«الدستور» تكشف كواليس اجتماع التنظيم الدولى للجماعة الإرهابية

كتبت سوزان مرمر
لم يعد أمام جماعة الإخوان الإرهابية سوى الاعتراف بما حاولت طويلًا إخفاءه أو إنكاره، بعدما تكشف الستار عن اجتماعات تنظيمية مغلقة تدار فى الظل، وتنقل من عاصمة إلى أخرى، هربًا من الملاحقة، ومن انهيار التنظيم، ومن محاسبة التاريخ.
اعترافات متتالية، وتسريبات متلاحقة، تؤكدان أن الجماعة باتت اليوم تنظيمًا مطاردًا، يتنقل بين لاهور وإسطنبول ولندن، بحثًا عن طوق نجاة أخير.
الإخوان اليوم لا يجتمعون من أجل قضية، ولا من أجل الأقصى، ولا من أجل الأوطان، بل من أجل إنقاذ ما تبقى من تنظيم متآكل، ضربته الانقسامات الداخلية، وفضحته الصراعات، وحاصرته قرارات الحظر والتجفيف والملاحقة القانونية فى أكثر من دولة.
الاجتماعات التى يحاولون تقديمها بوصفها تنسيقية ليست سوى محاولات يائسة لترميم كيان مكسور، لم يعد يملك مشروعًا سياسيًا ولا شرعية أخلاقية، سوى التحريض وإدارة الفوضى.
مرة أخرى، تعود إسطنبول لتكون مسرحًا مفتوحًا لمناورات التنظيم الدولى لجماعة الإخوان، حيث عقد اجتماع تنظيمى مغلق على هامش ما سمى بـ«مؤتمر أمناء الأقصى الدولى». لافتة دينية عادلة، وقضية مركزية للأمة، جرى اختطافها مجددًا وتوظيفها بصورة فجة، لتكون غطاءً لاجتماعات سياسية وتنظيمية لا علاقة لها بالقدس، ولا بالأقصى، بل بإعادة توزيع الأدوار، وجمع التمويلات، وسرقة التبرعات، وإحياء الخلايا النائمة، وتنسيق تحركات مشبوهة فى الإقليم.
الأقصى، بالنسبة للإخوان، لم يكن يومًا سوى لافتة، قضية ترفع حين يحتاج التنظيم إلى التعاطف، وتباع حين يحتاج المال، وتستغل حين يريد التحريض، وما جرى فى إسطنبول يؤكد أن الجماعة لا تزال تمارس لعبتها القديمة عبر اختطاف القضايا الكبرى، وتسييس الدين، وتحويل المآسى إلى استثمارات سياسية وتنظيمية.
عصام البشير.. واجهة دينية لإدارة الفوضى
اختيار القيادى الإخوانى السودانى عصام البشير لرئاسة المؤتمر لم يكن تفصيلًا بروتوكوليًا عابرًا، بل رسالة سياسية وتنظيمية محسوبة. فالرجل، وزير الأوقاف السودانى الأسبق فى عهد عمر البشير، وأحد أبرز وجوه الإخوان فى السودان، يُعد حلقة وصل مثالية بين التنظيم الدولى والملف السودانى المشتعل.
إعادة تدوير عصام البشير اليوم تعنى ببساطة أن جماعة الإخوان تحاول العودة إلى سياسة إدارة الفوضى من الخارج، مستفيدة من عمامة رجل دين، وسجل سياسى ملتبس، وشبكة علاقات ممتدة داخل مؤسسات وهيئات إسلامية دولية، استخدمت سابقًا كقنوات تمويل ودعم سياسى.
وكعادة جماعة الإخوان، فقد مدت خط سرقة التبرعات على استقامته، فقد استولى التنظيم الدولى على جزء معتبر من التبرعات التى جمعت تحت شعار «نصرة الأقصى» جرى توجيهه إلى مسارات أخرى، على رأسها دعم شبكات إخوانية مرتبطة بالصراع فى السودان، فى محاولة لإشعال الفتنة، وإطالة أمد الصراع، واستثمار الدم السودانى فى معارك التنظيم الإقليمية.
ما جرى خلف الكواليس كان أخطر بكثير من الكلمات المنمقة التى قدمت على المنصة، فبالتوازى مع جلسات المؤتمر العلنية، نشطت تحركات تنظيمية مشبوهة قادها محمد جمال هلال، أحد الوجوه الإخوانية التى برزت مؤخرًا فى مسار الوساطات الداخلية، لرأب الصدع بين جبهات الإخوان المتصارعة فى إسطنبول ولندن، وجاءت تحركاته مدفوعة من عبدالرحمن أبودية، القيادى الفلسطينى فى التنظيم الدولى المتزوج من يهودية إسرائيلية. الدور الحقيقى لهلال وحلمى الجزار القياديين الإخوانيين بجبهة لندن، تمثل فى إدارة موازنات سياسية وتنظيمية بين جناحى الإخوان المتصارعين، وهما جبهة محمود حسين المتمركزة فى إسطنبول، وجبهة صلاح عبدالحق فى لندن، فى محاولة يائسة لرأب الصدع الذى مزق التنظيم منذ سنوات. صراع على المال، والشرعية، ومن يملك مفاتيح التنظيم الدولى، تفاقم مع تصاعد الضغوط الدولية، وقرارات الحظر التى طالت كيانات وواجهات مرتبطة بالإخوان فى أكثر من دولة.
عزام التميمى مُسهِّل الصفقات القذرة
فى هذا السياق، برز اسم عزام التميمى كعادته، لاعبًا فى الظل، يؤدى دور «المسهل الأيديولوجى» للتقريب بين الأجنحة المتصارعة، مستخدمًا خطاب المظلومية، وفزاعة «الاستئصال النهائى»، والتخويف من النهاية الوشيكة، لدفع الأطراف المتناحرة إلى هدنة اضطرارية، لا تقوم على مراجعة فكرية أو نقد ذاتى، بل على الخوف المشترك من السقوط.
«التميمى» الذى ارتبط اسمه لسنوات بخطابات التحريض والتكفير، لا يتحرك إلا حين يشعر التنظيم بأن الأرض تهتز من تحته. وجوده فى هذا التوقيت يؤكد أن ما يجرى ليس حوارًا تنظيميًا طبيعيًا، بل «اجتماع أزمة» لتنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة.
المحطة الأخيرة قبل العزلة الدولية
اللافت أن كل هذه التحركات تجرى من إسطنبول التى تحولت إلى ما يشبه العاصمة المؤقتة للتنظيم الدولى، وإلى مركز لإدارة ما تبقى من شبكاته، ومحطة أخيرة قبل أن تضيق الدائرة أكثر. فالعالم لم يعد يتسامح مع تنظيمات تعمل فى الظل، وتستغل الدين غطاءً، وتتحالف مع العنف حين تعجز عن السياسة.
الإخوان يدركون أن الخيارات تتآكل، وأن العزلة الدولية تقترب، وأن الملاذات الآمنة لم تعد مضمونة، لذلك، فإن مؤتمر إسطنبول لم يكن مؤتمرًا، بل غرفة تنسيق، ولم يكن للأقصى، بل لاجتماعات مغلقة، ولم يكن للدعوة، بل لإدارة الخسائر.
وفى المحصلة، ما يجرى اليوم داخل أروقة التنظيم الدولى لجماعة الإخوان ليس إعادة تنظيم، بل محاولة أخيرة لتأجيل السقوط. تحركات عصام البشير، ومحاولات محمد جمال هلال، وأدوار أبودية والتميمى، ومحاولات جمع يحيى موسى وإلهامى ومنتصر تحت سقف واحد- كلها مؤشرات على تنظيم فقد بوصلته، وتخلى عن أى ادعاء أخلاقى، ولم يعد يرى فى الأوطان سوى ساحات صراع. الإخوان اليوم لا يدافعون عن قضايا، بل عن وجودهم، ولا يوحدون صفوفهم من أجل إصلاح، بل من أجل النجاة، وما يحاك فى إسطنبول ليس مشروع مستقبل، بل إدارة احتضار، ومهما طال، فالسقوط آتٍ.



