سؤالًا مشروعًا لدى المواطنين حول القدرة على الاستمرار في ظل الضغوط المعيشية المتزايدة.

 

وأوضح خلال مقالة له نشرت على صفحة مجلس الوزراء، أن القلق يزداد مع ارتفاع كُلفة المعيشة وضيق هوامش الإنفاق العام، ويبدو المشهد مختزلًا في معادلة مباشرة بين الدين المرتفع والضغوط اليومية، مؤكدًا أن الحكومة تتعامل مع هذا الملف بشفافية وعمق، مع مراعاة السياق الدولي والصدمات المتلاحقة التي أعادت تشكيل أولويات التمويل والنمو خلال السنوات الأخيرة.

 

وأشار رئيس الوزراء إلى أن مصر لم تتحرك منذ عام 2020 في فراغ، بل واجهت، مثل العديد من الاقتصادات النامية، بيئة دولية شديدة الاضطراب، شملت جائحة عالمية غير مسبوقة أعقبها تضخم حاد وأسرع دورة تشديد نقدي عرفها الاقتصاد العالمي منذ عقود.

 

وفي هذا الإطار جاءت الضغوط المرتبطة بارتفاع الدين وخدمته انعكاسًا لكلفة الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ومنع الانكماش، قبل أن تبدأ الدولة اليوم مرحلة الانتقال من إدارة الأزمة إلى إعادة ضبط المسار المالي.

 

وأوضح مدبولي، أن الأرقام الحالية قد تبدو للبعض نهاية الطريق، إلا أن الحالة المصرية تؤكد أن جوهر التحول لا يتحدد بحجم الدين فقط، بل باتجاه حركته ومصادر تمويله وهيكل آجاله.

 

وأوضح أن الدولة أصبحت في عام واحد سدّادًا صافياً للدين الخارجي بنحو 3.4 مليار دولار، رغم بقاء الرصيد الكلي مرتفعًا نتيجة تراكمات سابقة، وتم تحويل التزامات بقيمة 11 مليار دولار إلى استثمار مباشر طويل الأجل، في خطوة تعكس تحولًا مقصودًا من الاعتماد على الاقتراض قصير الأجل إلى شراكات أطول أمدًا وأكثر ارتباطًا بالقدرة الإنتاجية.

 

وأضاف أن الديون طويلة الأجل أصبحت تمثل نحو 81% من إجمالي المديونية، ما يقلل ضغوط إعادة التمويل ويمنح المالية العامة مساحة زمنية أوسع للإدارة، مشيرًا إلى أن هذا التحول قد لا يظهر في رقم الدين المجرد، لكنه يتضح عند تتبع حركة الأموال الداخلة والخارجة، وما إذا كانت الموارد الجديدة تضيف أعباء سداد مستقبلية أم تسهم في تخفيفها عبر الاستثمار والنمو.

 

وأشار رئيس الوزراء إلى استخدام أدوات غير تقليدية لإدارة الدين، أبرزها آلية مبادلة الديون، حيث لعبت مصر دورًا بارزًا في عام 2024، وكانت إحدى سبع دول فقط نفذت اتفاقات ساعدت في خفض الالتزامات الخارجية مع إعادة توجيه الوفورات نحو مشروعات تنموية وقطاعات اجتماعية وبيئية. وأضاف أن هذه العملية كانت الأكبر عالميًا خلال العام، ما يعكس اعتماد الدولة على أدوات دولية معترف بها لتخفيف العبء المالي، وتحويل جزء من الالتزامات إلى موارد تُستخدم مباشرة في دعم أولويات التنمية، بدل استنزافها في خدمة الدين وحده.

 

وأكد مدبولي أن السؤال الحقيقي لا يرتبط بحجم الدين فحسب، بل بكيفية إدارته والغرض من استخدامه، وكيفية توزيع كلفته عبر الزمن، مشددًا على أن الدين الذي يضغط على الموازنة ويزاحم الإنفاق الاجتماعي يختلف عن دين يُعاد توجيهه أو يُستبدل بتدفقات استثمارية تخفف عبء السداد وتدعم النمو. وبين هذين النموذجين تعمل الدولة اليوم، في مسار معقد لا يخلو من كلفة، لكنه يعكس توجهًا مقصودًا للانتقال من التمويل الطارئ إلى منطق الاستدامة والانضباط المالي.

 

وأوضح رئيس الوزراء أن الجدل حول الدين مرتبط بلحظة زمنية معينة، تتقاطع فيها استحقاقات سابقة مع محاولات تصحيح لاحقة، فتظهر الأرقام في أقصى درجات حدتها قبل أن تبدأ بالانحسار. وأضاف أن التجارب الدولية تشير إلى أن كلفة التحول غالبًا ما تتجسد أولًا في صورة ضغوط مالية مرتفعة، قبل أن تنعكس آثار إعادة الهيكلة وتغيير أدوات التمويل على مؤشرات الاستدامة والقدرة على الحركة، ومن هنا يتحدد معيار التقييم بين قراءة آنية للأعباء وقراءة أعمق لمسار جاري العمل عليه لم تكتمل نتائجه بعد.

