المستشارة هدى الخضراوي تكتب: قوة الوطن حين يشتد الخطر
الوطن ليس ساحة نقاش بل ساحة مسؤولية وعندما تتغير موازين المنطقة وتتقاطع مصالح العالم فوق خرائطنا يصبح الصمت ضعفًا ويصبح الوعي سلاحًا ويصبح الثبات واجبًا لأن الأوطان لا يحميها الصوت العالي بل يحميها العقل الذي يرى واليد التي تعمل والقلب الذي يعرف أين يقف
نحن نعيش في زمن تتبدل فيه التحالفات بسرعة الضوء وتولد فيه أزمات جديدة قبل أن تنتهي الأزمات القديمة وهذا يجعل الوطن في حاجة إلى مواطن يعرف كيف يقرأ المشهد لا مجرد متابع يكرر ما يسمع لأن الدولة لا تُحمى بالكلام بل تُحمى بالشعب الذي يفهم وبالضمير الذي يميز بين العدو والحليف وبين الحقيقة والضوضاء وبين من يبني ومن يهدم
قوة الوطن تظهر حين يكون العقل الجمعي قادرًا على أن يتجاوز الشائعة ويعرف قيمته وقيمة استقراره لأن الاستقرار ليس رفاهية بل هو أصل كل تنمية وكل أمن وكل خطوة نحو مستقبل أكثر ثباتًا فالدول التي تسقط لا تسقط من الخارج بل من داخلها حين تفقد قدرة أبنائها على رؤية الخطر ورؤية ما يجب أن يُحمى قبل أن يُناقش
ولذلك فإن السياسة ليست صراعًا بين أشخاص أو أحزاب بل صراع بين طريقين طريق يحمي الوطن وطريق يستهلكه وطريق يبني الوعي وطريق يربك العقول وطريق يضيف للطاقة الوطنية وطريق يسحب منها وفي وسط هذا كله يبقى الوطن هو البوصلة التي يجب أن يعود إليها الجميع بلا استثناء
في لحظات التوتر الإقليمي تصبح الحكمة أقوى من القوة وتصبح القراءة العميقة أهم من الخطاب وتنضج الدول حين يعرف أبناؤها متى يتكلمون ومتى يصمتون ومتى يدعمون ومتى يطالبون ومتى يوحّدون صفهم لأن قوة الدولة لا تأتي من قراراتها فقط بل من الرضا المجتمعي الذي يقف خلفها والذي يمنحها شرعية الصمود وشرعية الحركة في عالم لا يحترم الضعفاء
والحقيقة أن مصر تحديدًا ليست دولة عادية هي نقطة ارتكاز للمنطقة كلها ومحور توازن جغرافي وتاريخي وسياسي وكل خطوة تخطوها تؤثر في محيط كامل وليس في حدودها فقط ولذلك فإن حماية الدولة ليست مهمة جهة واحدة بل مسؤولية شعب بأكمله لأن أي خلل داخلي يفتح أبوابًا لا تغلق وأي وعي داخلي يغلق أبوابًا لا تُفتح
السياسة القوية ليست شعارات بل قدرة على الحفاظ على تماسك المجتمع وقدرة على منع المتربصين من اللعب على نقاط الضعف وقدرة على بناء جبهة داخلية تعرف أن قوتها أهم من أي رأي فردي وأن اتساع الحوار لا يعني السماح بفتح ثغرات وأن النقد الحقيقي هو الذي يحمي البلد لا الذي يجرها للفراغ
نحن نحتاج اليوم إلى وعي يدرك أن العالم يتغير بأسلوب لا ينتظر المترددين وأن الدول التي تتأخر خطوة واحدة تدفع ثمن عشر خطوات وأن كل أزمة حولنا ليست بعيدة عنا بل هي اختبار لقوة مؤسساتنا ولقوة وحدتنا ولقوة ما نملك من صبر ورؤية ورغبة في حماية مستقبل أولادنا
وفي النهاية الوطن قوة قبل أن يكون مكانًا قوة في تاريخه وفي موقعه وفي شعبه وفي روحه التي تعلمت الصمود عبر آلاف السنين والوطن يستحق أن نقول له لن نسمح أن تكون أرضك ساحة للعبث ولا أن تكون مؤسساتك هدفًا للمهزومين ولا أن تكون إرادتك لعبة بيد أحد فأنت بيتنا ونحن جدارك ونحن معك في لحظتك الصعبة وفي لحظتك القوية وفي كل معركة تحتاج فيها إلى صوت ثابت وعقل واع وقلب لا يتراجع



