السفير اسماعيل ابو زيد يكتب: أثيوبيا والإخوان المسلمون في البيت الأبيض

اثيوبيا والاخوان حالتان متشابهتان.. وكلاهما لعب دورا مرسوما بإحكام كشاغل عنيد لمصر في مسيرتها نحو الاستقرار والتنمية.
ومن المعروف، أن لا شيء في هذا العالم يحدث بمحض الصدفة ولا ترتيبا على أحداث طارئة فرضتها ظروف خاصة ، فكل شيء مهما كان صغيرا له عند صانعي القرار الدوليين أسبابه ودوافعه .. وصانعو القرار في غرف العولمة المظلمة لهم رؤى ومناهج عمل لا تدخل ضمن قواعد البحث السياسي والإستراتيجي المتعارف عليها من حيث المبدأ وتوقيت الحدث.
فمثلا أمريكا بالأمس تعلن جديا أنها بصدد إعتبار الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، وهذا من شأنه إرباك كل الجماعات المسلحة عبر العالم ووضعها في مأزق الإختيار بين الفرار إلى المجهول أو التسليم بالموت البطيء دون مقاومة .. ومن قبل ذلك لوحت أمريكا بأحقية مصر في إستخدام كل الوسائل الممكنة لردع أثيوبيا على تعنتها في إدارة وتشغيل سد النهضة الذي يضر بمصر ضررا وجوديا مباشرا.
ولنعد قليلا إلى الوراء لإستعراض أوجه التشابه بين الحالتين ( اثيوبيا والإخوان) ، فأثيوبيا كانت تحلم بمشروع السد منذ زمن الامبراطورية الإثيوبية لكن مناعة مصر وزعامتها الأفريقية حالت دون تحقيق هذا الحلم بالوعد أحيانا أو بالوعيد.
والاخوان لم يتخلوا عن حلمهم بالسلطة منذ نشأتهم على يد القابلة الانجليزية عام 1928…. لكنهم بدلا من خالص الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة التي تستروا خلفها منذ نشأتهم، خلطوا بين الدين والعنف والسياسية. . فلم يفلحوا في أي منها.
وانتظر الطرفان الفرصة بصبر يحسدان عليه حتى وقعت مصر في يناير 2011 ، فتحقق لهما الحلم في غمضة عين وفي غفلة من الشعب ..
وشاءت الأقدار أن يذهب الإخوان قبل أن يكملوا في السلطة عاما واحدا ليدفعوا ثمن الزهو والتعالي والعنف المنظم بالخروج من المشهد السياسي والإجتماعي خروجا مأساويا لا يحسدون عليه.
وأثيوبيا بعد إتمام سدها بدعم وتمويل من مصادر معظمها خارجية مشبوهة (ومنها دول عربية تعلم جيدا مدى خطورة هذا السد على مصر )، تمادت في نشوة النصر الزائف أملا في أن تخمد لهيب الصراع العرقي والطائفي الذي يهددها بحرب أهلية طاحنة.. وقد أسرفت في وعودها للسكان بالجنة المفقودة بعد إتمام السد وتشغيله .. لكنها ( لأسباب فنية وتشغيلية) لم تحصد غير الخيبة والحصرم. (معظم الشعب الأثيوبي يعيش حالة فقر مدقع والأرقام الطموحة لسد النهضة في مجالي الزراعة والطاقة لن تسد في أحسن الحالات سوى 3.8% من نسبة الفقر المحلي البالغ 44.2% ) .
وكان لابد من إلهاء الشعب الأثيوبي عن جنته المفقودة بفتح جبهة أخرى للصراع إنتقل من منطقة السد إلى القرن الأفريقى، إذ إكتشفت أثيوبيا ( فجأة) أنها دولة داخلية لا شواطئ لها. وكان لابد لمصر أيضا أن تؤكد وجودها في حلبة هذا الصراع بالردع الغاشم مهما كانت نتائجه .
ولم يلهها أو يحد من تغولها المحكم تدخل قوى خارجية تدفع في اتجاه هذا الصراع لصالح أثيوبيا سرا أو علنا كما حدث من قبل مع الإخوان بعد أحداث يناير 2011. .. والسبب عندهم ( أي عند بعض العرب وأعداء مصر التقليديين) هو الخوف من عودة الريادة المصرية كما كانت زمن المجد الناصري في أفريقيا والشرق الأوسط..
وهكذا يأتي القرار الأمريكي بشأن الإخوان وأثيوبيا في سياقه الواقعي، ضمن حسابات آنية لإعادة تشكيل الأدوار وشكل الصراع المرتقب في الشرق الأوسط ، تحصل فيه مصر على ما تستحقه الآن حتى إشعار آخر.



