تصنيف إدارة ترامب لجماعة الإخوان المسلمين منظمات إرهابية: قراءة في التحولات والمضامين والدلالات

بقلم مونيكا وليم
شهدت السياسة الأمريكية تجاه جماعة الإخوان المسلمين مساراً متقلباً اتسم بالتأرجح بين التوظيف السياسي والتوجس الأمني.
فمنذ سبعينيات القرن الماضي، تعاملت واشنطن مع بعض حركات الإسلام السياسي باعتبارها أدوات محتملة في سياق الحرب الباردة وضبط التوازنات الإقليمية.
ثم اتجهت بعد ذلك إلى مراجعة هذا التصور، ولكن دون أن تحسم موقفها بشكل نهائي.
وعليه ظلّ النهج الأمريكي متذبذباً بين اعتبار الجماعة مكوّناً اجتماعياً يمكن احتواؤه عبر الحوار، وبين النظر إلى بعض فروعها كامتداد لشبكات أيديولوجية تتقاطع مع التطرف.
ومع وصول إدارة الرئيس دونالد ترامب، تبدل الاتجاه من المراوحة إلى الحسم، في خطوة جسدت تحولاً استراتيجياً في فهم الولايات المتحدة لطبيعة التهديدات المرتبطة بالحركات العابرة للحدود.
جاء القرار التنفيذي الذي وقعه ترامب لتصنيف بعض فروع جماعة الإخوان المسلمين كـ”منظمات إرهابية أجنبية” نتيجة قناعة أمنية–سياسية بأن الجماعة تطورت من حركة محلية إلى شبكة عابرة للحدود، تستند إلى هياكل مالية وإعلامية وتنظيمية تتجاوز حدود الدول وتؤثر مباشرة على مصالح واشنطن. وقد استند القرار إلى عدد من التشريعات والأوامر الرئاسية، أبرزها قانون الهجرة والجنسية، وقانون الطوارئ الاقتصادية الدولية، والأمر التنفيذي 13224 المتعلق بحظر ممتلكات المنخرطين في الإرهاب. هذا الأساس القانوني المتعدد يجسد رغبة الإدارة في صياغة إطار متين يصعب الطعن فيه ويسمح بتطبيق واسع وفعّال.
اعتمدت آلية التنفيذ على مسار مؤسسي، يقوم على إعداد تقرير مشترك من وزيرَي الخارجية والخزانة، بالتنسيق مع النائب العام ومدير الاستخبارات الوطنية، خلال 30 يوماً من صدور القرار. ويتضمن التقرير تحديد الفروع أو الأقسام الفرعية للجماعة في مصر والأردن ولبنان، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات المناسبة خلال 45 يوماً. هذه الآلية المتدرجة تعكس محاولة لتجنب الأخطاء التي وقعت فيها الإدارات السابقة، حين اصطدمت بتعقيدات تصنيف الجماعة كوحدة واحدة، وتوفيق المقاربة بين الاعتبارات السياسية والقانونية والأمنية.
تترتب على القرار آثار واسعة، تشمل نزع الشرعية القانونية عن أي دعم يقدم لهذه الفروع، وتجميد أصولها داخل الولايات المتحدة أو تلك المرتبطة بمؤسسات مالية أمريكية، ومنع أعضائها من دخول الأراضي الأمريكية، وملاحقة أي أفراد يُشتبه في تقديمهم دعماً مادياً لها. كما يتيح القرار توسيع نطاق العمل الاستخباراتي والعسكري لتعقب الشبكات المالية والتنظيمية التي تُعد العمود الفقري لعمل فروع الإخوان في الخارج، خصوصاً تلك التي اتخذت من الأراضي الأمريكية أو الأسواق الغربية مساحات لنشاطها.
وجاءت صحيفة الوقائع المرافقة للأمر التنفيذي لتقدّم سرداً رسمياً للتطورات التي دفعت واشنطن لاتخاذ هذا القرار، مؤكدة أنّ الجماعة تحوّلت إلى شبكة عابرة للحدود تمتلك فروعاً مؤثرة في الشرق الأوسط وخارجه، وأن عدة فروع—خاصة في مصر والأردن ولبنان—انخرطت في أعمال عنف أو وفّرت بيئات حاضنة لها، ما تسبب في زعزعة الاستقرار الإقليمي وتهديد مصالح الولايات المتحدة.
سياسياً، يعكس القرار انقطاعاً حاداً مع نهج أمريكي استمر لعقود، كان يتعامل مع “الجماعات العابرة للحدود ” باعتبارها أحياناً وسيطاً سياسياً أو قوة اجتماعية يمكن تطويعها. ويكشف أيضاً عن تحول غير مسبوق في الرؤية الاستراتيجية الأمريكية تجاه الحركات الأيديولوجية المنظمة، إذ استطاعت إدارة ترامب تجاوز العقبات القانونية والسياسية التي أعاقت الإدارات السابقة، خاصة تلك المتعلقة بصعوبة تصنيف الجماعة ككيان موحد. كما يعكس نمو الإدراك الأمريكي بخطورة تمدد الجماعة في المجتمعات، عبر منظومات إعلامية ومالية واسعة قادرة على التأثير في الرأي العام والسياسات الداخلية للدول.
أما على المستوى التنفيذي، فقد تبنّت الإدارة خياراً عملياً من خلال استهداف الفروع الأكثر انخراطاً في العنف بدلاً من محاولة تصنيف الجماعة ككتلة واحدة. هذا النهج يضمن صلابة القرار أمام المراجعات القضائية ويعزل العملية عن نقاط الضعف التي أطاحت بمحاولات سابقة. كما يسمح بوجود تسلسل منضبط في تنفيذ الإجراءات، ويمنع جرّ الكيانات التي تمارس نشاطاً سياسياً سلمياً إلى دائرة الاتهام، الأمر الذي يحصّن القرار من الانتقادات القانونية والسياسية.
ورغم هذه المزايا، لا تخلو العملية من تحديات محتملة. فالجماعة تمتلك خبرة طويلة في التمويه وإخفاء شبكاتها المالية والتنظيمية، ما يتطلب جهداً استخباراتياً مستمراً لملاحقة نشاطها. كما يظل القرار عرضة للتجاذب الحزبي، إذ يمكن لأي إدارة ديمقراطية لاحقة أن تتراجع عنه أو تعيد تقييمه وفق حساباتها السياسية. إضافة إلى ذلك، يبقى على الإدارة الأمريكية إثبات متانة الأساس القانوني للتصنيف أمام أي طعون محتملة أمام القضاء، وهو أمر يتطلب دقة في الفصل بين الفروع المتورطة في العنف والكيانات السياسية غير المسلحة.
ختاما، يكشف قرار إدارة ترامب عن تحول عميق في فلسفة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الحركات الأيديولوجية، وعن رغبة واضحة في بناء إطار قانوني وتنفيذي للتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين لا يقوم على التصورات العامة، بل على استهداف دقيق للفروع المتورطة في العنف. ويمثل القرار خطوة فارقة تحمل مضامين سياسية وأمنية تعيد رسم حدود التفاعل الأمريكي مع الجماعة، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المواجهة القانونية والتنظيمية، في ظل عالم يشهد صعوداً متزايداً للحركات العابرة للحدود، وتزايد الحاجة إلى أدوات أكثر فعالية لضبط تأثيرها.