 

وأكد أن تعامل الحكومة مع ملف الدين لا يقوم على ثنائية الدفاع أو الإدانة، بل على قراءة مركبة تُميز بين الضغوط الظرفية والاختيارات الاستراتيجية، مشددًا على أن الدولة التي تمر بذروة في خدمة الدين ليست بالضرورة دولة تسير في اتجاه خاطئ، وأن تحسن الأرقام في الأجل القصير لا يعني بالضرورة ترسخ الأسس الاقتصادية. وأوضح أن المعيار الأهم لتقييم السياسات هو اتجاه الحركة: هل يتغير هيكل التمويل؟ هل تقل الاعتمادية على الديون قصيرة الأجل؟ وهل تُستبدل الالتزامات المالية بتدفقات تولد قيمة مضافة مستدامة؟ عند هذا الحد يصبح التقييم موضوعيًا، وينتقل النقاش من صخب الأرقام إلى جوهر السياسات وأثرها الحقيقي.

 

وأكد أن المرحلة الراهنة تمثل اختبارًا لصلابة الاختيارات أكثر مما هي اختبار لسلامتها النظرية، موضحًا أن الانتقال من اقتصاد يعتمد على تدفقات دين سريعة إلى اقتصاد يجذب استثمارات أطول أمدًا ويعيد توزيع أعباء التمويل عبر الزمن لا يتم دون كلفة، ولا يمر دون ضغوط اجتماعية ومالية محسوسة. وأضاف أن الفارق الجوهري يكمن في أن هذه الكلفة، رغم شدتها، ترتبط بمحاولة كسر حلقة الاستدانة المتكررة، لا بإدامتها، وبإعادة بناء علاقة أكثر توازنًا بين التمويل والنمو، لا بالهروب المؤقت من الاستحقاقات.

 

وأشار مدبولي إلى أن التحدي الأكبر أمام الحكومة هو إدارة هذه اللحظة مع الرأي العام، ليس عبر التقليل من حجم العبء أو إنكاره، بل عبر وضعه في سياقه الصحيح وشرح أسبابه وحدوده والمسار المتوقع لتفكيكه، مؤكدًا أن الأزمات المالية لا تُقاس فقط بحدّة أرقامها، بل بقدرة الدولة على تحويلها من نقطة ضعف إلى دافع لإعادة الانضباط، ومن ضغط آني إلى مسار تصحيحي طويل النفس، يُقاس نجاحه بمرور الوقت وبالأثر الحقيقي، لا بلحظة واحدة.

 

وأوضح أن بعض المناقشات العامة ربطت الدين العام بتمويل مشروعات محددة، مختزلة الأزمة في مشاريع يُقال إنها بلا جدوى مقابل إهمال بناء الإنسان، وهو طرح مبسط، لكنه لا يعكس الصورة الكاملة، حيث يتم تجاهل العائد الاقتصادي الكلي طويل الأجل للمشروعات الاستثمارية والبنية الأساسية، التي تقلل تكاليف الإنتاج والنقل، وتزيد إنتاجية العمل، وترفع القيمة الاقتصادية للأصول، وهي شروط ضرورية لتحسين التعليم والصحة وخلق فرص عمل مستدامة. وأضاف أن بناء الإنسان يحتاج إلى بيئة عمرانية وخدمية قادرة على استيعاب النشاط الاقتصادي وجذب الاستثمار.

 

وأكد أن الدين لم يكن نتاج هذه المشروعات وحدها، بل تشكّل نتيجة صدمات خارجية متلاحقة فرضت تمويل فجوات قائمة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، مشيرًا إلى أن الإنفاق الاجتماعي لم يتوقف، لكنه واجه ضغوطًا قللت أثره الظاهر بفعل التضخم والنمو السكاني. وأضاف أن اختزال أزمة الدين في مشروعات محددة لا يقدم تشخيصًا دقيقًا، ويبعد النقاش عن السؤال الأهم: كيف نحوّل الاستثمارات المادية إلى قاعدة إنتاجية تعزز بناء الإنسان؟

 

وأكد رئيس الوزراء أن مسار إدارة الدين جزء من رؤية أوسع للإصلاح، لا هدف قائم بذاته، مشيرًا إلى أن نجاح السياسات الاقتصادية لن يقاس بمجرد تراجع الأرقام، بل بانعكاسها على حياة المواطنين من خلال اقتصاد قادر على خلق فرص العمل وتحسين جودة الخدمات وتعزيز العدالة في توزيع أعباء التحول، مشددًا على الالتزام بالاستمرار في هذا المسار بقدر عالٍ من الانضباط والشفافية، مع تخفيف الكلفة الاجتماعية والمالية قدر الإمكان.

 

وأشار إلى أن الحكم على مسار الدين لا يكون عند لحظة الذروة، بل بعد تجاوزها، فالدول لا تُقاس بقدرتها على تجنب الأزمات دائمًا، بل بقدرتها على إدارتها وتحويلها لمسارات تصحيح أكثر توازنًا واستدامة، مؤكدًا على ربط إدارة الدين بالنمو الحقيقي وبناء الإنسان، حتى يصبح ما تتحمله الدولة اليوم عبورًا نحو اقتصاد أقوى وأكثر قدرة على تلبية تطلعات المواطنين، لا عبئًا دائمًا يقيّد المستقبل.

 

واختتم البيان بالإشارة إلى أن المجموعة الاقتصادية تعمل على دراسة وتنفيذ حزمة من الإجراءات الاستثنائية لخفض أعباء الدين وتسريع مسار الاستدامة المالية، وسيتم الإعلان عن أبرزها خلال الأيام المقبلة، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بما يساهم في تحسين أوضاع المعيشة وتوسيع هامش الإنفاق على الخدمات الأساسية للمواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى