سلسلة أمهات المؤمنين.. السيدة أم سلمة رضى الله عنها

كتبت سوزان مرمر
أم سلمة
أم المؤمنين سادس زوجات لمحمد (28ق.هـ – ما بين 47 و64هـ / 596 – ما بين 667 و683م)
أم سَلَمَة هند بنت أبي أمية المخزومية القرشية إحدى زوجات الرسول محمد، وإحدى أمهات المؤمنين، ومن السابقين إلى الإسلام، كانت زوجة لأبي سلمة بن عبد الأسد، وهاجرت معه الهجرة الأولى إلى بلاد الحبشة، وعند الهجرة إلى المدينة المنورة منعها أهلها من الهجرة مع زوجها، ثم خلّوا سبيلها فأخذت ولدها وارتحلت، حتى لقيت عثمان بن طلحة بالتنعيم فأوصلها إلى يثرب، وقيل: إنها أوَّل امرأة خرجت مهاجرةً إلى الحبشة، وأول ظعينةٍ دخلت المدينة. ولمَّا توفي أبو سلمة، تزوجها النبي.
أم سلمة
هند بنت أبي أمية، أم المؤمنين
الكنية
أم سلمة
الولادة
28 ق.هـ (وفقًا لما ورد في كتاب الأعلام)
مكة، تهامة، شبه الجزيرة العربية
الوفاة
ما بين 57 هـ و64 هـ (74-81 سنة)
المدينة المنورة
المدينة المنورة، البقيع
النسب
الأب: أبو أمية بن المغيرة
الأم: عَاتِكة بنت عامر
أزواجها: أبو سلمة بن عبد الأسد، النبي محمد
أخوانها: عبد الله بن أبي أمية، المهاجر بن أبي أمية، زهير بن أبي أمية، عامر بن أبي أمية، قريبة الكبرى بنت أبي أمية
أولادها: سلمة بن أبي سلمة، عمر بن أبي سلمة، زينب بنت أبي سلمة، درة بنت أبي سلمة
رافقت أم سلمة النبي في عدد من الغزوات، وأُخِذ برأيها يوم الحديبية فأشارت عليه ألا يكلم أحدًا حتى ينحر بُدْنَهُ ويدعو حالقه فيحلق له، فكانت تُوصف «بالرأي الصَّائب والعقل البالغ»، وبعد وفاة النبي كان الصحابة يسألونها عن الأحاديث النبوية، فروت 378 حديثًا وفقًا لبقي بن مخلد منها ثلاثة عشر حديثًا متفقًا عليه، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثلاثة عشر، كما أورد لها الذهبي في مسنده 380 حديثًا، فروت الحديث عن النبي مباشرةً، وروايةً عن أبي سلمة وفاطمة الزهراء، وروى عنها ولداها: عمر بن أبي سلمة، وزينب بنت أبي سلمة، وأخوها عامر بن أبي أمية، وابن أخيها مصعب بن عبد الله بن أبي أمية، وعدد من الصحابة والتابعين.
توفيت أم سلمة في المدينة المنورة، وهي آخر من توفي من أمهات المؤمنين، ودُفنت في مقبرة البقيع.
حياتها قبل البعثة
نسبها واسمها
منظر كاشف لمكة المكرمة من على متن جبل النور.
هي أم سلمة بنت أبي أمية واسمه سهيل بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.
أمّها عَاتِكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جَذِيمة بن علقمة جِدْل الطّعَان بن فِراس بن غَنْم بن مالك بن كِنَانة، وذكر ابن شهر آشوب في كتابه «مناقب آل أبي طالب» وغيره أنّ والدتها عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي، بينما قال صاحب كتاب «معالي الرتب»: «ومما شاع من الأخطاء ظنُّ بعضِهم أن أم المؤمنين أم سلمة بنت أبي أمية رضي الله عنها من بنات عاتكة بنت عبد المطلب، وليس كذلك….».
إخوتها: المهاجر بن أبي أمية، وعبد الله بن أبي أمية، وزهير بن أبي أمية، وهشام بن أبي أمية، وأبو عبيدة بن أبي أمية، ومسعود بن أبي أمية، وربيعة بن أبي أمية، وعبد الله بن أبي أمية، وقريبة الكبرى ابنة أبي أمية، وقريبة الصغرى بنت أبي أمية. وكان الصحابيُّ عمار بن ياسر أخاها من الرضاعة.
واسمها «هِنْدُ»، وقيل «رَمْلة»، لكن الذهبي نفى ذلك، لأن رملة اسم أم المؤمنين أم حبيبة. وقد اشتهرت بكنيتها «أم سلمة» نسبةً إلى ولدها سلمة بن أبي سلمة. أمّا أبوها فاسمه «حذيفة»، وقيل: «سهل»، وقيل: «سهيل»، ويلقَّبُ «زادَ الراكب»؛ لأنه كان أحد الأجواد؛ فكان إذا سافر لايترك من يرافقه ومعه زاد، بل يكفي رفقته من الزَّاد، ويكنّى أبا أمية، وكان من سادات بني مخزوم. وأم سلمة ابنة عم الصحابي خالد بن الوليد، وأبي جهل بن هشام.
ولادتها ونشأتها
ولدت أم سلمة في مكة المكرمة، وذكر الزركلي في «الأعلام» أنّ ولادتها كانت سنة 28 ق.هـ. نشأت في بيت والدها أبي أمية الذي كان من سادات قريش، وتزوجت من ابن عمها أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي.
حياتها بعد البعثة
إسلامها وهجرتها إلى الحبشة
المقالة الرئيسة: الهجرة إلى الحبشة
رسم توضيحي يصور النجاشي وهو يرفض طلب وفد مكي يطلب منه تسليم المسلمين
كانت أم سلمة وزوجها أبو سلمة من السابقين إلى الإسلام، ولما رأى النبي ما يصيب أصحابه من أذى زعماء قريش لهم، أمرهم بالهجرة إلى الحبشة، فهاجرت أم سلمة مع زوجها إلى الحبشة. روى ابن هشام في «سيرته» عن أم سلمة خبرًا طويلًا عن الهجرة إلى الحبشة تحدثت فيه عن الأمن والاستقرار الذي لحق بهم حين نزلوها، وكيف أنَّ قريشًا ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي ويقدموا له الهدايا، واتهمتهم في دينهم، وسألوا النجاشي أن يردهم لأهلهم إلا أنَّ النجاشي لم يفصل في شيء حتى استدعى جعفر بن أبي طالب، فسأله، فشرح للنجاشي معالم دينهم وأخلاقهم، وختم حديثه بآيات من سورة مريم، فرفض النجاشي طلب قريش، وفرح المهاجرون بذلك، وقد أنجبت أم سلمة ولدها سلمة هناك.
الرجوع من الحبشة إلى مكة
عادت أم سلمة وزوجها إلى مكة بعد أن بلغ المسلمين في الحبشة إسلام أهل مكة، فوجدوا أمر قريشٍ على حاله، وأنّ ما بلغهم من إسلام أهل مكة كان باطلًا، فلم يجرؤ منهم أحدُ أن يدخلَ مكة إلا مستجيرًا أو مستخفيًا، فدخل أبو سلمة وزوجه أم سلمة في جوار خاله أبي طالب. فمشى إليه رجال من بني مخزوم، فقالوا له: يا أبا طالب، لقد منعت منا ابن أخيك محمدًا، فما لك ولصاحبنا تمنعه منا؟ قال: «إنَّهُ اسْتَجَارَ بِي، وَهُوَ ابْنُ أُخْتِي، وَإِنْ أَنَا لَمْ أَمْنَعْ ابْنَ أُخْتِي لَمْ أَمْنَعْ ابْنَ أَخِي». فبقي أبو سلمة وزوجته في مكة، حتى مات أبو طالب، وبموته نال المشركون من النبي وأتباعه مالم ينالوه في حياته.
هجرتها إلى المدينة
المقالة الرئيسة: الهجرة النبوية
منظر عام للمدينة المنورة قديمًا.
أمر النبي أتباعه بالهجرة إلى المدينة المنورة حوالي سنة 622م بسبب ما كانوا يلاقونه من أذى وعذاب من زعماء قريش خاصة بعد وفاة أبي طالب، فهمّ أبو سلمة وأم سلمة بالهجرة، لكن أهلها منعوا أبا سلمة من السير بها إلى المدينة، فهاجر منفردًا، وأتى بنو عبد الأسد قوم أبي سلمة فحازوا ابنها سلمة إليهم، فظلت أم سلمة في حزن تبكيهم، حتى رقّ أهلها لحالها، وتركوها تلحق بزوجها إلى يثرب، ومعها ابنها سلمة. خرجت أم سلمة مع ابنها تنوي الهجرة إلى يثرب دون رفيق، فرآها عثمان بن طلحة وسألها عن وجهتها، فأخبرته، فأخذ بخطام دابتها، ورحل بها إلى مشارف المدينة، وقفل راجعًا. وفي المدينة أنجبت أم سلمة ثلاثة أولاد هم «درة» و«عمر» و«زينب»، أمّا ولدها «سلمة» فوُلد في الحبشة حسب بعض الروايات، وتقول رواياتٌ أخرى إنها أنجبت جميع أولادها في الحبشة.
رُوي عن مالك بن أنس قال: «هاجرت أم سلمة وأم حَبِيبة إلى أرض الحبشة، ثم خرجت أم سلمة مهاجرة إلى المدينة شرفها الله تعظيمًا وتكريمًا، وخرج معها رجلٌ من المشركين وكان ينزل بناحية منها إذا نَزلت، ويسير معها إذا سارت، ويرحل بعيرها، ويتنحى إذا ركبت، فلما نظر إلى نخل المدينة المباركة قال لها: هذه الأرض التي تريدين، ثم سلم عليها وانصرف»، وعن محمد بن الضّحاك عن أبيه قال: «الرّجل الذي خرج مع أم سلمة عثمان بن طلحة».
موت زوجها أبي سلمة
ذكر مصعب الزبيري أنّ أبا سلمة تُوفي بعد غزوة أحد سنة 4 هـ، وقيل تُوفي في جمادى الثانية سنة 3 هـ، وذكر ابن عبد البر إنّه تُوفي بعد غزوة بدر سنة 2 هـ، بينما قال ابن إسحاق: تُوفي بعد غزوة أحد، وقال أبو بكر بن زنجويه: توفي أبو سلمة في سنة أربع من الهجرة بعد مُنصَرفه من أحُد، انتقض به جرح كان أصابه بأحُد، فمات منه، فشهده رسولُ الله، وَكَذا قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: إنه شهد بَدْرًا وأحُدًا فجُرح بها، ثم بعثه النبيُّ محمد على سرية إلى بني أسد في صفَر سنة أربعٍ ثم رجع، فانتقض جرحه، فمات في جمادى الآخرة، ولم يكن لأم سلمة في المدينة بعد وفاة زوجها أحد من ذويها غير صبيةٍ صغارٍ كزَغْبِ القطا، فحزن المسلمون لمصابها أشد الحزن، وأطلقوا عليها اسم «أَيِّمِ العَرَب».
وعن أم سلمة أنّها قالت: « سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ فَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ»، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: يَارَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: «قُولِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلَهُ، وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً»، فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ عز وجل مِنْهُ مُحَمَّدًا ﷺ».
زواجها من النبي
بعدما انقضت عدتها من وفاة أبي سلمة خطبها أبو بكر فردته، ثم خطبها عمر بن الخطاب فردته، ثم بعد ذلك خطبها النبي، فقبلت أم سلمة. واختُلف في تاريخ زواجها من النبي، قيل تزوجها قبل وقعة بدر في سنة 2 هـ، فعن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: «تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ مِنَ التَّارِيخِ أُمَّ سَلَمَةَ وَاسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ»، وذكر ابن كثير وغيره أنّ رسول الله دخل بها في شوال سنة 2 هـ بعد وقعة بدر، كما ذكر المزي في «التهذيب» أن النبي تزوجها سنة 2 هـ وبنى بها في شوال، وقيل إن رسول الله تزوجها قبل الأحزاب سنة 3 هـ، وقال ابن حجر العسقلاني: «إنما تزوجها النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة أربع على الصحيح ويقال سنة ثلاث… وحلت أم سلمة في شوال سنة أربع وقد نص على ذلك خليفة بن خِياط والواقدي …»، وذكر ابن حجر أيضًا: «فتزوجها النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في جمادى الآخرة سنة أربع، وقيل سنة ثلاث».
وقال ابن الملقن: «تزوجها في شوال سنة اثنين من الهجرة بعد وقعة بدر وبنى بها في شوال، وكانت قبله عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد والد [عمر] بن أبي سلمة، كذا قال أبو عمر وغيره أنه تزوجها سنة اثنين، وفي كتاب ابن الأثير: سنة ثلاث، وفيه نظر؛ لأن أبا سلمة شهد بدرًا سنة اثنين ومات سنة ثلاث أو أربع لا جرم، قال خليفة وغيره: تزوجها سنة أربع، وإنما التي بني بها في شوال عائشة ثم تزوج بعدها حفصة سنة ثلاث، ووقع في المستدرك للحاكم عن أبي عبيدة أنه تزوجها سنة [اثنين] قبل وقعة بدر وصوابه [بعد]».
تذكر بعض المصادر أن النبي دخل بها في حجرة أم المؤمنين زينب بنت خزيمة بعد موتها، وأمّا مهرها، فقيل إن مهر نساء النبي موحد، وهو أربعمائة درهم، وورد في بعض المصادر أن صَداق أم سلمة أربعمائة دينار، وقد سلمها النجاشي ملك الحبشة، وذكر ابن هشام أن رسول الله أصدقها فراشًا حشوه ليف وقدحًا، وروى الزبير بن بكار في كتابه «المنتخب من كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم» أن رسول الله أصدقها كما أصدق عائشة بنت أبي بكر صحفةً كثيفةً، وقدحًا كثيفًا، وفراشًا حشوه ليفٌ، والمجشة وهي الرحى. ورُوي عن أنس أن النبي تزوج أم سلمة على متاع قيمته عشرةُ دراهم.
ورد في «مسند أحمد» عن عمر بن أبي سلمة: «إنَّ أُمَّ سَلَمَةَ لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، خَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَرَدَّتْهُ، ثُمَّ عُمَرُ، فَرَدَّتْهُ. فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُوْلُ اللهِ، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا، أَخْبِرْ رَسُوْلَ اللهِ أَنِّي غَيْرَى، وَأَنِّي مُصْبِيَةٌ [أي ذات صبية صغار]، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِدًا. فَبَعَثَ إِلَيْهَا: (أَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّي مُصْبِيَةٌ؛ فَإِنَّ اللهَ سَيَكْفِيْكِ صِبْيَانَكِ، وَأَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّي غَيْرَى، فَسَأَدْعُو اللهَ أَنْ يُذْهِبَ غَيْرَتَكِ، وَأَمَّا الأَوْلِيَاءُ؛ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُم إِلاَّ سَيَرْضَى بِي)….».
جاء عن أنس أن رسول الله أَوْلَمَ على أم سلمة بتمر وسمن، وعن أنس أيضًا: «أن رسولَ اللهِ -ﷺ- لما تزوجَ أمَّ سلمةَ أمرَ بالنِّطَعَ فبُسِطَ، ثم ألقى عليه تمرًا وسَويقًا فدعا الناسَ فأكلوا». وكان لأم سلمة مكانتها عند النبي، فيروى أن النجاشي أهدى إلى النبي حُلّةً وأواقٍ من مسك، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية مسك، وأعطى أم سلمة بقية المسك والحُلَّة. كما ذكرت عائشة أنّ النبي كان إذا صلّى العصر دخل على نسائه واحدة واحدة، يبدأ بأم سلمة لأنها أكبرهن، ويختم بعائشة.
زواج علي من فاطمة
رسم تُركي عُثماني لرسول الله وهو يُزوّج ابنته فاطمة بابن عمّه عليّ، وقد غُطي وجه النبي وفاطمة الزهراء باللون الأبيض احترامًا لهما.
يروى أن أم سلمة كانت موجودة أثناء زواج علي بن أبي طالب من فاطمة الزهراء، وورد أن زفاف فاطمة كان في حجرة أم سلمة، فقد جاء في «الأمالي» للشيخ الطوسي ما نصه: «فَالْتَفَتَ إِلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: مَنْ هَاهُنَا فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: أَنَا أُمُّ سَلَمَةَ، وَهَذِهِ زَيْنَبُ، وَهَذِهِ فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): هَيِّئُوا لِابْنَتِي وَابْنِ عَمِّي فِي حُجَرِي بَيْتًا. فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فِي أَيِّ حُجْرَةٍ يَارَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فِي حُجْرَتِكِ. وَأَمَرَ نِسَاءَهُ أَنْ يُزَيِّنَّ وَيُصْلِحْنَ مِنْ شَأْنِهَا». وورد في كتاب «تفسير فرات الكوفي» رواية عن علي بن أبي طالب وفيها: «قَالَ فَأَتَيْتُهُ مُسْرِعًا فَإِذَا هُوَ فِي حُجْرَةِ أُمِّ سَلَمَةَ فَلَمَّا نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) تَهَلَّلَ وَجْهُهُ وَتَبَسَّمَ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى أَسْنَانِهِ تُبْرِقُ، فَقَالَ: أَبْشِرْ يَاعَلِيُّ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَانِي مَا كَانَ قَدْ أَهَمَّنِي مِنْ أَمْرِ تَزْوِيجِكَ».
ويذكر أيضًا أنّ أم سلمة كانت من اللاتي قمن بتجهيز فاطمة للعرس، فقد روى ابن ماجه في «سننه» عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ قَالَتَا: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نُجَهِّزَ فَاطِمَةَ حَتَّى نُدْخِلَهَا عَلَى عَلِيٍّ، فَعَمَدْنَا إِلَى الْبَيْتِ، فَفَرَشْنَاهُ تُرَابًا لَيِّنًا مِنْ أَعْرَاضِ الْبَطْحَاءِ، ثُمَّ حَشَوْنَا مِرْفَقَتَيْنِ لِيفًا، فَنَفَشْنَاهُ بِأَيْدِينَا، ثُمَّ أَطْعَمْنَا تَمْرًا وَزَبِيبًا، وَسَقَيْنَا مَاءً عَذْبًا، وَعَمَدْنَا إِلَى عُودٍ، فَعَرَضْنَاهُ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ، لِيُلْقَى عَلَيْهِ الثَّوْبُ، وَيُعَلَّقَ عَلَيْهِ السِّقَاءُ، فَمَا رَأَيْنَا عُرْسًا أَحْسَنَ مِنْ عُرْسِ فَاطِمَةَ»، وقد شكك بعضهم في حضور أم سلمة الزواج، وذكر المشككون أن أم سلمة لم تكن زوجًا لرسول الله في ذلك الحين.
في الغزوات والمشاهد
غزوة أحد
المقالة الرئيسة: غزوة أحد
يُذّكر أنّ الصحابي شماس بن عثمان المخزومي قد حُمِلَ من أَحُدٍ إلى المدينةِ المنّورة، وكان بِهِ رَمَقٌ، فأدخلَ على عائشة، فقالت أم سلمة: «ابْنُ عَمّي يُدْخَلُ عَلَى غَيْرِي!»، فقال رسول الله: «احْمِلُوهُ إلَى أُمّ سَلَمَةَ»، فَحُمِلَ إليها فمات عندها، فأمر رسول الله أن يرد إلى أحد، فدفن هناك كما هو في ثيابه التي مات فيها، وكان قد مكث يومًا وليلة، ولكنه لم يذق شيئًا، ولم يصل عليه رسول الله ولم يغسله [كما هو الحال مع الشهداء]. وكانت أم سلمة تذهب إلى قبور شهداء أحد فتسلم عليهم في كل شهر فتظل يومها.
غزوة الخندق
المقالة الرئيسة: غزوة الخندق
شهدت أم سلمة غزوة الخندق، وعنها أنّها قالت: «مَا نَسِيتُ قَوْلَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يُعَاطِيهِمُ اللَّبَنَ قَدِ اغْبَرَّ شَعْرُ صَدْرِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِ الْخَيْرَ خَيْرُ الْآخِرَهْ … فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ». كما روى الواقدي في «المغازي» عدة روايات تفصيلية عن أم سلمة تتحدث فيها عما عمله المسلمون خلال الغزوة.
غزوة بني المصطلق
المقالة الرئيسة: غزوة بني المصطلق
قيل أنّها شاركت في غزوة بني المصطلق، فقد جاء في إحدى الروايات أن رسول الله أقرع بين نسائه، فأصابت القرعة أم سلمة وعائشة، فخرج بهما معه إلى الغزوة، كما جاء من ضمن أحداث الغزوة أن رسول الله خرج من المدينة حتى انتهى إِلَى الْمُرَيْسِيعِ، وهو مكان الماء، فضرب عليه قبته، ومعه عائشة وأم سلمة.
يوم الحديبية
المقالة الرئيسة: صلح الحديبية
شهدت أم سلمة صلح الحديبية، وفيه رُوي أنّ النبي قال لأصحابه بعدما أُقر الصلح: «قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا»، فتباطأ الصحابة، فقد كان في نفوسهم شيءٌ عن بنود الصلح، فحزن النبي ودخل على أم سلمة وكانت معه في تلك العُمرة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت له: «يانبي الله أتحبُّ ذلك؟ اخرج ثم لاتكلِّم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك وتدعو حالقك فيحلقك»، فخرج فلم يكلِّم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ فنحر وحلق، فلمَّا رأَى أصحابه ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا. قال ابن حجر العسقلاني: «وإشارتها على النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبيّة تدلّ على وفور عقلها وصواب رأيها».
غزوة خيبر
المقالة الرئيسة: غزوة خيبر
شهدت أم سلمة غَزْوَة خَيْبَرَ سنة 7 هـ، وذكرت أنها «سَمِعْتُ وَقْعَ السَّيْفِ فِي أَسْنَانِ مَرْحَبٍ». وأطعمَ رسول الله أمّ سلمة بخيبر ثمانين وسقًا تمرًا، وعشرين وسقًا شعيرًا، أو قمحًا.
كما ورد أن أمَ سنانٍ الأسلميةَ كانت مع أم سلمة في الغزوة، فقد رُوي أن أم سنان أتت النبي عندما أراد التوجّه إلى خيبر وقالت له: «يَارَسُولَ اللَّهِ أَخْرُجُ مَعَكَ فِي وَجْهِكَ هَذَا أَخْرُزُ السِّقَاءَ وَأُدَاوِي الْمَرِيضَ وَالْجَرِيحَ إِنْ كَانَتْ جِرَاحٌ وَلا تَكُونُ وَأَبْصُرُ الرَّحْلَ»، فقال لها النبي: «اخْرُجِي عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَإِنَّ لَكِ صَوَاحِبَ قَدْ كَلَّمْنَنِي وَأَذِنْتُ لَهُنَّ مِنْ قَوْمَكِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ فَإِنْ شِئْتِ فَمَعَ قَوْمِكِ وَإِنْ شِئْتِ فَمَعَنَا»، فقالت: «مَعَكَ»، قَالَ: «فَكُونِي مَعَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَتِي». قَالَتْ: «فَكُنْتُ مَعَهَا».
فتح مكة
المقالة الرئيسة: فتح مكة
كانت أم سلمة مع رسول الله يوم فتح مكة، وروي أنّ أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وأخاها عبد الله بن أبي أمية لقيا النبي بنِيقِ العُقَاب فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول، فمنعهما، فَكَلَّمته أُم سلمة فيهما؛ فقالت: «يارسول الله، ابن عمك وابن عمتك وصهرك»، قال: « لَا حَاجَةَ لِي بِهِمَا، أَمَا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الّذي قَالَ لي بِمَكَّةَ مَا قَالَ»، ثم أَذن لهما فدخلا عليه، فأَسلما وحسن إِسلامهما. وذكر أيضًا أنّ أبا رافع ضَرَبَ للنبي قُبّةً بِالْحَجُونِ مِنْ أَدَمٍ، فَأَقْبَلَ النبي حَتّى انْتَهَى إلى القبّة، ومعه أم سلمة وميمونة.
غزوة الطائف
المقالة الرئيسة: غزوة الطائف
لما خرج النبي إلى غزوة الطائف كانت معه من أمهات المؤمنين اثنتان، إحداهما أم سلمة، وذكر الواقدي أنّ الأخرى زينب بنت جحش، فضُرب لهما قبتين، وصلى النبي بين القبتين. وروى البخاري وغيره أن النبي دخل على أم سلمة، وعندها أخوها عبد الله بن أبي أمية، ورجلٌ مخنث، فسمع المخنث يقول: «ياعَبْدَ اللَّهِ، أرَأَيْتَ إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا، فَعَلَيْكَ بابْنَةِ غَيْلَانَ؛ فإنَّهَا تُقْبِلُ بأَرْبَعٍ، وتُدْبِرُ بثَمَانٍ»، فنهى رسول الله بقوله: «لايَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُنَّ»، وفي رِوايةٍ: وهو محاصر الطائف يومئذٍ.
ويقول العالم الشيعي جعفر مرتضى العاملي حول هذه الرواية: «وبعد، فإن كان لهذه القضية أصل، فهو: أن هذا المخنث ربما يكون قد دخل مع عبد الله بن أبي أمية إلى بيت أم سلمة، وبقيت هي في خدرها، دون أن يراها أو تراه، حيث بقي مع أخيها في خارجه، فسمعته يقول لأخيها ذلك القول، وسمعه النبي «صلى الله عليه وآله»، فمنعه من الدخول مطلقًا .. ولم يكن هناك شيء أكثر من ذلك، ولا صحة لما تدعيه الروايات: من أن ذلك المخنث كان يدخل على أزواج النبي «صلى الله عليه وآله»، وأنهم كانوا يعدونه من غير أولي الإربة وما إلى ذلك من ترهات وأباطيل ..».
غزوة تبوك
المقالة الرئيسة: غزوة تبوك
روى الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن سعيد، عن عرباض بن سارية قال: «كنت ألزم باب رسول الله ﷺ في الحضر والسفر، فرأيتنا ليلة ونحن بتبوك وذهبنا لحاجةٍ، فرجعنا إلى منزل رسول الله ﷺ وقد تعشى ومن عنده من أضيافه، ورسول الله ﷺ يريد أن يدخل في قبته ومعه زوجته أم سلمة بنت أبي أمية….».
في حجة الوداع
المقالة الرئيسة: حجة الوداع
حج النبي بجميع نسائه في حجة الوداع، وقد جاء عن جمرة بنت قحافة أنها قالت: «كُنْتُ مَعَ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: “يَاأُمَّتَاهُ هَلْ بَلَّغْتُكُمْ؟”. فَقَالَ بُنَيٌّ [أي ابنٌ صغير] لَهَا: يَاأُمَّهُ مَا لَهُ يَدْعُو أُمَّهُ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ [أي جمرة]: إِنَّمَا يَعْنِي أُمَّتَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: “أَلَا إِنَّ أَعْرَاضَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَدِمَاءَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا».
وفاة النبي
المسجد النبوي حيث دفن النبي.
كان لأم سلمة دور بارز خلال مرض النبي، وتذكر مصادر أهل السنة والجماعة أن النبي لما مرض مرضه الأخير، كانت رغبته أن يُمرّض في بيت عائشة، فأذنت له زوجاته، وفي الموطأ أن أم سلمة كانت تقول: «مَا صَدَّقْتُ بِمَوْتِ النَّبِيِّ ﷺ حَتَّى سَمِعْتُ وَقْعَ الْكَرَازِينِ»، كما روي عن أم سلمة قالت: «وَضَعْتُ يَدِي عَلَى صَدَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ مات فمرت لي جُمَعٌ آكُلُ وَأَتَوَضَّأُ وَمَايَذْهَبُ رِيحُ الْمِسْكِ مِنْ يَدِي».
جاء في «مسند أبي يعلى الموصلي» عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ كَانَ عَلِيٌّ لَأَقْرَبُ النَّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ قُبِضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَدَاةً بَعْدَ غَدَاةٍ يَقُولُ: «جَاءَ عَلِيٌّ؟» مِرَارًا. قَالَتْ: وَأَظُنُّهُ كَانَ بَعَثَهُ فِي حَاجَةٍ، قَالَت: فَجَاءَ بَعْدُ، فَظَنَنَّا أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ حَاجَةً، فَخَرَجْنَا مِنَ الْبَيْتِ، فَقَعَدْنَا عِنْدَ الْبَابِ، فَكُنْتُ مِنْ أَدْنَاهُمْ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ عَلِيٌّ فَجَعَلَ يُسَارُّهُ وَيُنَاجِيهِ، ثُمَّ قُبِضَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ»، والحديث رواه أحمد وابن أبي شيبة والحاكم النيسابوري وغيرهم، وصحح البعض هذا الحديث وحسنه آخرون، وذهب البعض إلى أن الحديث ضعيف، وضعفه الألباني.
وورد في مصادر الشيعة، مثل كتاب «الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد» للشيخ المفيد وغيره رواية وفيها: «… فلمّا كان من الغَد حُجِب الناسُ عنه وثَقلَ في مرضه، وكان أميرُ المؤمنين لا يُفارِقه إلاّ لضرورةٍ، فقام في بعض شؤونه، فأفاق عليه السلام إفاقةً فافتقد عليًا عليه السلام فقال -وأزواجُه حولَه-: «اُدعوا لي أخي وصاحبي» وعاوده الضعفُ فأُصْمِتَ، فقالت عائشة: اُدعوا له أبا بكرٍ، فدُعِيَ فدَخَلَ عليه فقَعَدَ عند رأسه، فلمّا فَتَح عينهَ نظَرَ إليه وأعْرَض عنه بوجَهه، فقام أبو بكرٍ وقال: لو كان له إليَ حاجةٌ لأفْضى بها إلي. فلمّا خرج أعادَ رسول اللّه صلى الله عليه وآله القولَ ثانيةً وقال: «اُدعوا لي أخي وصاحبي» فقالت حَفْصَة: اُدعوا له عُمر، فدُعِي فلما حَضَر رآه النبي عليه السلام فأعْرضَ عنه فانصرف. ثمّ قال: «اُدعوا لي أخي وصاحبي» فقالت أُمُّ سلمة رضي الله عنها: اُدعوا له عليًا فإنّه لا يُريد غيرهَ، فدُعِيَ أميرُ المؤمنين …»، كما يُذكر أن النبي دخل على أم سلمة في آخر حياته، فرأته على غير حاله، فقد جاء في كتاب «الأمالي» للشيخ الصدوق وغيره في إحدى الرويات ما نصه «… ثم قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل بيت أم سلمة، وهو يقول: رب سلم أمة محمد من النار، ويسر عليهم الحساب. فقالت أم سلمة: يارسول الله، ما لي أراك مغمومًا متغيّرَ اللون! فقال: نُعيت إليَّ نفسي هذه الساعة، فسلام لك مني في الدنيا، فلاتسمعين بعد هذا اليوم صوت محمد أبدا. فقالت أم سلمة: واحزناه حزنًا لاتدركه الندامة عليك يامحمداه. ثم قال (صلى الله عليه وآله): ادعي لي حبيبة قلبي، وقرة عيني فاطمة تجئ. فجاءت فاطمة (عليها السلام) وهي تقول: نفسي لنفسك الفداء، ووجهي لوجهك الوقاء ياأبتاه …».
حياتها بعد وفاة النبي
روايتها للحديث النبوي
لجأ الكثيرون إليها لسماع الحديث والتفقه في الدين لعلمها بأحكام الشريعة، فقد سمعت أم سلمة من النبي وابنته فاطمة، كما روت عن زوجها الأو



