الحَرْبُ الإِعْلَامِيَّةُ وَتَأْثِيرُهَا عَلَى الإِدْرَاكِ الشَّعْبِيِّ لِلْأَمْنِ القَوْمِيِّ فِي مِصْرَ

إعداد :د/شيماء المتعب

 

تُعدّ الحرب الإعلامية من أخطر أدوات الصراع في العصر الحديث، إذ لم تعد الحروب تقتصر على ساحات القتال أو المواجهات العسكرية التقليدية، بل امتدت إلى العقول والوعي الجمعي للشعوب. وفي مصر، ومع التغيرات المتلاحقة في المشهدين الإقليمي والدولي، أصبح الإعلام – التقليدي والرقمي – ساحة رئيسية تُستخدم فيها المعلومات والتوجيهات والتلاعب بالرأي العام بهدف التأثير على إدراك المواطنين لمفهوم الأمن القومي وقدرة الدولة على مواجهـة التحديات.

 

أولًا: مفهوم الحرب الإعلامية وخصائصها

 

الحرب الإعلامية هي استخدام منظّم ومدروس لأدوات الإعلام والاتصال بهدف تشكيل الوعي أو التأثير عليه أو توجيهه أو حتى تضليله لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو عسكرية.

وتتميّز بعدة خصائص أبرزها:

 

1. السرعة والانتشار: بفضل التطور الرقمي تنتقل الرسائل لحظيًا عبر ملايين المستخدمين.

2. التخفّي وصعوبة التتبع: كثير من حملات التضليل تُدار من جهات غير معلنة عبر حسابات مجهولة.

3. الاعتماد على العاطفة: إذ تُستخدم الصور والمقاطع القصيرة والعناوين المثيرة لخلق ردود فعل انفعالية.

 

4. دمج الحقيقة بالوهم: ما يجعل اكتشاف التضليل أصعب ويزيد من فاعلية التأثير.

 

ثانيًا: الأمن القومي المصري وأهمية الإدراك الشعبي

 

الأمن القومي في مصر ليس مسؤولية مؤسسات الدولة وحدها، بل يعتمد بشكل كبير على وعي المواطنين بحقائق التحديات التي تواجه الدولة، سواء كانت:

 

تهديدات خارجية (صراعات إقليمية، استهداف استقرار الدولة، محاولات الضغط السياسي أو الاقتصادي).

 

أو داخلية (الإرهاب، الشائعات، الحرب النفسية، محاولة ضرب الثقة بين المواطن ومؤسسات بلده).

 

كلما كان الإدراك الشعبي واعيًا وقائمًا على معلومات صحيحة، زادت قدرة الدولة على الحفاظ على تماسكها واستقرارها.

 

ثالثًا: أدوات الحرب الإعلامية الموجهة ضد مصر

 

تتعرض مصر – مثل أغلب الدول المستقرة – لمحاولات منظمة للتأثير على وعي مواطنيها عبر أدوات متعددة، أهمها:

 

1. الشائعات

 

وهي أخطر أدوات التأثير، لأنها تنتشر بسرعة وتستغل المشكلات الحياتية وتضخّمها.

مثل شائعات نقص السلع، أو انهيار اقتصادي، أو خلافات داخل الدولة، وهي شائعات تُبنى على جزء صغير من الحقيقة ثم يُضخّم ويُحرف.

 

2. صناعة الترند

 

بعض الجهات تُطلق موجات موجهة عبر مواقع التواصل، فتبدو كأنها رأي عام حقيقي بينما هي حملة مصطنعة.

وهذه الحملات تهدف إلى:

 

ضرب الروح المعنوية

 

إحداث حالة غضب

 

التشكيك في المؤسسات

 

3. الإعلام المُعادي الخارجي

 

قنوات أو منصات قد تعمل من خارج الحدود وتقدم محتوى يبدو مهنيًا لكنه موجّه بدقة ضد مصر، سواء عبر بث أخبار سلبية فقط، أو إعادة تدوير الأحداث الصغيرة بطريقة تضخيمية، أو استضافة شخصيات معادية للدولة.

 

4. المحتوى المُفبرك

 

صور ومقاطع فيديو تُقتطع من سياقها أو تُفبرك بالكامل لتوصيل رسالة كاذبة، مثل نشر فيديو قديم على أنه حدث جديد لإثارة الفوضى أو القلق.

 

رابعًا: تأثير الحرب الإعلامية على الإدراك الشعبي للأمن القومي

 

1. ضرب الثقة بين المواطن والدولة وهذا يعتبر من أهم الركائز

 

فعندما يتعرض المواطن لكمّ هائل من الأخبار السلبية أو المضللة، يحدث تشكك في جهود الدولة أو نواياها أو قدرتها على مواجهة الأزمات.

 

2. نشر الإحباط وفقدان الأمل

 

الإحباط الجماعي أحد أهداف الحرب النفسية، لأنه يجعل المواطنين أكثر قابلية لتصديق الأكاذيب وأقل مقاومة للشائعات.

 

3. صناعة الانقسام الداخلي

 

تشقّ الحرب الإعلامية الصف الداخلي عبر:

 

تأجيج الخلافات.

خلق صراعات بين فئات المجتمع

نشر خطاب الكراهية.

وهو ما يُعد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي.

4. تعطيل خطط التنمية

عندما يتأثر الرأي العام سلبًا، يصبح تنفيذ المشروعات والإصلاحات أصعب، لأن الحرب الإعلامية تخلق بيئة مشحونة بالقلق الدائم

 

خامسًا: دور الدولة في مواجهة الحرب الإعلامية

 

1. الشفافية وسرعة الرد

التصريحات الرسمية السريعة والواضحة من الجهات المعنية تُعد أداة فعّالة لإخماد الشائعات قبل انتشارها.

 

2. تعزيز الإعلام الوطني

الإعلام القوي القائم على المهنية والحقائق يحصّن المواطنين ضد التضليل.

 

3. الاستثمار في التوعية الرقمية

رفع وعي المواطنين بكيفية التحقق من الأخبار، واستخدام المصادر الموثوقة، وفهم أساليب التضليل.

 

4. بناء خطاب وطني جامع

الخطاب الذي يعزز الانتماء ويقوّي الثقة بين المواطن والدولة يقلل من تأثير أي حرب إعلامية.

 

سادسًا: دور المواطن في حماية الأمن القومي

المواطن هو الركيزة الأولى في معركة الوعي، ويقع على عاتقه:

 

عدم مشاركة الأخبار المجهولة المصدر.

التحقق قبل النشر.

عدم الانجراف وراء المحتوى التحريضي.

 

دعم الاستقرار وعدم تحويل الخلافات العادية إلى كوارث مجتمعية

وختاما إن الحرب الإعلامية ليست مجرد كلمات تُقال أو منشورات تنتشر، بل هي معركة وعي تستهدف العقل قبل الدولة.

وفي مصر، تزداد أهمية الوعي الشعبي بالأمن القومي مع ازدياد التحديات المحيطة.

فكل مواطن واعٍ يملك القدرة على التمييز بين الحقيقة والزيف، يساهم مباشرة في حماية وطنه، وتعزيز استقراره، ودعم مؤسساته في مواجهة حرب لا تقل خطورة عن الحروب التقليدية.

 

إن الانتصار في الحرب الإعلامية يبدأ من إدراك الشعب، ومن قوة الدولة في بناء إعلام مهني شفاف ومنظومة وعي قادرة على حماية العقول قبل الحدود .

نحن مجتمع يرمز للسلام فعلى من يحمل الرسالة أن يكون أهل لما أئتومن به وأن يدفعه للإمام لا أن يكون مصدر لتخلل هذا المجتمع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى