إعلان تكريم: قائد الأثر الاجتماعي لعام 2025

بقلم: د. خالد السلامي
في كل محطة من محطات الحياة، هناك لحظات لا تُقاس بحجمها الزمني، بل بما تتركه في القلب من أثر ومعنى. ومن بين تلك اللحظات التي أعتز بها أيّما اعتزاز، حصولي على شهادة “قائد الأثر الاجتماعي لعام 2025” من المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي (AECHRIL) في مملكة النرويج، تزامناً مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يحتفل به العالم في العاشر من ديسمبر من كل عام.
هذا التكريم بالنسبة لي ليس مجرّد شهادة أعلقها على الجدار، بل هو رسالة ومسؤولية وتجديد عهد مع الإنسان، قبل أي شيء آخر.
معنى هذا التكريم بالنسبة لي
حين أُبلغت بهذا الاختيار، عادت إلى ذهني كل الوجوه التي قابلتها في مسيرة العمل الإنساني والاجتماعي:
وجوه المحتاجين، والأسر المتعففة، وذوي الإعاقة، وكبار السن، والأطفال الذين ينتظرون فرصة أمل، والشباب الباحثين عن من يثق بقدرتهم. أدركت أن هذا التكريم في جوهره هو لهم، ولأجلهم، ومن أجل كل قضية عملنا عليها بدافع الإيمان بأن للإنسان كرامة لا تُمس، وحقاً في الحياة الكريمة لا يُساوَم عليه.
لقد جاء نص خطاب المركز العربي الأوروبي ليعبّر بدقة عن جوهر الرسالة التي أحاول أن ألتزم بها في عملي:
تحويل التعاطف إلى فعل، وتحويل التحديات إلى فرص للأمل والحماية والتغيير الإيجابي، والإيمان بأن العدالة والتضامن والقيادة المسؤولة ليست شعارات، بل ممارسات يومية تُترجم في برامج ومبادرات وقرارات.
من التعاطف إلى العمل
منذ بداية مسيرتي في العمل الإنساني والاجتماعي، كنت أرى أن كل فكرة نبيلة لا تتحول إلى مشروع أو مبادرة أو خطة عمل، تبقى حبيسة النوايا الطيبة. لذلك حاولت دائماً أن أربط بين الحس الإنساني وبين التخطيط المؤسسي والعمل المنظم، لأن الاستدامة لا تتحقق بالعواطف وحدها، بل بالمنهج والرؤية والعمل الجماعي.
عملنا، ولله الحمد، في مجالات متعددة:
• دعم الفئات الأكثر عرضة للهشاشة الاجتماعية.
• تمكين الأفراد والأسر من الاعتماد على الذات قدر الإمكان.
• نشر ثقافة المسؤولية المجتمعية والشراكة بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني.
• تعزيز قيم التسامح، والتعايش، واحترام الإنسان مهما كان دينه أو جنسه أو خلفيته.
كل مبادرة، صغيرة كانت أو كبيرة، كنت أتعامل معها على أنها فرصة جديدة لصناعة فرق حقيقي في حياة شخص أو أسرة أو مجتمع محلي، لأن الأثر الاجتماعي لا يُقاس دائماً بالأرقام الكبيرة، بل أحياناً بابتسامة شخص واحد شعر أن هناك من يلتفت إليه ويهتم لأجله.
الارتباط باليوم العالمي لحقوق الإنسان
من دلالات هذا التكريم أنه جاء في اليوم العالمي لحقوق الإنسان؛ اليوم الذي يذكّر العالم بأن كرامة الإنسان هي الأساس الذي تُبنى عليه المجتمعات السليمة.
أومن أن حقوق الإنسان ليست خطاباً سياسياً ولا موضوعاً قانونياً فقط، بل هي ثقافة حياة. عندما نحفظ حق الطفل في التعليم، وحق المريض في العلاج، وحق الضعيف في الحماية، وحق كل إنسان في أن يُعامل باحترام؛ فنحن لا نطبّق مواد قانونية فحسب، بل نبني مجتمعاً أكثر تماسكاً وأمناً واستقراراً.
ولهذا أرى أن العمل الإنساني هو الوجه العملي لحقوق الإنسان، وأن كل مبادرة اجتماعية صادقة هي في جوهرها دفاع عن حق، أو صون لكرامة، أو حماية لإنسان من الوقوع في الهشاشة أو التهميش.
المسؤولية التي يحمّلها لي هذا اللقب
أن تُمنح لقب “قائد الأثر الاجتماعي” يعني أن الآخرين رأوا في مسيرتك أثراً واضحاً، ولكن الأهم بالنسبة لي هو ما يترتب على هذا اللقب من مسؤولية مضاعفة:
أولاً:
أن أستمر في العمل بنفس الحماس والالتزام، بل بروح أكبر، لأن من يكرّمه المجتمع أو المؤسسات الإنسانية لا يملك رفاهية التراجع أو الاكتفاء بما تحقق.
ثانياً:
أن أكون قدوة، قدر المستطاع، لكل شاب وشابة يؤمنون بأن العمل الإنساني يمكن أن يكون مسار حياة، لا مجرد عمل تطوعي عابر. أريد أن أقول لهم من خلال هذه التجربة: يمكن للإنسان أن يجمع بين التميز المهني وبين العطاء المجتمعي، وأن يترك بصمته في مجتمعه مهما كانت إمكاناته.
ثالثاً:
أن أواصل بناء الشراكات وتوسيع دائرة التأثير، لأن الأثر الاجتماعي الحقيقي لا يصنعه فرد بمفرده، بل تصنعه فرق عمل ومؤسسات متعاونة وشبكات من المتطوعين والمؤمنين بالرسالة ذاتها.
شكر وعرفان
أتوجّه بخالص الشكر والتقدير إلى المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي (AECHRIL) في مملكة النرويج، على هذه الثقة العزيزة على قلبي، وعلى ما يقوم به من جهود رفيعة المستوى في نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعزيز العمل الإنساني على المستويين العربي والأوروبي.
كما أتوجّه بالشكر لكل من وقف معي في هذه المسيرة:
أسرتي التي كانت دائماً السند الروحي والمعنوي، وزملائي وشركائي في مختلف المؤسسات والهيئات، وكل متطوع شارك في مبادرة، أو قدّم ساعة من وقته لخدمة إنسان محتاج. هؤلاء جميعاً شركاء حقيقيون في هذا التكريم، ولولاهم لما تحقّق شيء مما نفاخر به اليوم.
عهد للمستقبل
أكتب هذه السطور على موقعي الشخصي ليس من باب الاحتفاء بالتكريم ذاته، بل من باب توثيق عهد أجدد نفسي عليه أمام الله وأمام المجتمع:
أن أظل متمسكاً برسالة العمل الإنساني والاجتماعي، وأن أبقى صوتاً مدافعاً عن كرامة الإنسان وحقوقه، وأن أواصل السعي إلى بناء مبادرات ومشاريع تترك أثراً حقيقياً ومستداماً في حياة الناس، وأن أستثمر كل خبرة وفرصة وعلاقة من أجل خدمة قضايا الإنسان أينما كان.
قد تتغير الأدوات والآليات بتغيّر الزمن والتقنيات، لكن ستبقى البوصلة واحدة: الإنسان أولاً.
وفي الختام، أدعو كل من يقرأ هذه الكلمات إلى أن يجعل لنفسه نصيباً من الأثر الاجتماعي، أيّاً كان مجاله أو مهنته أو موقعه؛ فالعالم اليوم يحتاج إلى مزيد من الإنسانية، وإلى قلوب تؤمن بأن العطاء لا ينقص، بل يزيد صاحبه قيمة وكرامة وطمأنينة.
د. خالد السلامي
قائد الأثر الاجتماعي لعام 2025




