سلسلة خلفاء الدولة الأموية .. يزيد بن معاوية بن ابى سفيان

كتبت سوزان مرمر

يزيد بن معاوية

ثاني خُلفاء بني أميَّة (حكم 60 – 64هـ / 680 – 683م)

أبُو خالِد يَزيد بن مُعاوية بن أبي سُفيان بن حَرب بن أُميَّة بن عَبدِ شَمْس بن عَبدِ مَنَاف القُرشيُّ (23 رمضان 26 هـ – 14 ربيعُ الأوَّل 64 هـ / 20 يُوليو 647 – 12 نُوفَمْبَر 683 م)، ثاني خُلفاء بَني أُميَّة، حيث حكم في الفترة بين 15 رَجَب 60 هـ – 14 ربيعُ الأوَّل 64 هـ / 21 أبريل 680 – 12 نُوفَمْبَر 683 م.

 

يزيد بن معاوية

يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية

معلومات شخصية

الميلاد

23 رمضان 26 هـ

20 يوليو 647

مكة المكرمة أو الماطرون , دولة الخِلافة الرَّاشدة

الوفاة

الثلاثاء 14 ربيع الأول 64 هـ

12 نوفمبر 683 (36 سنة)

حوارين الدولة الأموية

مكان الدفن

مقبرة باب الصغير

مواطنة

الدولة الأموية تعديل قيمة خاصية (P27) في ويكي بيانات

الديانة

مسلم سني

الزوجة

أم هاشم بنت هاشم

أم كلثوم بنت عبد الله

أمهات أولاد شتى

الأولاد

معاوية

خالد

عبد الله

عاتكة

الأب

معاوية بن أبي سفيان

الأم

ميسون بنت بحدل الكلبية

الخليفة الأموي الثاني

أمير المؤمنين

خليفة المسلمين

الحياة العملية

معلومات عامة

الفترة

15 رجب 60 – 14 ربيع الأول 64هـ

(21 أبريل 680 – 12 نوفمبر 683م)

التتويج

680 (60 هـ)

معاوية بن أبي سفيان

معاوية بن يزيد

السلالة

الأمويون

المهنة

شاعر، وحاكم، وخليفة المسلمين

اللغات

العربية تعديل قيمة خاصية (P1412) في ويكي بيانات

 

ولد يَزيد في قرية الماطرُون من نواحي الشَّام في عهد الخليفةُ الرَّاشِدي عُثمان بن عفَّان، وقد عاصر في صباه أحداث فتنة مقتل عُثمان، وكان بالقُرب من أبيه، والذي كان والي الشَّام آنذاك، حيث رفض مُعاوية خِلافة عليُّ بن أبي طالِب ما لم يتم القَصاص من قتلة الخليفة عُثمان أولًا، فدارت بينهما معركةٍ دامية وانتهت بالتحكيم، وباستمرار الخِلاف بين الطرفين لسنواتٍ عدة، وبعد اغتيال الخليفة عَلِي سنة 40 هـ / 661 م على يد ابن مُلجم الخارجيّ، تولَّى الحَسَن بن علي للخِلافة، والذي قرر التَّنازُل عنها لصالح مُعاوية، بهدف توحيد صُفوف المُسلمين وإنهاء الفتن.

 

وفي خِلافة أبيه مُعاوية، والذي أعاد الفُتوحات الإسلاميَّة إلى الواجِهة بعد توقُّفها لفترةٍ طويلة على غرار أحداث الفِتنة، تولَّى يزيد بأمرٍ من أبيه عدة حملات عسكريَّة ضد الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة، بما في ذلك قيادته لأوَّل مُحاولة لفتح القُسْطَنْطِينيَّة والذي حوى عددًا من الصَّحابة آنذاك بين سنتي 53 و60 هـ / 674 – 678 م، إلا أن الشِّتاء القارس وصُعوبة الإمدادات وبُعد المسافة، اضطَّرهُم للعودة آنذاك. ومع ذلك، فقد مهَّد الخليفة مُعاوية لتولية يزيد من بعدهِ للخِلافة، على الرُّغم من مُعارضة بعضًا من كبار الصَّحابة آنذاك.

