للأوقات مقامات..الزمن ليس خصما

بقلم الاعلامية صفاء مهنا
لكل لحظة معناها الذي لايتكرر كما للأوقات أحكامها وللظروف لغتها الخاصة ، نحن لانخسر بسبب الجهل بقدر مانخسر بسبب الاستعجال ،نريد النتائج قبل اكتمال الشروط ،ونطلب المعنى قبل نضج التجربة وملاءمة الظروف والتوقيت ،وكأننا ننسى أن الزمن ليس خصما يهزم بل شريكا يفهم ،ومن يجهل مقام الوقت أخطأ ولو أصاب .
من منا لايعرف الصحفي الاميريكي إدوارد مورور ومن لم يتأثر بتجربته وإرثه الصحافي ،فهو رمز الصحافة النزيهة والأخلاقية التي تضع الحقيقة فوق كل الاعتبارات (التجارية والسياسية) حيث وضع معايير الصحافة الموضوعية والنزاهة في البث التلفزيوني ,لكنه في خمسينيات القرن الماضي دفع ثمن الحقيقة في غير أوانها ،حيث تراجع برنامجه الشهير أنذاك (شاهد الآن)بداية ثم توقف ،ليس لأنه افتقر إلى الأدلة أو المهنية والحقيقة، بل افتقر إلى التوقيت المناسب ،حيث المجتمع الأمريكي كان محكوما حينها بالخوف ،والخوف لايسمع الحقيقة ،بل يراها تهديدا.
واجه مورو حينها (المكارثية)ولم يكن خطؤه في الصدق والحقيقة بل في توقيتهما .
كذلك الفيلسوف الإغريقي سقراط دفع حياته ثمنا لسوء التوقيت ،لأنه قال الحقيقة في غير أوانها ، حيث لم يكن المجتمع الأثيني مستعدا لسماعها .
هذا مايدفعني للتوقف عند فكرة مقامات الوقت وقانون الزمن :أن تكون على حق ليست كافية بل أن تكون على حق حين يستطيع العالم سماعك.
حيث الحياة والأحداث تدار بوعي الزمن (التعامل مع اللحظة بعناية ووعي مقامها )نخطئ حينما نتعامل مع الوقت كشيء قابل للترويض بينما في الحقيقة هو يروضنا ويعلمنا متأخرا أن بعض القرارات كانت يجب أن تتخذ وبعضها كان يجب أن يؤجل.
فللألم مقام لايحتمل التفسير ،وللفقدان زمن لايقبل السرعة ،كذلك في أوقات الفرح يصبح الامتنان واجبا لاترفا ،هناك توقيت للكلام وآخر للإصغاء ،توقيت للمواجهة وآخر للانسحاب الكريم ،للأزمات أيضا مقامها فهي لاتدار بالضجيج ،كذلك العلاقات لها مقامها وتوقيتها ،وقت البدايات يختاج لللصدق ،والاستمرار للصبر أما الانسحاب يحتاج للشجاعة ،والحكمة ليست في كثرة الفعل بل في اختيار الفعل المناسب في التوقيت المناسب.
فأقسى الدروس تلك التي يشرحها الوقت بعد انتهائها ،حيث الوعي بالوقت ومقامه ليس مهارة بل نجاة ،أن تتعرف متى تتقدم،أو تتوقف ومتى تتأخر ، ومتى تترك الأشياء تمضي دون مقاومة ،فالوقت لاي،هزم ولاي،خدع بل يمر ليكشف حقيقة كل شيء في مقامه الصحيح ،فاحفظ مقامات الوقت لأن من لايقرأ لحظته يقرأ ندمه لاحقا..أبعد الله الندم وسوء التوقيت عنا وعنكم.



