هل يشهد السودان نهاية ميليشيات «الدعم السريع» قريبًا بالقضاء على «العصابات الكولومبية» فى الفاشر؟

كتبت سوزان مرمر
كشفت وزارة الخارجية الأمريكية عن كلمة السر فى سيطرة ميليشيا «الدعم السريع» على مدينة الفاشر، وهى العصابات الكولومبية، مؤكدة العمل على إنهاء الفظائع والانتهاكات الممنهجة التى يرتكبها الطرف المسلح فى السودان، فى ظل تصاعد عمليات القتل الجماعى والتعذيب الممنهج للمدنيين، وتجنيد المرتزقة الأجانب للقتال والتدريب داخل الميليشيا.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على أفراد و٤ شركات متهمة بتجنيد مقاتلين كولومبيين للقتال إلى جانب ميليشيا «الدعم السريع»، المتهمة بارتكاب جرائم حرب وعمليات إبادة جماعية.
وشملت العقوبات شخصيات بارزة، مثل ألفارو أندريس كيخانو بيسيرا، وماتيو أندريس دوكى بوتيرو، بالإضافة إلى شركات متورطة فى تحويلات مالية ضخمة لدعم عمليات الشبكة، ما يمثل أول تحرك أمريكى عملى لقطع خطوط الدعم الخارجى لهذه الميليشيا، واحتواء استخدام المرتزقة فى النزاع السودانى.
فى السطور التالية، يتحدث صحفيون وسياسيون سودانيون لـ«الدستور» عن أهمية هذه الخطوة، والخطوات الأخرى المطلوبة لكبح «شبكات تغذية الحرب»، ومن ثم إنهاء هذا الصراع الذى يستهدف المدنيين الأبرياء فى المقام الأول.
أكد الكاتب السودانى هيثم محمود أن قرار وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات على الشبكات الكولومبية يمثل خطوة مهمة فى اتجاه كشف خيوط الحرب فى السودان وتحقيق العدالة.
وأوضح «محمود» أن السودان قدم أدلة دامغة على وجود هذه الشبكات؛ تضمنت صورًا لمقاتلين كولومبيين فى مناطق متفرقة، مثل الفاشر وبابنوسة ووسط السودان ونيالا وعدة مواقع أخرى، مشيرًا إلى أن هذه الصور والتقارير الدولية تشكل دليلًا قاطعًا يدين الشبكات الكولومبية.
وأضاف أن هؤلاء المرتزقة شاركوا فى عمليات قتل واسعة، وكانوا جزءًا من ميليشيا الدعم السريع، وجرت الاستعانة بهم فى مواقع النزاع الحساسة، لافتًا إلى أن العقوبات الأمريكية على هذه الشبكات خطوة أولية مهمة، لكنها جزء من مسار طويل نحو العدالة.
وقال إن الأسئلة التى تفرض نفسها على المجتمع الدولى والولايات المتحدة؛ هى: من الذى تعاقد مع هذه الشبكات؟ ومن دفع الأموال لها؟ وكيف تمكنت من نقل جنود من كولومبيا للعمل فى السودان؟
وذكر أن العقوبات الأمريكية على الشبكات تمثل إشارة واضحة للعالم بأن المجتمع الدولى يراقب تمويل وتجنيد المرتزقة فى النزاعات، وأن تقديم السودان الأدلة والصور الدامغة أسهم فى دفع واشنطن لاتخاذ هذه الخطوة، ما يعكس تقدمًا فى محاسبة الجهات المرتبطة بالحرب.
وتابع: «العقوبات على الشبكات الكولومبية خطوة مهمة، ونحتاج إلى استمرار الضغط الدولى وكشف جميع الأطراف الداعمة للحرب، لضمان منع استمرار العمليات المسلحة وتوسيع دائرة العدالة فى السودان».
أكد الصادق على حسن، رئيس مجلس أمناء «هيئة محامى دارفور»، أن المجموعات المنضوية فى الأعمال القتالية والإجرامية فى السودان، مثل ميليشيا «الدعم السريع»، تستخدم عناصر أجنبية، بمن فيهم الجنود الكولومبيون، كجزء من استراتيجيتها العسكرية والتجارية، فى ظاهرة تمثل تهديدًا واسع النطاق للأمن الإقليمى.
وأضاف «حسن»: «هذه الميليشيات لا تقتصر على الكولومبيين فحسب، بل تشمل أيضًا عناصر روس وأوكرانيين يعملون فى مجالات التعدين والحروب من خلال شركات أمنية خاصة، ما يجعل من الصعب على المجتمع الدولى تتبع تمويلها وتحركاتها العسكرية». ورأى السياسى السودانى أن هذه الجماعات المرتزقة تحتاج إلى تدابير وعقوات دولية ملموسة من قبل الأمم المتحدة، لوقف نشاطها الخارجى، وتأثيرها السلبى على المدنيين فى السودان، معتبرًا أن العقوبات التى تصدرها دول مثل الولايات المتحدة، على شبكات التجنيد المرتبطة بـ«الدعم السريع»، رغم أهميتها الرمزية، غالبًا ما تظل «قرارات على الورق» لا تمس هؤلاء المرتزقة مباشرة.
قال الكاتب الصحفى السودانى وائل محجوب إن القرار الأمريكى الأخير يأتى تنفيذًا مباشرًا للاستراتيجية التى تتبناها واشنطن منذ شهور، والرامية إلى محاصرة الشبكات الإقليمية والدولية التى تغذى حرب السودان، وتحديدًا تلك التى تمد ميليشيا «الدعم السريع» بالدعم العسكرى واللوجستى.
وأضاف «محجوب»: «هذه الخطوة جزء أصيل من خارطة الطريق التى تعمل عليها الآلية الرباعية، التى تضم الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات، بهدف كبح التدخلات الخارجية، وتعديل موازين الصراع داخل السودان».
وأفاد الكاتب الصحفى السودانى بأن «الدعم السريع»، منذ بداية تمردها، اعتمدت على شبكة متشعبة من خطوط الإمداد خلف الحدود، تتضمن عمليات تهريب سلاح، وتمويل خارجى، وشراء معدات عسكرية عبر وسطاء فى دول مختلفة.
وواصل: «هذه الشبكات أسهمت بشكل جوهرى فى استمرار الحرب وتمدّدها، وفى تعزيز قدرة الميليشيا على مواصلة الهجمات واسعة النطاق التى استهدفت المدنيين والبنية التحتية، وارتكبت خلالها جرائم موثقة، فى دارفور وولايات أخرى».
وأكمل: «القرار الأمريكى الجديد لا يمكن النظر إليه باعتباره خطوة معزولة، بل جزء من مسار عقوبات وضغوط سياسية واقتصادية، تهدف إلى تعطيل قدرة الميليشيا على الحصول على السلاح والوقود وقطع الغيار، وهى عناصر ظلّت تُهرَّب عبر شبكات عابرة للحدود»، مشيرًا إلى أن «الرباعية تراهن على أن تجفيف هذه الموارد سيؤدى تدريجيًا إلى إضعاف الآلة العسكرية لميليشيا الدعم السريع، ورفع تكلفة مواصلة الحرب عليها».
ورأى «محجوب» أن أهمية هذا القرار تكمن فى أنه يستهدف «مراكز ثقل خارجية»، لطالما كانت لاعبًا خفيًا فى إطالة أمد الصراع، فـ«كل شحنة سلاح أو معدات تصل إلى (الدعم السريع)، تمثل عمليًا إطالة لعمر المعارك، وتفاقمًا للكارثة الإنسانية التى يعيشها ملايين السودانيين، خاصة فى دارفور والخرطوم والجزيرة»، معقبًا: «المجتمع الدولى بدأ يدرك أن معالجة الأزمة لن تكون ممكنة من دون وقف التدفقات التى تبقى الميليشيا فى وضع هجومى مستمر».
وتوقع الكاتب الصحفى السودانى أن تشمل الخطوات المقبلة مزيدًا من العقوبات على الأفراد والكيانات المرتبطة بـ«الدعم السريع»، تسهم فى تضييق الخناق على المجموعات التى توفر التمويل غير المشروع للميليشيا.
وختم بتأكيد أن «تقليل البعد الخارجى المؤثر فى الصراع يمثل حجر الزاوية فى أى عملية سلام مستدامة. فإذا نجحت الولايات المتحدة والرباعية فى تعطيل مصادر الدعم الخارجى لميليشيا الدعم السريع، فإن ذلك سيقرب السودان خطوة حقيقية نحو وقف
هانم آدم: لا بد من آليات رقابية لضمان تطبيق العقوبات
أكدت المواطنة السودانية والناشطة الحقوقية هانم آدم أن العقوبات الأمريكية على الشبكات الكولومبية المرتبطة بميليشيا الدعم السريع تمثل تقدمًا مهمًا، لكنه غير كاف لإيقاف أنشطة هذه الميليشيات أو محاسبة جميع الأطراف المتورطة.
وأوضحت «هانم» أن السودان قدم أدلة دامغة تثبت وجود المرتزقة الكولومبيين فى مناطق متعددة، بما فى ذلك الفاشر وبابنوسة ووسط السودان ونيالا، مؤكدة أن الصور والتقارير الدولية تشكل عنصرًا أساسيًا لإدانة هذه الشبكات أمام المجتمع الدولى.
وأضافت أن هؤلاء المرتزقة شاركوا فى عمليات قتل واسعة وانتهاكات مروعة ضد المدنيين، واعتمدت عليهم ميليشيا الدعم السريع فى تنفيذ الكثير من المهام.
وأكدت: «العقوبات الأمريكية خطوة إيجابية، لكنها مجرد بداية، والمطلوب ضغط دولى مستمر لكشف جميع الجهات الداعمة للحرب وتمويلها».
وحذرت من أن استمرار هذه الشبكات دون مساءلة يعنى استمرار الأزمة الإنسانية وتفاقم العنف فى السودان، مؤكدة أن العقوبات الأمريكية يجب أن تواكبها آليات رقابية ومتابعة دقيقة لضمان تطبيقها عمليًا على الأرض.
وتابعت: «العالم اليوم يراقب الوضع فى السودان، والعقوبات الأمريكية تمثل رسالة واضحة للجهات التى تسهم فى إشعال النزاع، لكن الطريق نحو العدالة طويل، ويحتاج إلى تعاون دولى وإجراءات ملموسة ضد كل من يموّل ويروج للعنف».
محمد زاهر: الميليشيا تعتمد على الشبكات الأجنبية فى السيطرة على المدن السودانية
ذكر الكاتب الصحفى السودانى محمد زاهر أن العقوبات الأمريكية الأخيرة على العصابات الكولومبية المرتبطة بميليشيا الدعم السريع تمثل بصيص أمل جديدًا للشعب السودانى، الذى يعانى منذ سنوات من حرب طاحنة تسببت فى مقتل النساء والشيوخ والأطفال فى مناطق مثل الفاشر وكردفان ودارفور.
وأوضح «زاهر» أن هذه العقوبات تأتى فى وقت كانت فيه ميليشيا الدعم السريع تعتمد بشكل كامل على هذه الشبكات الأجنبية فى تنفيذ عملياتها العسكرية والسيطرة على المدن السودانية.
وأضاف: «العصابات الكولومبية كانت من أهم شرايين الدعم اللوجستى والعسكرى للدعم السريع، وسفكت دماء آلاف السودانيين فى مناطق النزاع، لا سيما فى الفاشر، حيث ارتكبت انتهاكات مروعة طالت المدنيين الأبرياء».
وأشار إلى أن العقوبات الأمريكية تمثل ضربة موجعة لهذه الميليشيات، لأنها تستهدف أحد مصادر القوة الأساسية التى تعتمد عليها، بما فى ذلك التمويل والعتاد العسكرى والخبرات القتالية الأجنبية.
وقال: «مع توقف دعم هذه الشبكات، ستواجه الميليشيات صعوبات كبيرة فى استمرار حملاتها العدوانية، وسيكون من الصعب عليها السيطرة على المدن والمناطق السودانية، كما كان يحدث فى السابق».
وأضاف أن العقوبات الأمريكية تشكل أيضًا رسالة دولية قوية لكل من يسند أو يمول أو يوفر الدعم اللوجستى لهذه الميليشيات، مؤكدًا أن المجتمع الدولى بدأ يسلط الضوء على الجهات التى تقف وراء استمرار الحرب والمعاناة الإنسانية فى السودان.
وتابع: «من شأن هذه العقوبات أن تكبح جماح ميليشيا الدعم السريع، وتضع قيودًا حقيقية على قدرتها على التوسع وإرهاب المدنيين».
ولفت إلى أن العقوبات، رغم أهميتها الرمزية، تحتاج إلى متابعة حقيقية وتطبيق عملى على الأرض لضمان أن تكون فعالة فى الحد من نشاط العصابات الأجنبية وتأثيرها على الميليشيات.
عبدالرءوف خالد: مصطفّون وراء جيشنا الوطنى بإرادة صلبة
قال الكاتب والمحلل السياسى السودانى عبدالرءوف خالد إن عقوبات الولايات المتحدة على شبكات تجنيد المرتزقة الكولومبيين المرتبطة بميليشيا الدعم السريع تمثل خطوة فى طريق الحد من التمويل الخارجى والدعم العسكرى للميليشيات المسلحة فى السودان.
وأوضح «خالد» أن هذه الإجراءات تأتى فى وقت تتصاعد فيه الانتهاكات الممنهجة بحق المدنيين فى دارفور وكردفان والفاشر، حيث استغلت ميليشيا الدعم السريع خبرة المرتزقة فى شن حملات عنف منظمة، وفرض السيطرة بالقوة على المدن والأحياء، ما أسفر عن سقوط آلاف الضحايا ونزوح مئات الآلاف من المواطنين الأبرياء.
وأكد أن العقوبات الأمريكية على العصابات الكولومبية، والتى طالت أفرادًا وشركات متورطة فى التعاقد وتمويل المرتزقة، تمثل ضربة موجعة لهذه الشبكات التى كانت تشكل أحد أهم شرايين الدعم لميليشيات الدعم السريع.
وأضاف: «هذه الإجراءات ستقلل من قدرة الميليشيات على توسيع نفوذها، خصوصًا أنها كانت تعتمد على المرتزقة الأجانب فى التدريب والقتال على الخطوط الأمامية، بما فى ذلك تعليم الأطفال المجندين وقيادة الطائرات المسيّرة».
وأشار إلى أن العقوبات الأمريكية تحمل رسالة واضحة لكل من يسعى لدعم أو تمويل هذه الميليشيات.
وشدد على أن المرتزقة عابرى القارات، القادمين من وراء الحدود، لن يغيروا من موقف الشعب السودانى الثابت فى الدفاع عن وطنه، والاصطفاف مع جيشه الوطنى بإرادة صلبة لا تُشترى ولا تُهزم.
ولفت إلى أن هذه العقوبات تمثل خطوة أولى فقط نحو مساءلة الجهات الداعمة للميليشيات، مؤكدًا أن دور العصابات الكولومبية فى الفاشر وكردفان لم يقتصر على القتال فحسب، بل شمل عمليات سلب ونهب ممنهجة وزعزعة الأمن والاستقرار.
وأوضح: «الشعب السودانى الذى قاوم الحصار والعدوان والطغيان منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا لن تهزه الجيوش المأجورة أو الأطماع الخارجية الخاسئة، وأرض السودان ستظل عصية على الاحتلال أو التدخل الأجنبى».
وذكر أن الضغط الدولى على ميليشيات الدعم السريع، عبر العقوبات والتحذيرات الأمريكية، يجب أن يستمر ليشمل كل الشبكات الخارجية التى توفر لها التمويل والمرتزقة والخدمات اللوجستية، ولا بد من أن يرافقه دعم حقيقى للجهود الوطنية الرامية إلى حماية المدنيين واستعادة السيطرة على المدن المتضررة.
وأضاف: «الوطن سيظل قويًا ومتماسكًا رغم كيد الأعداء، والشعب السودانى أقدر من أى وقت مضى على مواجهة كل محاولات النيل من سيادته وأمنه».
وشدد على أن العقوبات الأمريكية على العصابات الكولومبية خطوة مهمة، لكنها لن تكون كافية إذا لم تكتمل بمحاسبة كل من دعم الإرهاب الداخلى، وضمان أن ميليشيات الدعم السريع لن تستطيع الاستمرار فى إرهاب المواطنين واستغلال موارد السودان لتمويل صراعاتها.