 

تولَّى يزيد الخلافة بعد وفاة والده سنة 60 هـ / 680 م، بعد أن بايعتهُ الأُسرة الأُمَويَّة والعديد من الصَّحابة في حياة أبيه كوليًا للعهد، إلا أنه بعد تولّيه للخِلافة، واجه مُعارضة قويَّة من قبل صحابيَّان بسبب رفضهم لفكرة الحُكم الوِراثي، هُما الحُسَين بن عَلِي بن أبي طالِب، وعبد الله بن الزُّبَير بن العوَّام، كما كان أهالي الكُوفة مُنزعجين من تولّيه الخِلافة، فراسلوا الحُسَين، وطلبوا منهُ القُدوم إليهم لمُبايعتهِ كخليفة ونُصرته، ولكنه ما إن وصل بالقُرب من مدينتهم، حتى تخلوا عن نُصرته وتبرأوا من الكُتُب المُرسلة إليهم بعد تهديد والي الكُوفة عُبيد الله بن زياد، واضطَّر الحُسَين إلى مُقاتلة الجيش الأُمَويّ في هذه الحال، ورافِضًا للاستسلام الذي عُرض عليه بطريقة مُهينة، فكان مع قِلَّة من أنصاره وأهلُ بيته. انتهت المعركة الدَّامية بمصرع الحُسَين والعديد من إخوتهِ وأبنائه ومن أهلُ بيتِه مما أغضب جُموع المُسلمين لمقتل ابن بنت رسول الله.

 

سبَّب مقتل الحُسَين إلى نمو المُعارضة ضد حكم يزيد وإلى شُعور النَّاس بضرُورة القيام بشيء. فاعتصم عبد الله بن الزُّبَير في مدينة مكَّة، وزادت شعبيَّتهُ في الحِجاز وتهامة. كما ثار أهل المَدينة المُنوَّرة في وجه يزيد في سنة 63 هـ / 682 أو 683 م، وخلعوا طاعتُه. وأمام هذه التحرُّكات المُعارضة ضده، قام يزيد بتجهيز جيشٍ لمحاربة عبد الله بن الزُّبَير، وكذلك لمُحاربة أهل المدينة بعد أن يُخيَّرهُم في العودة إلى الطَّاعة أو الحرب. لم تنتهِ الأمور كما يُرام بالنسبة إلى أهالي المدينة المُنوَّرة، فقد انهزموا أمام الجيش الأُمَويّ وتعرَّضت المدينة للنَّهب والفظائع على مدار ثلاثة أيام. كما تعرَّضت مدينة مكَّة المُقدَّسة إلى حملتين عسكريِّتين، أوَّلُها حملة عمرُو بن الزُّبَير، التي فشلت وانتهت بمقتله، والثانية كانت أكثر ضراوةً، حيث أصيبت الكَعْبَة بانهدام أجزاء منها نتيجة القصف الذي أحدثهُ الجيش الأُمَوي بقيادة الحُصَين بن نُمَير، وفي أثناء حِصار مكَّة، وعلى تلك الأحوال، وصلت الأنباء بوفاة الخليفة يزيد في إحدى قُرى حِمْص، ما جعل الجيش يعُود أدراجهُ نحو الشَّام لمعرفة الخليفة الجديد وتلقِّي الأوامر.

 

بُويع ابنهِ مُعاوية بن يزيد، والذي هالهُ ما أحدثهُ أبيه يزيد في مُحاربة المُعارضين المُسلمين من أجل السُّلطة، فتنازل عن الخِلافة بعد ستة أشهر، ودخلت البِلاد الإسلاميَّة المُمتدة على رُقعةٍ واسِعة إلى حربٍ بين المُطالبين بالخِلافة، حيث بُويع مُروان بن الحَكم في دِمَشْق كخليفةً من بَنِي أُمَيَّة، في مواجهة المُطالب بالخِلافة أيضًا عبد الله بن الزُّبير في مكَّة، والتي انتهت في أيَّام الخليفة عبد الملِك بن مُروان حيث استطاع فرض سُلطته على البِلاد لصالح الخِلافة الأُمَويَّة وبات المُؤسس الثَّاني للدولة. بقيت شخصيَّةُ يزيد مُثيرة للجدل بين المُؤرِّخين والعُلماء وعامَّةُ النَّاس، وذلك حول إسلامه أو كفره، فمن إجازة لعنه إلى رفض ذلك، وحول نُصبِهِ العداء لآل البيت إلى براءته منها، وحول شُربه للخمر أو تبرئته منها.

نشأته

نسبه

أما نسبه فهو: يزيد بن معاوية بن أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

 

وأمه هي: ميسون بنت بحدل بن أنيف بن دلجة بن قنافة بن عدي بن زهير بن حارثة بن جناب، من قبيلة كلب.

 

ولادته

ولد يزيد في قرية الماطرُون بالقرب من مدينة الضمير شمال شرقي دِمَشْق سنة 26 هـ / 647 م. وقيل أنه ولد في مكة المكرمة نُسبةً إلى شعرٍ له:

 

 

إني ابن زمزم والحطيم ومولدي

بطحاء مكة والمحلة يثرب

عاش يزيد مع أخواله لأمه فترة طفولته عندما طلق والده الصحابي معاوية والدته ميسون بنت بحدل، إلا أن يزيد لم يستمر في العيش هناك إذ عاد إلى دمشق بأمر من والده ليحضر مجالسه ويستفيد من سياسته. عند عودة يزيد أحضر والده له المؤدبين، والعلماء، والنسابين، مثل دغفل بن حنظلة السدوسي الشيباني، مؤدباً ونسابة. وعبيد بن شرية الجرهمي، عارف بأيام العرب وأخبار الماضين. وعلاقة بن كرشم الكلابي النسابة. وهؤلاء النسابون أثروا في يزيد، حيث يعتبر يزيد من النسابين الخبراء في النسب، وهو رأس الطبقة الثانية في طبقات النسابين. وكان الصحابي معاوية يأمر ابنه بالاستماع إلى وفود العرب التي تفد عليه ليأخذ من حكمتهم. وكان علماء اللغة يحضرون مجلسه.

 

خَلْقِه وخُلُقِه

كان طويلاً، أسمرَ، مجعد الشعر، شديد سواد العين وبياضها، في وجهه أثر الجدري، ذا لحية خفيفة حسنة، شاعراً فصيحاً، خطيباً، كريماً، شجاعاً، غير متكلف في حياته.

 

في خِلافة أبيه مُعاوية

غزوة الطوانة

في سنة 45 للهجرة أرسل معاوية يزيد بجيش إلى الروم ومعه زوجته أم كلثوم بنت عبد الله بن عامر، فنزل في دير سمعان ووجه الجنود ليقاتلوا وسميت باسم غزوة الطوانة(1)، وهناك أصابهم وباء الجدري فتمثل بيتين في الوباء، فلما سمع معاوية كلامه حلف عليه إلا أن يلحق بالجيش، فكتب إليه يزيد بيتين من الشعر يجيبهم فيها عليه.

 

غزوة القسطنطينية

وفي سنة 49 للهجرة(2)، بدأ معاوية بتجهيز جيش كبير ليغزو القسطنطينية، وجعل هذا الجيش بقيادة ابنه يزيد، وأرسل مع ابنه بسر بن أرطأة، وسفيان بن عوف، وفضالة بن عبيد الأنصاري. وتم تقسيم الجيش الإسلامي إلى جيش بحري وجيش بري، وعلى عرش الدولة البيزنطية قسطنطين الرابع، والذي استعد لإيقاف الغزوة. واشترك في هذه الغزوة الكثير من الصحابة وأبنائهم مثل: أبو أيوب الأنصاري، عبد الله بن عباس، عبد الله بن الزبير، عبد الله بن عمر، الحسين بن علي وأبو ثعلبة الخشني. ويعود السبب في اشتراك الكثير من الصحابة وأبنائهم في هذه المعركة هو حديث:

 

يزيد بن معاوية أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم يزيد بن معاوية

— حديث نبوي، صحيح البخاري

 

بعد وصول الجيش الإسلامي إلى القسطنطينية تم محاصرتها من البر والبحر بأعداد كبيرة من الجند والسفن، بدأ الهجوم من الجهة الشرقية في محاولة لاختراق الدفاعات والاقتراب من أسوار المدينة، وبعد ذلك بدأ الهجوم في البحر حيث قام عبد الله بن قيس بمهاجمة السفن البيزنطية وتدميرها وأخذ راكبيها أسرى إلى يزيد. حاول يزيد استغلال هذه الفرصة، فأمر بقتل الأسرى أمام أنظار البيزنطيين، إلا أن هذه المحاولة لم تنجح في إضعاف البيزنطيين وهمتهم، بعد ذلك بدأ البيزنطيون برد الهجوم على المسلمين فهاجموهم بالنار الإغريقية والتي ساهمت في هزيمة المسلمين. في نهاية المعركة مرض الصحابي أبو أيوب الأنصاري مرض الموت فطلب من يزيد أن يدفنه عند أقرب مسافة من العدو، وبعد وفاة أبي أيوب الأنصاري سار يزيد بالجيش إلى أقرب موضع قدر عليه ثم دفنه، ورغم انتهاء المعركة إلا أن الحرب لم تنته حيث استمر الحصار حتى سنة 60 للهجرة، رغم عودة يزيد إلى دمشق ثم حجه بالناس في نفس العام.

 

ترشيحه لولاية العهد

المرشحون لخلافة معاوية

لم يكن يزيد أحد المرشحين لخلافة معاوية لحكم المسلمين في بادئ الأمر، بل حدد الخليفة معاوية بن أبي سفيان أن الخلفاء من بعده سيكون واحداً من ستة أشخاص سماهم، وهم: سعيد بن العاص، عبد الله بن عامر، الحسن بن علي، مروان بن الحكم، عبد الله بن عمر، عبد الله بن الزبير.

 

ووصفهم معاوية بصفات حسنة كالفقه، والاهتمام بالحدود، والكرم، والدهاء. ولم يفكر الصحابي معاوية في أخذ البيعة ليزيد إلا بعد وفاة الحسن بن علي، وكان يرى أنه لم يبق إلا ابنه وأبناء الصحابة وابنه أحق، لتمرسه السياسة ومعرفته بحاله وأن أهل الشام لا يقبلون إلا أموياً لذا قال ابن كثير، وابن خلدون:

 

يزيد بن معاوية ولما كان يتوسم فيه من النجابة الدنيوية، وسيما أولاد الملوك ومعرفتهم بالحروب وترتيب الملك والقيام بأبهته، وكان يظن أنه لا يقوم أحد من أبناء الصحابة في الملك مقامه يزيد بن معاوية

— البداية والنهاية، ابن كثير

 

يزيد بن معاوية وكذلك عهد معاوية إلى يزيد خوفاً من افتراق الكلمة بما كانت بنو أمية لم يرضوا تسليم الأمر إلى من سواهم، فلو قد عهد إلى غيره اختلفوا عليه، مع أن ظنهم كان به صالحاً، ولا يرتاب أحد في ذلك، ولا يظن بمعاوية غيره، فلم يكن ليعهد إليه، وهو يعتقد ما كان عليه من الفسق، حاشاً لله لمعاوية من ذلك يزيد بن معاوية

— مقدمة ابن خلدون، ابن خلدون

 

وقد أعلن معاوية خوفه هذا على عبد الله بن عمر، كما كان يدعو الله خوفاً من أن يكون تعيين يزيد ولياً للعهد هو حب الأب لابنه، فقال:

 

يزيد بن معاوية إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع يزيد بن معاوية

— البداية والنهاية، معاوية بن أبي سفيان

 

يزيد بن معاوية اللهم إن كنت تعلم أني وليته لأنه فيما أراه أهل لذلك فأتمم له ما وليته، وإن كنت تعلم أني إنما وليته لأني أحبه فلا تتمم له ما وليته يزيد بن معاوية

— البداية والنهاية، معاوية بن أبي سفيان

 

أخذ البيعة ليزيد

أهل دمشق

طرحت فكرة البيعة أولاً على أهل دمشق، فصعد خليفة المسلمين معاوية على المنبر وأعلن أنه اختار يزيداً خليفة بعده فرضي أهل دمشق وبايعوه بدون أي اعتراض.

 

الوفود من الأمصار

في سنة 51 للهجرة أرسل الخليفة معاوية إلى البلدان بأن يفد إليه الناس، فكان مماً أتى:

 

وفد أهل الشام

الضحاك الفهري.

ثور السلمي.

عبد الله الأشعري.

عبد الله الفزاري.

عبد الرحمن الثقفي.

حسان الكلبي.

وفد أهل البصرة

الأحنف بن قيس التميمي.

وفد أهل المدينة

محمد الأنصاري.

 

واجتمع الخليفة بهم ما عدا ممثل أهل المدينة فتكلم معه على انفراد، وقال كل واحد منهم رأيه.

 

يزيد بن معاوية ما أصبح اليوم على الأرض أحد أحب إلي رشداً من نفسك سوى نفسي، وإن يزيد أصبح غنياً في المال، وسطاً في الحسب، وإن الله سائل كل راع عن رعيته، فاتق الله وانظر من تولي أمة محمد يزيد بن معاوية

— العقد الفريد، محمد الأنصاري

 

يزيد بن معاوية يا أمير المؤمنين، إنه لابد للناس من وال بعدك، والأنفس يغدى عليها ويراح، وإن الله قال:{كل يوم هو في شأن} ولا ندري ما يختلف به العصران، ويزيد ابن أمير المؤمنين في حسن معدنه وقصد سيرته، من أفضلنا حلماً وأحكمنا علماً، فوله عهدك واجعله لنا علماً بعدك، فإنا قد بلونا الجماعة والألفة، فوجدناها أحقن للدماء، وآمن للسبل، وخيراً في العاقبة والآجلة يزيد بن معاوية

— العقد الفريد، الضحاك الفهري

 

يزيد بن معاوية أيها الناس، إن يزيد أمل تأملونه، وأجل تأمنونه، طويل الباع، رحب الذراع، إذا صرتم إلى عدله وسعكم، وإن طلبتم رفده أغناكم، جدع قارح، سوبق فسبق، وموجد فمجد، وقورع فقرع، فهو خلف أمير المؤمنين ولا خلف منه يزيد بن معاوية

— العقد الفريد، عمرو بن سعيد

 

يزيد بن معاوية أمير المؤمنين هذا(وأشار إلى معاوية)، فإن هلك فهذا(وأشار إلى يزيد)، فمن أبى فهذا(وأشار إلى السيف) يزيد بن معاوية

— العقد الفريد، يزيد بن المقنع

 

يزيد بن معاوية يا أمير المؤمنين، أنت أعلم بيزيد في ليله ونهاره، وسره وعلانيته، ومدخله ومخرجه، فإن كنت تعلمه لله رضا، ولهذه الأمة، فلا تشاور الناس فيه، وإن كنت تعلم منه غير ذلك فلا تزوده الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة يزيد بن معاوية

— العقد الفريد، الأحنف بن قيس التميمي

 

ثم تمت البيعة ليزيد.

 

أهل الحجاز

بعدما بايعت الوفود ليزيد، أرسل معاوية ابن أبي سفيان إلى واليه على المدينة مروان بن الحكم بأخذ البيعة ليزيد، فخطب مروان فيهم وحض الناس على الطاعة وحذرهم الفتنة، ودعاهم إلى بيعة يزيد وشبهها بعهد أبي بكر الصديق لعمر بن الخطاب. إلا أن عبد الرحمن بن أبي بكر رفض البيعة وأنكر أن تكون متشابهتين مما أدى لحصول خلاف بينه وبين مروان.

 

بعد ذلك، أرسل الخليفة رجلاً آخر لعل أهل المدينة يوافقون على البيعة، وهو زياد ابن أبيه فخطب فيهم وقال:

 

يزيد بن معاوية يا معشر أهل المدينة، إن أمير المؤمنين حسن نظره إليكم، وإنه جعل لكم مفزعاً تفزعون إليه، يزيد ابنه يزيد بن معاوية

— تاريخ الإسلام، زياد

 

إلا أن أهل المدينة رفضوا مرة أخرى.

 

بعد رفض أهل المدينة التام لمبايعة يزيد بسبب فكرة تولية ابن الخليفة حاكماً من بعده، قرر معاوية بن أبي سفيان أن يزور المدينة في طريقه للحج في عام 51 للهجرة، فتوجه إليها مع ألف من أهل الشام ومعه ابنه يزيد. فلما اقترب من المدينة خرج عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن الزبير منها إلى مكة. ولما وصل معاوية إلى المدينة خطب فيهم وقال:‹قد بايعنا يزيد فبايعوه›، ثم توجه إلى مكة.

 

بعد أن أكمل الخليفة نسك الحج، ابتدأ بعبد الله بن عمر أولاً، ودار بينهم حوار انتهى بموافقة عبد الله بن عمر على بيعة يزيد إذا اجتمع الناس على بيعته، بعد ذلك جرى حوار سريع بين الخليفة وعبد الرحمن بن أبي بكر وكانت نتيجته الرفض التام للمبايعة وتحذير الخليفة له من إعلان رفضه قبل أن يعلن أنه بايع أمام أهل الشام لكيلا يقتلوه، فلم يعترض. بعد ذلك لم يبقى إلا الصحابي عبد الله بن الزبير والذي قال الخليفة بأنه السبب في رفض عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر للبيعة، إلا أن عبد الله بن الزبير أجاب الخليفة بأن عليه أن يتنحى عن الإمارة إذا ملها، وأنه لا يقدر أن يبايع شخصين في الوقت ذاته وقال:‹إن مللت الإمارة فهلم ابنك فلنبايعه›. فهم الخليفة من آراء الثلاثة أنها لا تعترض على شخص يزيد فصعد المنبر وأعلن أن الثلاثة قد وافقوا على البيعة (موافقة مبدئية)، إلا أن أهل الشام لم يرضوا وطلبوا من الخليفة أن يأمرهم بإعلان البيعة أو ضرب أعناقهم، مما أدى لغضب الخليفة عليهم ونهرهم وأمرهم بعدم الإساءة إلى قريش، وفي نهاية الأمر بايع الناس ليزيد وكان ممن بايعه ستون صحابياً.

 

الآراء

آراء الصحابة

يزيد بن معاوية إن كان خيراً رضينا، وإن كان بلاء صبرنا يزيد بن معاوية

— تاريخ خليفة بن خياط، عبد الله بن عمر

 

يزيد بن معاوية أتقولون إن يزيد ليس بخير أمة محمد، لا أفقه فيها فقها، ولا أعظمها شرفاً؟ وأنا أقول ذلك، ولكن والله لئن تجتمع أمة محمد أحب إلي من أن تفترق يزيد بن معاوية

— تاريخ خليفة بن خياط، أسير بن عمرو

 

يزيد بن معاوية إني أجد الخليفة يزيد بن معاوية يزيد بن معاوية

— تاريخ خليفة بن خياط، عبد الله بن عمرو

 

آراء المؤرخين

يزيد بن معاوية كما وقع في عهد معاوية لابنه يزيد، وإن كان فعل معاوية مع وفاق الناس له حجة في هذا الباب. والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون من سواه إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس، واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بني أمية … وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب فيه فليسوا ممن يأخذهم في الحق هوادة، وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق يزيد بن معاوية

— مقدمة ابن خلدون، ابن خلدون

 

وفاة الخليفة معاوية

 

مقبرة باب الصغير، حيث دفن الخليفة معاوية.

وصيته ليزيد

يزيد بن معاوية يا يزيد، إذا دنا أجلي فول غسلي رجلاً لبيباً، فإن اللبيب من الله بمكان، فلينعم الغسل وليجهر بالتكبير، ثم اعمد إلى منديل في الخزانة فيه ثوب من ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقراضة من شعره وأظفاره، فاستودع القراضة أنفي وفمي وأذني وعيني واجعل ذلك الثوب مما يلي جلدي دون أكفاني. يا يزيد، احفظ وصية الله في الوالدين، فإذا أدرجتموني في جريدتي، ووضعتموني في حفرتي، فخلوا معاوية وأرحم الراحمين يزيد بن معاوية

— البداية والنهاية، معاوية بن أبي سفيان

 

بعد وصية الخليفة ليزيد، خرج يزيد إلى قرية حوارين وفي شهر رجب توفي الخليفة معاوية فصلى عليه الضحاك بن قيس الفهري ودفنه في مقبرة باب الصغير، وبعدها أرسل إلى يزيد ليحضر.

 

 

باب توما، حيث مر يزيد بن معاوية.

إعلانه كخليفة

بعد وصول البريد إلى يزيد ركب مسرعاً إلى دمشق حيث استقبله قبل وصوله الضحاك بن قيس الفهري وكان الحزن بادياً عليه، فسلم عليه مستقبلوه بالإمارة وعزوه في أبيه ويخفض صوته في الرد عليهم، ولم يتكلم إلا مع الضحاك بن قيس، حتى وصل إلى باب توما فظن الناس أنه سيدخل دمشق. لكن يزيد استمر بالمشي مع السور حتى وصل إلى الباب الشرقي (باب خالد)، ثم تعداه حتى وصل إلى الباب الصغير.

 

بعد وصوله إلى المقبرة ذهب إلى قبر والده وصلى عليه بعد دفنه. بعدها خرج يزيد من المقبرة راكباً على مراكب الخلافة ثم دخل البلد ونادى “الصلاة جامعة”، وذهب هو إلى قصر الخضراء واغتسل ولبس ملابس حسنة ثم ذهب للمسجد وصعد المنبر وخطب في الناس، وأعلن في خطبته عن جمع الأعطيات مرة واحدة لا على ثلاثة مرات كما كانت في عهد والده، وعن توقفه عن إرسال الجيوش داخل البحر أو في الشواتي والاقتصار على غزوات البر والصوائف، وافترق الناس وهم يثنون عليه.

 

بسبب عدم رواية المؤرخين للكثير من أخباره، فإنه لم ينقل في الكتب إلا الأحداث المهمة التي حصلت في عهده. مع ذلك فإن في عهده تم توسيع إحدى قنوات نهر بردى ونسبت إليه (قناة يزيد). كما فرض الخراج على أراض يهود السامرة، وفرض على كل شخص خمسة دنانير.

 

الفتوحات الإسلامية في عهده

جبهة إفريقية

في عام 63 للهجرة غزا عقبة بن نافع السوس الأقصى فغنم وسلم ثم عاد وقتل على يد كسيلة. ثم حدثت معركة بين كسيلة وزهير بن قيس البلوي وانتصر فيها.

 

 

سير فتوحات عقبة بن نافع حتى استشهاده في تهودة

جبهة الروم

سار يزيد على خطة أبيه في الصوائف، ففي عام 61 للهجرة، أرسل مالك بن عبد الرحمن الخثعمي إلى أرض الروم، ثم أرسل صائفة بقيادة مالك بن عبد الله إلى مدينة قونية، وشارك فيها الخثعمي. وكذلك أرسل صائفة أخرى في عام 62 للهجرة بقيادة الحصين بن النمير السكوني. وفي نفس العام غزا عبد الله بن أسد بن كرز القسري، قيسارية. وفي عام 64 للهجرة غزا يزيد بن أسد أرض الروم.

 

جبهة المشرق

في عام 62 للهجرة غزا سلم بن زياد، خوارزم فغنم مالاً كثيراً. ثم اتجه إلى سمرقند فصالحوه. وولى المنذر بن الجارود السند في هذه السنة وثغر قندابيل، ولما مات أخذها ابنه الحكم. ثم أرسل سنان بن سلمة الهذلي ففتح الموقان. ثم أرسل عبد الرحمن بن يزيد الهلالي. كما وصل المسلمون إلى بخارى، وخجنده، ويارقند وخوتان في شمال شرق جبال الهملايا.

 

ثورة الحسين بن علي

مقتل الحسين بن علي عند السنة

بعد رفض الصحابي الحسين لبيعة يزيد وكثرة من كتب إليه من أهل العراق أن يأتي إليهم، قام بإرسال مسلم بن عقيل إلى العراق ليتأكد من بيعتهم له. ولما وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة نزل في بيت هانئ بن عروة واجتمع الناس عنده وبلغ الخبر إلى عبيد الله بن زياد. أرسل عبيد الله بن زياد إلى هانئ بن عروة أن يحضر فلما أتى قال له: ‹ألم أوقرك؟ ألم أفعل بك!› فأجابه: ‹بلى›، فقال عبيد الله: ‹فما جزاء ذلك؟› فأجابه: ‹جزاؤه أن أمنعك› فأمر عبيد الله بن زياد بقتله. فلما بلغ الخبر إلى مسامع مسلم بن عقيل خرج ومعه الكثير من الناس إلى القصر، فأمر عبيد الله بن زياد بإغلاق باب القصر.

 

بعد ذلك اتجه مسلم بن عقيل إلى مسجد عند السوق وكانت جماعات من الناس يتركونه كلما مر من طريق حتى وصل إلى المسجد. بعد ذلك أمر عبيد الله بن زياد بخلع سقف المسجد بسبب عدم سماعه لأصوات الناس، ثم أمر بإشعال النار، فلما نظر لم يرى إلا خمسين رجلاً فقط، ثم اقتتل الطرفان وأصيب مسلم بن عقيل وانهزم أصحابه، وأخذ هو إلى إحدى البيوت. وصل خبر مكان مسلم بن عقيل إلى عبيد الله بن زياد فأمر رجلين بإحضاره، فلما أحضر قال عبيد الله: ‹هيه هيه يا ابن خلية، جئت لتنزع سلطاني!› ثم أمر بقتله. بعد ذلك أمر عبيد الله بن زياد بمراقبة الطريق بين واقصة وطريق الشام وطريق البصرة.

 

الوصول لكربلاء

بعد خروج الحسين من مكة واقترابه، سأل الأعراب عن الأوضاع فأجابوه بعدم مقدرتهم الدخول أو الخروج. فقام الحسين بتغيير طريقه واتجه للشام ليقابل يزيد. إلا أن جيش عبيد الله بن زياد قابله في كربلاء بقيادة عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وهنا ناشدهم الحسين الله والإسلام أن يتركوه ليذهب إلى أمير المؤمنين فيضع يده في يده. فقال الحر بن يزيد: ‹ألا تقبلون من هؤلاء ما يعرضون عليكم! والله لو سألكم هذا الترك والديلم ما حل لكم أن تردوه› إلا أن شمر بن ذي الجوشن رفض إلا أن ينزل الحسين على حكم عبيد الله بن زياد فرفض، وانضم الحر بن يزيد إلى الحسين. بعد ذلك تردد عمر بن سعد في محاربة الحسين، فأرسل عبيد الله بن زياد جويرية بن بدر التميمي ليقتل عمر بن سعد إن رفض القتال.

المعركة وما بعدها

كان مع الحسين خمسة من إخوانه، وستة عشر من بني هاشم وآخرون، وكان عددهم قرابة المئة. وبدأ القتال بين الطرفين وأصيب جميع الرجال ما عدا علياً بن الحسين وأتي برأس الحسين إلى عبيد الله. ولما أتى الرأس بين يدي عبيد الله أخذ يضع عصاه على فم الحسين ثم يقول: ‹إن أبا عبد الله قد كان شمط›. فغضب أنس بن مالك وقال: ‹كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مخضوبا بالوسمة›. ثم أمر عبيد الله بمنزل لنساء الحسين وبناته وأهله وأجرى عليهن رزقاً وأمر لهن بنفقة وكسوة.

احتراق الكعبة

بعد أن سيطر الحصين على جبلي أبي قبيس وقعيقعان قام بتثبيت المنجنيق عليها، فقام عبد الله بن الزبير بوضع الألواح حول الحرم وكان من معه ينامون في الخيام بجانب الكعبة بعد اشتداد القتال. وفي ليلة الحريق كانت الريح شديدة فعلقت النار بالخيام والفرش بجانب الكعبة وامتد الحريق إليها ولم يقدروا على إطفاء الحريق. وقد تسبب الحريق بإيقاف أحداث المعركة حيث ذهل الفريقان بما حصل، فقال أحد جنود أهل الشام:‹هلك الفريقان والذي نفس محمد بيده›. وسجد عبد الله بن الزبير وأخذ يدعو ويقول:‹اللهم إني لم أتعمد ما جرى، فلا تهلك عبادك بذنبي، وهذه ناصيتي بين يديك›. وكان احتراق الكعبة بعد موت يزيد بخمسة أيام وقبل وصول خبر موت يزيد بأحد عشر يوماً، أي في 20 ربيع الأول.

وفاته

توفي يزيد بن مُعاوية في قرية حوارين من نواحي حِمْص وذلك في 15 ربيع الأول 64 للهجرة الموافق 11 نوفمبر 683م.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى