عاصفة اتهامات تضرب الوحدة البريطانية في كينيا

كتبت سوزان مرمر
صدمة في نيروبي بعد تقرير يفضح تورط جنود بريطانيين في انتهاكات ممتدة لعقودصدمة في نيروبي بعد تقرير يفضح تورط جنود بريطانيين في انتهاكات ممتدة لعقود
تفجّر غضب واسع داخل كينيا بعد صدور تقرير برلماني شديد اللهجة يتهم جنود “وحدة التدريب العسكرية البريطانية في كينيا” (BATUK) بارتكاب جرائم قتل واعتداءات جنسية وتعذيب، إضافة إلى انتهاكات موصوفة بأنها تعكس “استمرارية لحقبة الاستعمار”.
التقرير، الذي جاء بعد تحقيق استمر عامين كاملين، يعيد فتح ملفات مؤلمة تمتد من تسعينيات القرن الماضي حتى اليوم، ويضع العلاقات الدفاعية بين لندن ونيروبي أمام اختبار غير مسبوق.
التقرير المؤلف من 94 صفحة كشف عن سلسلة من الوقائع التي تؤكد وجود ما وصفه النواب بـ “سلوك ممنهج” يضم الاعتداء على المدنيين، مضايقات، احتجازات تعسفية، وإجبار السكان على مغادرة أراضيهم، خاصة في المناطق القريبة من قاعدة الوحدة البريطانية في نانيوكي.
لكنه أشار بشكل خاص إلى نمط “مقلق” من الجرائم الجنسية ارتكبها أفراد من القوات البريطانية، تشمل الاغتصاب، الاعتداء، والتخلي عن أطفال وُلدوا نتيجة تلك الاعتداءات.
واحدة من القضايا التي أعاد التقرير تسليط الضوء عليها هي مقتل الشابة الكينية Agnes Wanjiru البالغة من العمر 21 عاماً، والتي اختفت في عام 2012 قبل أن يُعثر على جثتها في خزانٍ للصرف الصحي داخل فندق كانت شوهدت بداخله مع جنود بريطانيين.
وعلى الرغم من مرور سنوات على الجريمة، لم تُحسم القضية إلا مؤخراً بعدما أُلقي القبض في بريطانيا على الجندي السابق روبرت جيمس بيركيس المطلوب للتحقيق في الجريمة، وهو الآن يقاوم قرار تسليمه إلى كينيا.
ولم يقتصر التقرير على هذه الجريمة وحدها، بل تطرق إلى حوادث قديمة تعود إلى التسعينيات، حيث اشتكى السكان من أضرار بيئية، اشتباكات أثناء التدريبات العسكرية، وممارسات وُصفت بأنها “امتداد لأساليب الاستعمار البريطاني”، بما في ذلك تجاهل صريح لحقوق المجتمعات المحلية.
وركّز النواب على أن BATUK دأبت على رفض المثول أمام البرلمان الكيني خلال فترة التحقيق، متمسكة بالحصانة الدبلوماسية ومكتفية بإرسال ردود مكتوبة وغير موقعة عبر وزارة الخارجية الكينية.
واعتبر البرلمانيون هذا السلوك “ازدراءً مؤسساتياً لسلطة البرلمان وسيادة الشعب الكيني”، مؤكدين أن غياب الشفافية يعزز شعوراً واسعاً بأن الجنود البريطانيين يتمتعون بحماية مطلقة من المساءلة.
وتعمل الوحدة العسكرية البريطانية في كينيا منذ عام 1964، بناءً على “اتفاقية التعاون الدفاعي” (DCA) بين البلدين، والتي تسمح بتدريب آلاف الجنود البريطانيين سنوياً على الأراضي الكينية.
لكن هذه الاتفاقية باتت موضع انتقاد متزايد، إذ يرى عدد من الخبراء والنواب أنها توفر بيئة قانونية تسمح للجنود البريطانيين بالإفلات من العقاب، وتحد من قدرة السلطات الكينية على التحقيق أو المحاكمة في الجرائم التي تقع داخل أراضيها.
وبالرغم من خطورة الاتهامات، لم تصدر لندن رداً مباشراً على كل الوقائع، لكن وزارة الدفاع البريطانية قالت إنها “تتعامل بجدية مع الادعاءات” وأنها مستعدة للنظر في أي أدلة يقدمها الجانب الكيني.
إلا أن كثيرين يعتبرون هذا الرد غير كافٍ، خاصة في ظل السنوات الطويلة التي تجاهلت فيها السلطات البريطانية نداءات عائلات الضحايا من أجل العدالة.
التقرير دعا في نهايته إلى إعادة صياغة اتفاقية التعاون الدفاعي بما يضمن تطبيق القانون الكيني على الجرائم المرتكبة داخل البلاد، وإزالة الثغرات التي سمحت للجنود البريطانيين بالتصرف دون مساءلة.
كما طالب بإجبار BATUK على الخضوع للمساءلة البرلمانية، وتعويض المتضررين، وفتح ملفات الجرائم العالقة منذ عقود.
وبينما لم تعلن الحكومة الكينية بعد عن خطواتها المقبلة، يبدو واضحاً أن العلاقات الدفاعية بين لندن ونيروبي تقف عند منعطف حساس. فالتقرير لم يكتفِ بعرض الوقائع، بل نسف أيضاً الرواية الرسمية التي طالما قدّمت وجود القوات البريطانية باعتباره “شراكة تدريبية”.
اليوم، وبعد كشف هذه الانتهاكات، تتحول الشراكة إلى ملف ساخن يهدد بإعادة كتابة قواعد التعاون بين البلدين، وسط مطالبات متصاعدة بالعدالة وإنهاء الإفلات من العقاب.



