رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الرجولة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الرجولة
بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الرجولة ليست مجرد صفة جسدية أو مرحلة عمرية، بل هي منظومة متكاملة من القيم، والأخلاق، والسلوكيات، والمسؤوليات التي تسمو بالنفس وتُعلي من شأن صاحبها في الدنيا والآخرة.
إنها التجسيد العملي للاستخلاف في الأرض وتحمل الأمانة.
⚫ أولًا: تعريفٌ مفهوم الرجولة في الإسلام .
– الرُّجُولَةُ ليست مجرَّد صِفَةٍ بيولوجيّة، ولا مظهرًا خارجيًّا، ولا صوتًا غليظًا، ولا عضلاتٍ مفتولةً.
إنّها موقفٌ، ومبدأٌ، وضميرٌ، ووفاءٌ، ومسؤوليةٌ، وثباتٌ عند الشدائد.
– الرجولة كلمة حق وموقف حق، هي نصرة المظلوم على الظالم وابتغاء وجه الله في كل قول وفعل، هي الأخلاق الكريمة والمعاملة الحسنة، هي الشهامة عند حاجتها والشجاعة في وقتها، هي أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، هي أن تكون مستعدا للتضحية في سبيل ما تؤمن به
الرُّجُولَة في الإسلام قيمةٌ أخلاقيةٌ سامية تتجسّد في قول الله تعالى:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾
(سورة البقرة: الآية 207)
هذه الآية تمثِّل قِمّة الرجولة في تقديم رضا الله على هوى النفس.
– والرجولة عمل بطولي لا يُصنع في النوادي الرياضية ولا يقاس بأرقام كشوف الحسابات البنكية، لن تصل إليه بالصوت العالي ولن تناله بالاستعلاء على البشر، ليس زرا تضغط عليه أو ميزة تقتنيها، وانما الرجولة ثمرة حكمة العقل وقوة الإيمان وطهارة القلب، ليست لأي أحد ولا تليق بأي أحد ولا تشترى لا بالمال ولا بالكلام ولا بغيره .
• هل الرجولة بالسن المتقدمة؟
كم من شيخ في السبعين وقلبه في السابعة،يفرح بالتافه، ويبكي على الحقير، ويتطلع إلى ما ليس له، و يقبض يده حتى لا يشكره غيره، فهو طفل صغير، ولكنه ذو لحية وشارب.
وكم من شاب في مقتبل العمر، ولكنك ترى الرجولة المبكرة في قوله وعمله وتفكيره وخلقه.
• مرَّ عمر رضي الله عنه على ثلَّةٍ من الصبيان يلعبون فهرولوا، وبقي صبيٌّ مفرد في مكانه، هو عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، فسأله عمر: لِمَ لمْ تَعْدُ مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين لم أقترف ذنباً فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسعها لك!
• ودخل غلام صغير على الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يتحدث باسم قومه، فقال له: ليتقدم من هو أسنُّ منك، فقال: يا أمير المؤمنين، لو كان التقدّم بالسن لكان في الأمة من هو أحق منك بالخلافة.
أولئك هم الصغار الكبار، وفي دنيانا ما أكثر الكبار الصغار!!
• هل الرجولة ببسطة الجسم، وطول القامة، وقوة البنية؟! ليست الرجولة كذلك فقد قال الله عن طائفة من المنافقين: [وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ] ومع هذا فهم [كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ] {المنافقون:4}.
وفي الحديث الصحيح: (يأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة) اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى:[ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْنًا] {الكهف:105}.
كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نحيفاً نحيلاً، فانكشفت ساقاه يوماً ـ وهما دقيقتان هزيلتان ـ فضحك بعض الصحابة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أتضحكون من دقة ساقيه؟ والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد).
• ليست الرجولة بالسن والجسم ولا بالمال ولا بالجاه، وإنما الرجولة قوة نفسية تحمل صاحبها على معالي الأمور، وتبعده عن سفافها، قوة تجعله كبيراً في صغره غنياً في فقره، قوياً في ضعفه، قوة تحمله على أن يعطي قبل أن يأخذ، وأن يؤدي واجبه قبل أن يطلب حقه: واجبه نحو ربه ونحو نفسه، ونحو بيته، ونحو أمته.
⚫ ثانيا : صفات الرجولة .
● ١- الرجولة ايمان .
وصمود أمام الملهيات، واستعلاء على المغريات حذرًا من يوم عصيب،
قال تعالى:
﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ. رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ (سورة النور: الآيتان 36–37)
الرُّجُولَة هنا ليست هيئةً أو جسدًا…إنّها قلبٌ لا يَغفُل، ونفسٌ لا تُباع، وإرادةٌ لا تنكسر.
الرجل الحقيقي هو من عمر قلبه بالإيمان، ولم تلهه دنياه عن خالقه، فكانت المساجد محطات وقود روحه، وشواهد صدقه مع ربه.
وَإِنَّ نَظرَةً في كِتَابِ اللهِ بِتَدَبُّرٍ وَتَأَمُّلٍ لَتُثبِتُ قِلَّةَ الرِّجَالِ في هَذَا الزَّمَانِ، وَاقرَؤُوا إِن شِئتُم قَولَهُ تَعَالى: (لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقوَى مِن أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ) [التوبة: 108]،
فَفِي هَذِينِ المَوضِعَينِ نَجِدُ أَنَّ مَكَانَ الرِّجَالِ هُوَ المَسَاجِدُ، يَأتُونَ إِلَيهَا طَاهِرَةً أَعضَاؤُهُم، صَافِيَةً قُلُوبُهُم، خَاشِعَةً أَفئِدَتُهُم، سَاكِنَةً جَوَارِحُهُم، خَائِفِينَ وَجِلِينَ مُخبِتِينَ، يَذكُرُونَ اللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ، وَيُقَوُّونَ صِلَتَهُم بِهِ في كُلِّ وَقتٍ،
فَأَينَ مِن هَذِهِ الصِّفَةِ؟
• من يتهاون في صلاة الجماعة أو ينام عنها أو يتشاغل بلهو الدنيا، هذا لم يفهم معنى الرجولة الحقيقية.
• هل عرف الرجولة من شغلته متع الدنيا عن صلاة الفجر أو من يؤدي الصلاة متأخرًا؟ بالتأكيد لا.
• هناك من يدّعون الرجولة اليوم لكن تمنعهم قناة تلفزيونية تافهة أو جلسة لهو عن الصلاة وذكر الله.
• هؤلاء بعيدون كل البعد عن صفات الرِّجَالِ المُتَطَهِّرِينَ الذَّاكِرِينَ، الرَّاكِعِينَ السَّاجِدِينَ القَائِمِينَ، الَّذِينَ لا تَشغَلُهُم عَن صَلاتِهِم تِجَارَةٌ، وَلا يُلهِيهِم عَن طَاعَةِ رَبِّهِم بَيعٌ وَلا شِرَاءٌ.
• عواقب التهاون .
– من لا يحرص على الصلاة في وقتها وفي المسجد ، سيكون أكثر إهمالاً لأمور دينه ودنياه الأخرى.
وَكَيفَ يُؤتَمَنُ تَارِكُ صَلاةٍ عَلَى أَدَاءِ عَمَلٍ أَو إِنجَازِ مُهِمَّةٍ، فَضلاً عَن أَن يَكُونَ صَاحِبَ قَضِيَّةٍ أَو حَامِلَ رِسَالَةٍ؟!
• تارك الصلاة المتهاون لم ينجح في قيادة نفسه
فَكَيفَ يَقُودُ مُجتَمَعًا أَو تَسِيرُ وَرَاءَهُ أُمَّةٌ؟! كَيفَ يُدِيرُ مَصنَعًا أَو شَرِكَةً أَو مَركَزًا؟! كَيفَ يُوصِلُ رِسَالَةَ مَدرَسَةٍ أَو مَعهَدٍ أَو جَمعِيَّةٍ؟! بَلْ كَيفَ يَرعَى زَوجَةً وَيُكَوِّنُ أُسرَةً، أَو يُرَبِّي أَبنَاءًَ وَيَحفَظُ إِخوَةً، أَو يَكُونُ قُدوَةً لِطُلاَّبٍ وأُسوَةً لِمُوَظَّفِينَ؟! إِنَّ شَيئًا مِن ذَلِكَ لا يَكُونُ وَلَن يَكُونَ.
• الرجولة في معناها الكامل هي تحمل المسؤولية الروحية والاجتماعية، وتبدأ بالحفاظ على الصلاة.
– الرجولة قوةٌ في الإيمان
﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾
(سورة الكهف: الآية 13)
• الفِتية هنا هم قمّة الرجولة: إيمان وثبات
● ٢- الرجولة صدقٌ ووضوح .
– الصدق هو لب الإيمان وعنوان الرجولة.
الرجل لا يكذب، ولا يخون، ولا يغدر، بل هو صادق في قوله وفعله وحاله.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
قال ﷺ:
“عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صديقًا. وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذابًا.”متفق عليه؛ البخاري (6094)، مسلم (2607).
• الحديث يربط الصدق بالبر (جامع الخير)، ويرفع صاحبه إلى مرتبة الصدّيقية، وهي أعلى مراتب الرجولة بعد النبوة. والكذب يربط صاحبه بالفجور الذي يقود إلى الهلاك.
وهذا توجيه فقهي وأخلاقي لإلزام النفس بالصدق المطلق في كل شؤونها.
●٢- الرجولة ثباتٌ في ميدان الجهاد :
الرجل الحق يصدق في عهده، ويفي بوعده، ويثبت على الطريق
قال تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ (سورة الأحزاب: الآية 23)
• هذه الآية معيارٌ سماويٌّ للرجال الحقيقيين فمن أسمى مراتب الرجولة أن يكون الرجل صادقًا في وعده، ثابتًا على عهده، راسخًا كالجبال في التزامه بالحق، لا يغيره الزمان ولا تفتنه المغريات.
• هذه الآية وسام شرف لرجال صدقوا مع الله في ميثاق الإيمان والجهاد. هذه الرجولة تتمثل في الوفاء بالعهد (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا)، والثبات على المبدأ (وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا). فمنهم من استشهد (قَضَىٰ نَحْبَهُ)، ومنهم من ينتظر الشهادة أو النصر (وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ). هذا هو الشرف الذي لا يدانيه شرف: أن يجدك الله حيث أمرك، ثابتًا لا تتزحزح
• أطفال الحجارة: مثال الرجولة في العصر الحديث
​• عندما نتحدث عن الرجولة الحقيقية اليوم، نتذكر “أطفال الحجارة”.
​• هؤلاء الأطفال هم صغار بأجسامهم، لكنهم أبطال في أفعالهم ورجال في مواقفهم، ويصدق عليهم وصف الرجولة بمعناها الكامل.
​• لقد تربوا على معاني القرآن والجهاد في سبيل الله، بينما غيرهم يكتفي بالخطب الكلامية والعبارات الحماسية الفارغة.
​• كثيرون لم يصلوا إلى مستوى هذا “الرجل الطفل”، طفل الحجارة، الذي جسَّد رجولة ترفض الذل والاستسلام للظلم والعدوان.
​• إنهم لا يخشون القذائف والطلقات، بل يتصدون لها بصدورهم وقلوبهم، هدفهم تحرير القدس الشريف. إنها همم رجال ترفض المهانة.
​• ما دفع هؤلاء الأطفال للشجاعة هو ما رأوه بأعينهم؛ اعتقال آبائهم وهدم منازلهم.
​• هذا الطفل لا يملك سوى حجر، ولكنه يرى نفسه شامخاً، يتحدى دبابة الاحتلال دون أي خوف.
​• الأمهات يباركن ويدعمن خطى أبنائهن نحو الشهادة والموت، وهذا يدل على قوة الإيمان والتربية التي صنعت هذه الرجولة.
● ٣- الرجولة أخلاقٌ قبل أن تكون قوة
قال النبي ﷺ:
«أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا»
خرّجه الترمذي
الخلق أساس الرجولة.
• والقوة الحقيقية ليست في القتال
قال ﷺ:
«لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ»
متفق عليه .
الرجولة: تهذيب الغضب، لا التفلت منه.
●٤ – الرجولة قِوامةٌ ومسؤولية
– قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ) [النساء:34]. :
“القيم أي الرئيس، الذي يحكم أهله ويقوم اعوجاجهم إذا اعوجوا، وهو المسؤول عنهم يوم القيامة”، “<تفسير بن كثير>
وقال ﷺ:
«كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ… والرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»
متفق عليه .
قوله(راع) بمعنى: حارس، مؤدب، موجه، ومحسن.
ورجولة الرجل تتحدد في قدرته على القيام بحقوق من تحت يده، لا التسلط عليهم.
• القوامة حق وواجب للرجل يرتكز على أمرين: تفضيل شرعي ووظيفي (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ)، والإنفاق المالي وتحمل العبء الاقتصادي (وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ). الرجولة هنا تتجسد في القيادة الرشيدة، والمسؤولية المالية، وحماية كيان الأسرة. فإذا تخلى الرجل عن الإنفاق، ضعف أساس قوامته.
• والقوامة: إدارة وتنظيم لحياة الأسرة بناءً على تكليف شرعي وحكمة بالغة.
• ولا يقدح في رجولة الرجل أن يعين أهله، فعائشة -رضي الله عنها- سئلت عن فعل رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في بيته، قالت: “كان يكون في مهنة أهله، يحمل هذا ويحط هذا، يخصف نعله ويرقع ثوبه ويحلب شاته”، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
• ولا يقدح في رجولة الرجل أن يلاطفهن أو أن يمازحهن، تقول عائشة -رضي الله عنها-: سابقني رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فسبقته، فلما حملت اللحم أي بدت علي السمنة، سابقني رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فسبقني، فقال: “هذه بتلك”.
• الذي يقدح في رجولة الرجل في مجال الأسرة هو: انعدام غيرته على أهله: في أمر لباسها، فلا يعنيه أن تخرج وأن تكشف عورتها للناس، والرسول -عليه الصلاة والسلام- أعلمنا أن من أهل النار: “نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة -كسنام البعير- لا يَرِدن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام”.
• يقدح في رجولة الرجل أيضًا أن يلقي للزوجة الحبل على الغارب، تخرج متى تشاء، وتعود متى تشاء، ولا يعرف الوجهة التي خرجت إليها، أو أن تسافر بغير محرم، أو عدم وجود الصحبة الطيبة التي تحفظ لها دينها وعفتها في الطريق.
إنَّ استقراءَ واقعِ بعضِ البيوتِ اليوم، وتجوالًا يسيرًا في عددٍ من الأسواق والمجمّعات، ليكشفُ للناظر مقدارَ ما أصاب معنى القِوامة من ضعفٍ وانحسار؛ حتى غدت الرُّجولةُ في بعض البيوتِ تُغتالُ على مرأى ومسمع، حين يُلقي بعضُ الرجالِ زمامَ البيتِ لأزواجِهم دون ضابطٍ ولا رعاية، فتُترَك المرأةُ تخرجُ بلا رقابة، وتطوفُ في الأسواق متبرّجةً متزينةً، تتنقل بين المحلات لا يمنعها مانع، وربما فتنت البائعَ بنظرةٍ أو كلمة، وتبعها بعض الشباب بعباراتٍ رخوةٍ أو أرقامٍ تُلقى خفية.
وفي الوقتِ ذاته ترى الزوجَ ـ أو الأب ـ غافلًا في سيارته، منشغلًا بهاتفه، أو في متجره يمارس أعماله، وربما أرسل زوجته أو بناته مع السائق أو مع طفلٍ صغيرٍ أو مراهقٍ لا يملك من أدوات الحفظ والحكمة ما يؤهّله لصيانة الأعراض وحفظ الحياض.
هذه الأمور وعدم انشغال الرجل بها يدل على فقدان الغيرة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: “لا يدخل الجنة ديوث”. والديوث هو الذي لا غيرة له على عرضه .
أيضًا مما يقدح في رجولة الرجل هو أن يسلم قيادة أمره إلى أهله، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: “إذا كان أمراؤكم فساقكم، وأغنياؤكم شراركم، وأموركم إلى نسائكم، فبطن الأرض خير من ظهرها”. وفي الأثر: “تعس عبد الزوجة”.
•الذي يقدح في رجولة الرجل أن يقدم محبة أهله على محبة الله ورسوله، عبد الله بن أبي بكر تزوج امرأة يقال لها: عاتكة، وكانت ذات حسب ونسب وجمال وأدب، خرج أبو بكر يومًا إلى صلاة الجمعة، فسمع عبد الله يناغي زوجته وتناغيه بما يكون بين الرجل وأهله، فلما عاد من صلاة الجمعة ورآهما على الحال الذي تركهما عليه قال: يا عبد الله: ألم تصلّ معنا؟! قال: أأجمعتم؟! قال أبو بكر: لقد شغلتك عاتكة عن ربك، طلِّقها. فطلقها، ومضت ستة أشهر علم بعدها أبو بكر ندم عبد الله وندم عاتكة أنهما انشغلا بما يكون بين الرجل وأهله عن طاعتهما لله -عز وجل-، ثم قال له: أرجعها. فأرجعها.
• والرجولة أسمى ما يمكن أن تبحث عنه المرأة في الرجل، فإن وجدته وجدت الحب الذي لا يذبل، والتواصل الذي لا يُقطع، والثقة التي لا تُخدش، متى وجدته وجدت إشباعا لقلبها وعقلها، وحظيت بمن يصلح لأن يكون رفيقا لدربها في الدنيا والآخرة.
● ٧ – الرجولة كلمةُ حقّ
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾
(سورة الأحزاب: الآية 70)
● ٨ – الرجولة إنصافٌ للناس
قال ﷺ:
«انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»
رواه البخاري .
أي: ترده عن الظلم إن كان ظالمًا.
● ٩ – الرجولة حمايةٌ للأسرة
قال ﷺ:
«خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ»
خرّجه الترمذي .
● ١٠ – الرجولة شجاعةٌ وصبر.
قال تعالى:
﴿ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ (آل عمران: 146)
⚫ ثالثا : من صور الرجولة .
● ١- الرجولة في نصر الدعوة، والعمل لدين الله .
– الرجولة هي تحمل مسؤولية الإصلاح في المجتمع، وعدم السكوت على الفساد، والقيام بالحق ولو كلف ذلك الجهد والتضحية.
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتطلع إلى الرجولة التي تناصره وتعتز بها دعوته، ويسألها ربه فيقول: “اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب”، قال الراوي: وكان أحبهما إليه عمر. أخرجه الترمذي.
كان إسلام عمر حدثًا كبيرًا، ووُجدت رجولته في اللحظة الأولى من إسلامه، فبعد أن كان المسلمون لا يجرؤون على الجهر بدينهم جهروا به، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: “ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر”. أخرجه البخاري.
لم تكن رجولة عمر في قوة بدنه، ولا في فروسيته، ففي قريش من هو أقوى منه، ولكن رجولته كانت في إيمانه القوي، ونفسه الكبيرة التي تبعث على التقدير والإكبار.
هاجر الصحابة خفية، أما عمر فقد تقلد سيفه ومضى إلى الكعبة فطاف وصلى في المقام، وأعلن هجرته على الملأ وقال لهم: “من أراد أن تثكله أمه، ويُيتِّم ولدَه، ويُرمل زوجته، فليتبعني وراء هذا الوادي”، فما تبعه منهم أحد.
يضع عمر البرامج لتعليم الرجولة فيقول: “علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل، وروُّوهم ما يُجَمِّل من الشِّعر”.
وقال تعالى : ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ القصص/ 20 ) .
وقال : ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ يس/ 20 .
الرجولة الحقة رأيٌ سديد، وكلمة طيبة، ومروءة وشهامة، وتعاون وتضامن، الرجولة تحمل المسؤولية في الذب عن التوحيد والنصح في الله.
الرجولة قوة في القول، وصدع بالحق، وتحذير من المخالفة من أمر الله مع حرص وفطنة،
قال تعالى: ​﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾ (سورة غافر: الآية 28)
•{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ﴾
• هذا الرجل قام وحده بمهمة الدعوة والنصيحة في بيئة معادية،تَكَبَّدَ عَنَاءَ المَجِيءِ مِن أَقصَى المَدِينَةِ، وَسَارَعَ إِلى مَقصُودِهِ وَلم يَتَبَاطَأْ، فَعَلَ ذَلِكَ لِتَأيِيدِ الرُّسلِ وَنَصِيحَةِ قَومِهِ لِيَتَّبِعُوهُم
غير آبه بخطر بطش الطغاة.
رجولته تجلت في المسارعة إلى الحق (يَسْعَىٰ)، والصدع به دون خوف
إنه رجل في زمن قل فيه الرجال القائمون بالحق .
● ٢- الرجولة في القوة المسؤولة والغيرة الإيجابية:
الرجولة ليست تسلطًا أو استبدادًا، بل هي قوة تُستخدم في إقامة العدل، وحماية الحقوق، والقيام بمسؤوليات القوامة.
قوة تُقترن بـ الرحمة والعدل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان.”
خرجه مسلم .
٣- الرجولة في الشهامة، وعلو الهمة، والتحلي بمكارم الأخلاق:
فعن سعد بن أبي وقاص
” إنَّ اللهَ كريمٌ يُحبُّ الكُرَماءَ ، جوادٌ يُحبُّ الجَوَدَةَ ، يُحبُّ معاليَ الأخلاقِ ، و يكرَهُ سَفْسافَها
صحيح الجامع : رقم : 1800)
⚫ رابعا : نماذج الرجولة القرآنية والنبوية
● ١- رجولة إبراهيم عليه السلام
• في مواجهة الشرك
• في صبره على البلاء
• في قيامه بأمر الله
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾ (النحل: 120)
● ٢- رجولة موسى عليه السلام
﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا ﴾
(الكهف: 65)
• قوةٌ في الحق
• نصرةُ المظلوم
• صبرٌ على الطريق
● ٣- رجولة النبي ﷺ أعظم نموذج
• رجلٌ في رحمته
• رجلٌ في عدله
• رجلٌ في جهاده
• رجلٌ في بكائه وخشوعه
• رجلٌ في تواضعه لأهله وأصحابه .
● ٤- الرجولة وعمر .
• قيمة الرجال في نظر عمر بن الخطاب :
في دار من دور المدينة المنورة جلس عمر رضي الله عنه إلى جماعة من أصحابه فقال لهم: (تمنوا. فقال أحدهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهباً أنفقه في سبيل الله، ثم قال عمر: تمنوا. فقال رجل آخر: أتمنى لو أنها مملوءةً لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً أنفقه في سبيل الله. ثم قال: تمنوا. فقالوا: ما ندري ما نقول يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر:ولكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله وأَستَعمِلُهُم في طَاعَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-“.
رضي الله عن سيدنا عمر الملهم، لقد كان خبيراً بما تقوم به الحضارات الحقَّة، وتنهض به الرسالات الكبيرة، وتحيا به الأمم الهامدة.
كان عمر – رضي الله عنه – يفكر بعقلٍ واسع وبصيرة نافذة؛ فهو يعرف أن الأمم لا تقوم على المال فقط، بل على الرجال القادرين على حفظه، واستثماره، وإدارته بالشكل الصحيح.
وأن الإنسان أعزُّ من كل معدن نفيس، وأغلى من كل جوهر ثمين،
وما فائدة الثروات والمعادن إذا لم يكن هناك من يديرها بعقل وحكمة؟
وما قيمة المؤسسات والمشاريع إن لم يكن وراءها رجال مخلصون يحفظونها، يرعونها، ويستثمرونها الاستثمار الصحيح؟
الرجل الكفء الصالح هو محور الإصلاح، وأساس النهضات، وعماد الرسالات. أعدَّ ما شئت من معامل السلاح والذخيرة، فلن تقتل الأسلحة إلا بالرجل المحارب.
ضع ما شئت من القوانين واللوائح، فستظل حِبْراً على ورق، ما لم تجد الرجل الذي ينفذها.
وضع ما شئت من مناهج التربية والتعليم فلن يغني المنهج إلا بالرجل الذي يقوم بتدريسه.
لا قيمة لهذه الثروات ما لم تتوفر عقول ناضجة (زاكية) تُخطط، وأيدٍ عاملة تُنفذ؟
الرجل الذي تكتمل فيه الرجولة الحقيقية هو أعز من أي معدن نفيس وأغلى من أي جوهر ثمين
الرجل الصالح: هو الشخص الذي يعلم ما هو واجبه فيؤديه، ويعلم ما هو حقه فيقف عنده.
وهو أغلى من الذهب والفضة، وهو عماد الأمة، وروح نهضتها، ومحور التغيير فيها، ومنطلق إصلاحها.
فلله ما أحكم عمر حين لم يتمن ذهباً ولا فضة، ولا لؤلؤاً ولا جوهراً، ولكنه تمنى رجالاً من الطراز الممتاز الذي تفتتح على أيديهم كنوز الأرض وأبواب السماء.
إن رجلا ً واحداً قد يساوي مئة، ورجلا ً قد يوازي ألفاً، ورجلا ً قد يزن شعباًَ بأسره، وقد قيل: رجل ذو همة يحي أمة.
حاصر خالد رضي الله عنه الحيرة، فطلب من أبي بكر رضي الله عنه مدداً فما أمده إلا برجل واحد، هو القعقاع بن عمرو التميمي وقال: لا ينهزم جيش فيه مثله، وكان يقول: لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف مقاتل.
واستمد عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهو في مصر، عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، فبعث إليه بأربعة آلاف، على رأسهم أربعة من رجالات الإسلام، عدَّ كل واحد منهم بألف رجل.
لذلك لا تنخدعوا بالمظاهر
ولا تغرنكم كثرة المباني والمصانع، والمعدات ولا ما نراه من أجهزة حديثة ومناهج متنوعة ودورات تدريبية.
كل ذلك لا ينفع وحده، ولن تتحقق الخطط ولا المشاريع ما لم يوجد رجال أمناء صادقون يعملون بإخلاص، ينهضون بالأوطان وتقوم بهم الحضارات.
هؤلاء الرجال هم من يستخرجون الكنوز، وتنمو بعقولهم البلاد، وتقوم على سواعدهم الحضارات.
• إِنَّ الدُّنيَا لم تَرَ الرُّجُولَةَ في أَجلَى صُوَرِهَا وَأَكمَلِ مَعَانِيهَا كَمَا رَأَتهَا في تِلكَ النَّمَاذِجِ الكَرِيمَةِ الَّتي صَنَعَهَا الإِسلامُ عَلَى يَدِ رَسُولِهِ العَظِيمِ مِن رِجَالٍ يَكثُرُونَ عِندَ الفَزَعِ وَيقِلُّونَ عِندَ الطَّمَعِ، لا يُغرِيهِمُ الوَعدُ وَلا يُلَيِّنُهُم الوَعِيدُ، وَلا يَغُرُّهُمُ النَّصرُ وَلا تُحَطِّمُهُمُ الهَزِيمَةُ، وَلَن تَستَعِيدَ الدُّنيَا الرُّجُولَةَ إِلاَّ بِإِحيَاءِ تِلكَ النَّمَاذِجِ العَظِيمَةِ في الوَاقِعِ وَعَرضِ في سِيَرِهِم عَلَى النَّاشِئَةِ.
⚫ خامسا : معايير الرجولة في الفقه الإسلامي
● ١- القِوامة: مسؤوليةٌ لا امتياز
القوامة قائمة على:
• النفقة
• الحماية
• القيادة الرشيدة
• العدل والصلاح
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ (النساء: 34)
● ٢- الرجولة شرطٌ لبعض الولايات
• الإمامة الكبرى
• القضاء
• بعض المناصب التنفيذية
وفق شروط أهل العلم.
⚫ سادسا : الرجولة الأخلاقية .
● ١- الرجولة مع الله.
وتتمثل في:
• الطاعة
• الإخلاص
• الثبات
● ٢- الرجولة مع النفس .
وتتمثل في:
• ضبط الشهوة
• محاسبة القلب
• حفظ اللسان.
● ٣- الرجولة مع الناس
وتتمثل في :
• الوفاء
• الشهامة
• الكرم
• الصدق في المعاملة
• الرحمة بالضعفاء والعفو لا الانتقام، يروي أن مسطح بن أثاثة كان ممن تكلم في أمر عائشة في حادثة الإفك، وحادثة الإفك ملخصها: أن رسول الله كان إذا خرج في غزوة أقرع بين نسائه، فإذا خرجت القرعة على إحداهن يأخذها معه في سفره تخدمه، وخرجت القرعة على عائشة.
لما قفل الجيش وعاد، خرجت عائشة بعد أن نزل الجيش في مكان لبعض شأنها، فلما عادت إذا بالجيش قد ارتحل، فجلست في مكانها تنتظر، وكان هناك صحابي يقال له: صفوان بن المعطل كان ينتظر آخر الجيش، فإذا كان الجيش قد نسي متاعًا مثلاً يأخذه معه، لما رأى عائشة رضي الله عنها -وكان قد رآها قبل فرض الحجاب- قال: أم المؤمنين هنا، فأناخ بجمله فركبت ولحق بالجيش، فلما وصل الجيش تفقدوا الهودج الذي فيه عائشة فلم يجدوها، فلم يمض وقت قليل إلا وصفوان بن المعطل جاء وهو يسوق الجمل وعليه عائشة، فتكلم رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول وطعن في عرض رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أن هناك صلة ما بين عائشة وصفوان.
وممن وقع في هذا الأمر مسطح، وكان فقيرًا، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- ينفق عليه وهو يطعن في بنت أبي بكر –رضي الله عنه-، وبعد أن نزلت آيات البراءة في سورة النور، أقسم أبو بكر -رضي الله عنه- أن لا ينفق على مسطح بعد ذلك أبدًا. فأنزل الله تعالى قوله: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور: 22]، فقال أبو بكر –رضي الله عنه-: بلى يا رب نحب أن تغفر لنا. فأعاد نفقته على مسطح.
⚫ سابعا : حين تموت معاني الرجولة.. ولا يبقى إلا صدى الرجال.
– إنَّ الرجولة الحقّة لا تُولَد إلا في أحضان الإيمان، وتحت ظلال الفضائل والأخلاق. فإذا غاب نور العقيدة، وساد ظلام الشك والإلحاد والانحلال؛ فلن توجد رجولة صحيحة، كما لا ينمو الغرس إذا حرم الماء والهواء والضياء
وقد شهدت الدنيا أسمى صور الرجولة في الجيل الذي ربّاه الإسلام على يد خير خلق الله محمد ﷺ؛ رجالٌ ارتفعت بهم المعالي، وكتبوا أسمى صفحات التاريخ إيمانًا وجهادًا وثباتًا.
أمّا في عصرنا، فقلّ أن ترى رجالًا على حقيقة الرجولة؛ وإنما ترى أشباه رجال، تتقارب الأجساد وتتناقض القيم.
وكأنما صدق قول القائل في حسرةٍ تعجب من دينٍ عظيم لا يجد من يحمله:
“يا له من دينٍ لو كان له رجال!”
دينٌ يضم اليوم مئات الملايين من المنتسبين، ومع ذلك يشكو فقر الرجال وحملة المبادئ .
⚫ ثامنا : كيف يُبنى الرجل الصالح؟
١- يُبنى بالإيمان أولًا
ذلك الإيمان الذي يجيب عن الأسئلة الكبرى في الوجود:
من أنا؟ من أين جئت؟ وإلى أين المصير؟
الإيمان الذي يحيي القلب ويملؤه يقينًا وثباتًا.
٢ – يُبنى بالعبادة التي لأجلها خُلق
قال تعالى:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الذاريات: 56
بالصلاة التي تصِل العبد بربه، وبالزكاة التي تُطهِّر نفسه، وبالصيام الذي يُربي الإرادة ويكسر الشهوة، وبالحج الذي هو هجرة إلى الله، ونقلة في الروح والضمير.
٣ – يُبنى بالأخلاق والقدوة الحسنة .
لتتشكل منه شخصية الإنسان الرابح كما ذكرت سورة العصر، لا الخاسر الضائع.
الأخلاق التي يطلبها الإسلام أخلاقُ القوّة والإنتاج والثقة بالله، لا أخلاق الضعف والاستكانة.
قال ﷺ:
«المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف»
وقال ﷺ داعيًا:
«اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل…»
وقد صنع النبي ﷺ رجالًا حملوا الإسلام حيًا متجسدًا في سلوكهم وأفعالهم، صاروا مصاحف تمشي على الأرض، فتحوا القلوب قبل البلدان، فجاءت الأمم تدخل في دين الله أفواجًا؛ إذ رأت الدين واقعًا لا كلامًا.
واليوم — الإنسانية في أمسّ الحاجة لذلك النموذج من الرجولة؛ الرجل الرسالي الصادق.
فماذا يصنع الإسلام برجالٍ همُّهم بطونهم وشهواتهم؟
رجالٍ اجتمعوا على طمعٍ وتفرّقوا عند محنة، زجاجٌ تتكسر رجولته بأخف صدمة!
لو خرج من كل ألف رجل رجلٌ واحدٌ صدق الله ما تولّى عنه النصر، ولكان خيرًا من جموعٍ كثيفة لا وزن لها ولا أثر.
• الإصلاح يبدأ من الداخل
التغيير لا ينزل علينا من السماء فجأة، ولا تفعله قوانين بلا قلوب واعية.
التغيير يبدأ من النفس؛ فإذا صلح الفرد صلح المجتمع.
قال تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
الرعد: 11
وأزمة المسلمين الكبرى اليوم أزمة إيمان وأخلاق قبل أن تكون نقصًا في الموارد أو القوة.
فإذا مات القلب، وضعفت العزائم، وأُصيب الناس بالوهن — حب الدنيا وكراهية الموت — صار كل واحد يقول: نفسي نفسي.
وكما قيل:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتمًا وعويلًا
• لقد صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً تجسَّد فيهم الإسلام، فإذا هم مصاحف تمشي على الأرض، انتشروا في أنحاء الدنيا، فرأى الناس فيهم نماذج فريدة من البشر، يمثلون منهجاً فريداً، فلما رأوا المنهج الفريد مجسداً في الفرد المؤمن الصادق، أقبل الناس يدخلون في دين الله أفواجاً.
والإنسانية اليوم في أمس الحاجة إلى هذا النموذج الفريد.
وماذا يفيد الإسلام رجال أهمتهم أنفسهم، وحكمتهم شهواتهم، وسيَّرتهم مصالحهم رجال يجمعهم الطمع، ويفرقهم الخوف والفزع، رجال صنعوا من زجاج، فلا يستر عورة لا يتحمل رمية حصاة.
أما والله لو ظفر الإسلام في كل ألف من أبنائه برجل واحد فيه خصائص الرجولة، لكان ذلك خيراً له وأجدى عليه من هذه الجماهير المكدَّسة التي لا يهابها عدد، ولا ينتصر بها صديق.
إن الإصلاح والتغيير لا يهبط علينا من السماء، ولا تنزل ملائكة يتولون أمر البشر، وإنما البشر هم الذين يصلحون أنفسهم، إن التغيير يجب أن يبدأ منا أولاً، من داخلنا.
إنه قانون القرآن إن المجتمعات لا تتغير إلا بجهد بشري، جهد يتجه إلى الأنفس ليغير ما بها من صفات فاسدة إلى صفات صالحة:[ إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ] {الرعد:11} . وتغيير الإنسان ليس بالأمر الهين، فليس بمجرد الوعظ والإرشاد، وليس بالأوامر ولا القوانين، إنما يتغيَّر إنسان من داخل نفسه.
إن أزمة المسلمين الكبرى أزمة روحية أخلاقية… وهناك أزمات أخرى، ولكن جذورها وأسبابها تعود إلى انطفاء جذوة الإيمان، والأخلاق.
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم=فأقم عليهم مأتماً وعويلاً.
إنه ضعف الإيمان والأخلاق لدى الحاكمين والمحكومين، إنه الوهن المتمثل في حب الدنيا وكراهية الموت لدى الناس، فكل يقول: نفسي نفسي.
⚫ تاسعا :الرجولة في مواجهة الشهوات المعاصرة .
● الصمود أمام المغريات
● حفظ الأسرة رغم فتن الإعلام
● العمل الشريف بدل التسوّل والكسل
● مواجهة الحياة بروح المسؤولية
⚫ الخاتمة .
إن الرجولة التي ندعو إليها اليوم هي رجولة جامعة لكل هذه الصفات: إيمان راسخ في القلب، وصدق في القول، وأمانة في الفعل، وقوة في الحق، ورحمة بالخلق، ومسؤولية تجاه الأسرة والمجتمع.
إن الرجولة هي أن تكون “رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ” في سوق الدنيا، وأن تكون “رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ” في ميدان البلاء
الرُّجُولةُ في الإسلام ليست زِيًّا يُلبَس، ولا لقبًا يُمنَح، ولا صورةً تُلتَقَط…
إنّها عبادة، وجهاد، وحسن خُلُق، وقِيادة، وثبات، وبذل، وصبر، وعطاء.
هي قدرُ الرجال…
وأمَّا الذُّكور فكثيرٌ في الطرقات، لكنَّ الرجال نُدْرَةٌ كالنُّجوم، لا يسطعون إلا حين يبتعد ضوء الزيف.
● .
🤲 نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الرجال الصادقين، الأوفياء بعهدهم، القائمين بواجباتهم، وأن يرزقنا كمال الرجولة في الدنيا والآخرة.
كما نسأله أن يجعلنا وإياكم مع عباده الرِّجال الذين مدحهم في كتابه، وثبتهم على طاعته، ورفع لهم ذِكرًا في الدنيا والآخرة.
اللهم ارزقنا رجولة الإيمان، وثبات أهل اليقين، واجعلنا ممن يحملون هذا الدين بحق، ولا تجعلنا من الغثاء الهائمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى