التقابل بين الخير والشر

 

بقلم د ليلي الهمامي

منذ يومين استفقت على زخات المطر على زجاج نافذتي وانا استعد الطريق الصنوبر كعادتي، استبشرت وهرولت نحو النافذة، فلدغتني صورة طفل صغير حافي القدمين يجر عربة محملة ببقايا البلاستيك والخبز اليابس… على بعد بضعة أمتار أرى جاري، محامي الأعمال البدين، وقد ارتدى ثيابه الشتوية الفاخرة يقبل زوجته ويستقل سيارته السوداء الفارهة. انتابني شعور غريب، حرك في نفسي ذلك السؤال الموجع؛ لماذا كل هذا البون ولماذا هذه الهوة بين عالمين في عالم واحد؟
ليس قولي تأسيس لشعبوية ما، لكنني أتسائل عن معنى أن يكون عالمنا محنطا بشخوص جامدة، شخوص الثروة والقوة والعنف والفقر والضعف والوهن…

لست شعبوية لكنني أتسائل عن معنى التعلم والعلم في مجتمعاتنا التي عُطّل فيها المصعد الاجتماعي… لست شعبوية لكنني أبحث عن معنى التفوق في مجتمعات حكمت على أبنائها ممن انحدروا من سلالات الفقر والفاقة أن يبقوا في خدمة أصحاب الجاه من الذين ورثوا كل الحظوظ والامتيازات دون وجاهة أو اقتدار… لست شعبوية لكنني كفرت برجال دين لم ينتجوا إلا فقه النفاق يقنعوننا بأن المال والبنون زينة حياة الدنيا وأن يشرّعوا بكل قسوة بأن “من لم يستطع منا الباءة فعليه الصيام”…

لست شعبوية لكنني لم أجد نبلا في أرستقراطياتنا ولم أجد تجديدا ولا فتحا في بورجوازياتنا وليست الانتليجنسيا عندنا إلا مجرد نسخ وتقليد لما خطه وقاله المستعمر الغربي وفي أقصى درجات الاجتهاد ملفقين لعناصر متنافرة ومبعثرة بين بقايا فقه الاسلامي التائه وشظايا حداثة غربية أخرجت عن سياقها…

التقابل بين الخير والشر، بين الغناء بين القبح والجمال، بين الوفرة والندرة..، مسائل طبيعية وهكذا خُطَّ تاريخ الانسانية منذ قابيل وهابيل، لكن الماساة عندي في اننا في مجتمعات تغتال الحلم لتؤبّد فقر الفقراء، ولتزين عسف الطغاة…
ما يزعجني ان يستمر الغني غنيا دون حق او جدارة…

عالمنا جامد كعالم الجديد “game of thrones” لا شيء يتحرك خارجه ما هو مرسوم ومحدد… دنيا ينعدم فيها الامل … ومع هذا تدفعني إرادتي إلى مجابهة العبث بالدعوة إلى مناطحة القدر كسيزيف.
يقيني ان كسر الواقع لن يكون الا بعنف الارادة … قد تكون الاقلية منبوذة، وهي حتما مهمشة، لكنها ستكون حتما مستقبل ما نريده أن يكون أُمةً. أفتّش في دماغ النخبة عن شيء يشبه ملامح سيزيف.
د. ليلى الهمامي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى