بين بوتين وشي وترامب.. مودي يكافح لإثبات نفوذ الهند العالمي

فبين ضغوط أمريكية مباشرة، وتحركات صينية استفزازية على الحدود، وتصعيد عسكري مع باكستان، بدأت قدرة نيودلهي على المناورة التضييق بشكل ملحوظ.
وفي تقرير موسع، كشفت «فورين بوليسي»، كيف تحولت الهند من لاعب يسعى لتوسيع نفوذه الدولي إلى دولة منشغلة بإطفاء حرائق جيوسياسية متلاحقة تهدد موقعها كقوة صاعدة في آسيا.
ويطرح هذا الواقع سؤالًا بشأن «هل ما زال مفهوم الاستقلال الاستراتيجي كافيًا لحماية نفوذ الهند؟».
زيارات متزامنة لبوتين وشي وترامب.. اختبار حقيقي لنفوذ الهند
أشارت «فورين بوليسي» إلى أن الهند تستعد لاستقبال ثلاثة من أهم قادة العالم، وهم: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ديسمبر، والرئيس الصيني شي جين بينج خلال قمة بريكس المقبلة، وربما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إذا أعيد جدولة اجتماع الحوار الأمني الرباعي.
ورغم أن هذه اللقاءات تعكس تمسك نيودلهي باستراتيجيتها القائمة على موازنة العلاقات مع القوى الكبرى، فإنها تطرح في الوقت نفسه تساؤلات حول مدى قدرة الهند على الحفاظ على هذا التوازن وسط اشتداد التنافس العالمي.
ورغم أن هذا الحراك الدبلوماسي يوحي بثقة هندية في منهج “الاستقلال الاستراتيجي”، إلا أن القراءة الخارجية – كما تقول المجلة – ترى الأمر أقرب إلى عزلة متنامية لا إلى استقلال.
رسوم ترامب الجمركية.. إشارة لتراجع الوزن الاستراتيجي للهند
قالت المجلة الأمريكية، إن السياسة المتوازنة للهند فُسِّرت دوليًا في الأشهر الأخيرة على أنها موقف “منعزل”، خاصة بعد قرار إدارة ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الهند بسبب التوازن التجاري واستيراد النفط الروسي.
ويُلاحَظ أن دولًا أخرى لديها فائض تجاري أكبر مع واشنطن، مثل الصين واليابان، لم تُستهدف بالقدر نفسه، وهو ما تراه نيودلهي مؤشرًا على أنها ليست «مهمة بما يكفي» في الحسابات الاستراتيجية الأمريكية.
ويبرز من هذه الأزمة درس مهم، وهو: على الهند الانتقال من استقلالية “سلبية” إلى استقلالية “استباقية”.
عام 2025.. الأصعب في السياسة الخارجية منذ تولي مودي الحكم
تصف مجلة «فورين بوليسي»، عام 2025 بأنه الأسوأ لمودي خارجيًا منذ 2014، فقد أدّى هجوم مسلح في كشمير إلى اندلاع صراع مسلح قصير بين الهند وباكستان استمر أربعة أيام، لكنه كان الأكثر خطورة منذ عقود.
وسرعان ما تحول هذا التصعيد إلى أزمة دبلوماسية مع واشنطن، بعدما تبنى ترامب رواية أنه “أنهى الحرب” بين البلدين، وهي رواية رفضتها نيودلهي، بينما تبنتها إسلام آباد بكل حماس.
وازداد التوتر بعدما استقبل البيت الأبيض قائد الجيش الباكستاني مرتين، وهو مؤشر لم يمر مرور الكرام في الهند.
ورغم اتصال هاتفي بين مودي وترامب في يونيو، رفض مودي اقتراح عقد لقاء ثلاثي في واشنطن يضمّه مع قائد الجيش الباكستاني، التزامًا بالرفض الهندي التقليدي لأي وساطة أمريكية في قضية كشمير.
مفاوضات تجارية متعثرة.. واتهامات ترامب للهند تزيد التوتر
تدهورت العلاقات الاقتصادية بين البلدين عندما فشلت نيودلهي وواشنطن في توقيع اتفاق تجاري قبل أغسطس، ما دفع ترامب لفرض أعلى رسوم جمركية على السلع الهندية.
ولم تتوقف الإهانات عند هذا الحد؛ إذ وصف ترامب الاقتصاد الهندي بأنه “ميت”، وأكد مستشاره بيتر نافارو أن الهند تحولت إلى “مغسلة للكرملين”، وهي تصريحات عمّقت أزمة الثقة بين البلدين.
ورغم مؤشرات تهدئة في الأسابيع الأخيرة، إلا أن التفاؤل الذي ميّز نيودلهي تجاه إدارة ترامب الثانية قد تلاشى، وانكسرت السردية التي كانت تقول إن “مودي وترامب تجمعهما علاقة شخصية خاصة”.
الاستقلال الاستراتيجي.. «نعمة ونقمة في وقت واحد»
ترى المجلة، أن سياسة الهند متعددة التوجهات منحتها مرونة ملحوظة، خاصة بعد توتر العلاقات مع الصين عقب اشتباكات عام 2020، حيث تعمق التعاون مع الولايات المتحدة، خصوصًا داخل إطار “التحالف الرباعي”.
إلا أن هذه المرونة تحولت إلى هشاشة عندما طُلب من الهند اتخاذ مواقف واضحة بشأن الطاقة الروسية، إذ فرضت إدارة ترامب رسومًا ثانوية للضغط على موسكو، لتجد نيودلهي نفسها في اختبار صعب بين شريك دفاعي روسي وشريك اقتصادي أمريكي.
خلفية تاريخية.. من عدم الانحياز للاستقلال الاستراتيجي
تعود جذور فكرة الاستقلال الاستراتيجي إلى عقيدة عدم الانحياز التي تبناها جواهر لال نهرو (أحد مؤسسي الهند الحديثة أبرز زعماء حركة الاستقلال في الهند ورئيس وزراء الهند الأول)
بعد الاستقلال، حفاظًا على حرية القرار الهندي وعدم الانجرار لأحلاف القوى العظمى.
لكن التجربة التاريخية أثبتت أن هذا النهج لا يصمد دائمًا في لحظات الخطر الوجودي، كما حدث في 1962 أثناء الحرب مع الصين، و1971 عندما اضطرت الهند للتحالف مع الاتحاد السوفيتي قبل حرب باكستان.
وبعد الحرب الباردة، اضطرت الهند لإعادة صياغة سياستها الخارجية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، لكنها تمسكت بقدر كبير من التعددية والانفتاح على الجميع.
وتقول المجلة، إن التدهور الأخير مع الولايات المتحدة أبرز حاجة الهند لقدر أكبر من “الاستقلالية الاستباقية”، أي أن تكون لاعبًا يؤثر في الأحداث.
إعادة تعريف الدور الهندي في نظام عالمي مضطرب
أشارت «فورين بوليسي»، إلى أن الهند مطالبة اليوم بإعادة صياغة مفهوم “الاستقلال الاستراتيجي”، ليس كوسيلة للهروب من الاصطفاف، ولكن كأداة لصنع نفوذ حقيقي.
فيما أكد التقرير على أن غياب القيادة الأمريكية في عهد ترامب داخل منصّات كـ COP30 ومجموعة العشرين خلق فراغًا يمكن للهند شغله إذا أرادت..


