رمانة الميزان

 

بقلم د.شيرين العدوى

أمر فى شوارع مصر فى الصباح، تتنفس السعى للقمة العيش؛ يلهج القلب بالدعاء، اللهم احفظ عبادك بعبادك. ووفق ولاة الأمر فلا تظلم بعوضة فى فلكك. يقول المؤرخ ابن خلدون:” أيُّها المَلِك إن المُلْكَ لا يتمُّ عزُّه إلا بالشريعة، والقيامِ لله بطاعته، والتصرفِ تحت أمره ونهيه، ولا قوامَ للشريعةِ إلا بالمَلك، ولا عزَّ للمَلك إلا بالرجالِ، ولا قوامَ للرجال إلا بالمالِ، ولا سبيلَ للمال إلا بالعمارة، ولا سبيلَ للعمارة إلا بالعدل. والعدل الميزان المنصوب بين الخليقة. نصبَهُ الربُّ وجعلَ له قَيّما المَلِك”.

شهدت مصر خلال الأسبوعين الماضيين استعراضا عميقا لرمانة ميزان العدل؛ الرئيس السيسى، بدا كربان بارع يقود مجداف المشهد السياسى والاقتصادى بدقة متناهية. هذه الفترة كانت مثالا صارخا للمفارقة المزدوجة التى تقوم على إدارة النزاهة الداخلية من خلال الضبط، وتحويل الضرورة الإقليمية إلى نفوذ دولى لاغنى عنه؛ هكذا شهدت السياسة المصرية مسرحا بالغ الأهمية تجلت فيه ازدواجية الخطاب، بين الحاجة إلى الضبط الداخلى، والإصرار على تكريس الدور المحورى فى الإقليم، استخدم فيها السيد الرئيس كل حدث كرافعة لتأكيد شرعية الحكم القائمة على ركيزتى: الاستقرار، والتحصين الاستراتيجى.

وكانت الانتخابات البرلمانية النقطة الأشد توهجا فى الأجندة، خاصة بعد الانتهاء من المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب، فبينما كانت هناك بعض التجاوزات جاء التدخل الرئاسى حازما ليضيف بعدا جديدا؛ حيث خرج الرئيس ببيان يطالب فيه ” الهيئة الوطنية للانتخابات” بالتدقيق فى المخالفات التى شابت بعض الدوائر الفردية؛ بل والمطالبة بإلغاء نتائجها إذا لزم الأمر. وعلقت الصحف العالمية على ذلك وبعض المنظمات الحقوقية مثل (Humen Rights Watch) وغيرها. ولكن ما فعله الرئيس أعاد الميزان لوضعه. وهذا أملنا فيه، فقد حمى الرئيس المجلس القادم من الطعن فى نزاهته.

وقدّم توازنا دقيقا يهدف إلى تأمين الهيكل التشريعى المطلوب؛ مع تقديم إجابة مسبقة لأى مساءلة داخلية يتبناها الرأى العام المحلى أو الدولي. ولم يقتصر دور الرئيس على الداخل فقط، بل أكد موقع مصر الإقليمى والدولى كضمان للاستقرار، وقد برز ذلك فى جهوده المستمرة المتعلقة بالدور المصرى لتهدئة الأوضاع فى غزة وحل الدولتين مع كل الاختراقات المستمرة من الجانب الإسرائيلي. فنزاهة موقفه تجاه هذه القضية يضفى عليه شرعية مؤيدة لقراراته، ويؤكد مصداقيته أمام شعبه والشعب الفلسطينى، والمجتمع الدولي.

وعلى الجانب الآخر تزامنت الانتخابات وهذه الأحداث مع استقطاب الاستثمارات الأجنبية خاصة مع دول الخليج (GCC)، والتحضير لمفاوضات مراجعات صندوق النقد الدولى (IMF)، بخطوات تؤكد أن مسار الإصلاح الاقتصادى الذى مضى فيه من سنوات – وإن كان (قاسيا)- لكنه كان الطريق الوحيد الأمثل لتأمين استقرار الدولة على المدى الطويل. إنه بحق رمانة الميزان.
المصدر : مؤسسة الأهرام المصرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى