سلسلة أسماء الله الحسنى.. معنى اسم العدل

كتبت سوزان مرمر

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” ان لله تسعة وتسعون اسم مائة الا واحدة من احصاها دخل الجنة”

أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، اسمٌ من أسماء الله الحسنى، وصفةٌ من صفات الله العُلى، أمرنا اللهُ تعالى أن نتَّصِفَ بها؛ إنها: [صفةُ العــدل].

العــدلُ: من أوصاف الله الحسنى وصفاته التي وصف بها نفسه؛ فقد ثبت أنه قد وصف نفسَهُ سبحانه وتعالى بالعــدل؛ كما في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه، في شأن الذي اعترض على قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ((فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِل اللَّهُ وَرَسُولُهُ)).

وثبت أنه وصف كلامه بالعدل؛ كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ﴾ [الأنعام: 115]، قال ابن القيم رحمه الله: “والعدْلُ من أوصافهِ في فعلهِ ومقالِهِ والحكم في الميزانِ”. قال السعدي رحمه الله: “الحكم العدل: الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه، فلا يظلم مثقال ذرة”

والعدل: هو وَضْعُ الشَّيء في موضعه الذي أمَر الله تعالى أن يُوضع. وقالوا: استعمالُ الأمورِ في مَواضعِها، وأوقاتِها، ووُجوهِها، ومَقاديرِها، مِن غيرِ سَرَفٍ، ولا تقْصيرٍ، ولا تقْديمٍ، ولا تأخيرٍ.

الوقفة الثانية: مظاهر اسم الله تعالى العدل:

1- فإن العدلَ: هو مِيزانُ اللهِ تعالى في الأرضِ، به يُؤخَذُ للمظلومِ مِن الظَّالمِ؛ ولذا أمر الله تعالى به؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، وقال تعالى: ﴿ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58].

2- وأرسل الله تعالى رسله وأنزل معهم ميزان العدل؛ ليقوم الناس بالقسط، وما ذلك إلا لأهميته؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25].

3- وهو عدل في خلقه سبحانه وتعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 6 – 8]، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4].

فقد جعل كلَّ عضوٍ من أعضاء البدن في مكانه المناسب الذي يؤدي به وظيفته على خير ما يكون؛ ليس عضوٌ أكبرَ من الآخر؛ فمكان كل عضو مناسب للجسم، وفي موقع متوسط، وهكذا لو تمعَّنت في نفسك، وفي مخلوقات الله تعالى.

4- وهو عدل في تشريعه سبحانه وتعالى:

• أمرك أن تُصلي خمس مرات فقط؛ فلو كانت خمسين صلاة؛ لما أطقنا ذلك فالأمر معتدل!

• ولو أمرك أن تصوم ستة أشهر، لكان هذا شيئًا فوق طاقة البشر!

• ولا زكاة على من لا يملك نصابًا، وجعل الزكاة ربع العشر فقط، فالشريعة كلها عدل!

• ولا حجَّ على من لا يستطيعه ماديًّا أو صحيًّا، وجعله على المستطيع في العمر مرة واحدة؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، وقال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾ [الطلاق: 7].

5- ومن مظاهر عدل الله تعالى: العدل عند حساب الناس يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 40]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴾ [طه: 112]؛ قال السعدي رحمه الله: “الحكم العدل: الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه؛ فلا يظلم مثقال ذرة”.

 

 

 

6- ومن تمام عدل الله تعالى: ألا يعذب قومًا حتى يقيم عليهم الحجة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ [القصص: 59]، ولا يعذبهم ومنهم مصلحون: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾ [هود: 117]، ولا يعذبهم وهم يعتذرون ويستغفرون: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33].

 

 

 

7- ومن تمام عدل الله تعالى: أن الله تعالى لا يؤاخِذُ أحدًا بجريرة غيره ولا يُحمِّلُ أحدًا وزرَ غيره؛ قال الله تعالى: ﴿ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾ [النجم: 38 – 41]، وقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [غافر: 17]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام: 164].

 

 

 

وهذا من تمام عدله سبحانه تعالى؛ قال تعالى: ﴿ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15].

 

 

 

8- ومن تمام عدل الله تعالى: أنَّ حقوقَ النَّاسِ لا يعفو عنها اللهُ إلا أن يعفوَ عنها صاحبُها، وهذا من تمام كمال عدله سبحانه وتعالى، فإن المظالم بين الناس لا يكفرُها لا صلاةٌ ولا صومٌ ولاحجٌّ ولا قراءةُ قرآنٍ ولا استغفارٌ؛ إلَّا إذا تحلَّل منها قبل في الدنيا؛ ولذلك جاء الإرشاد النبوي بالتحلُّل من المظالم قبل الممات، وقبل ألا يكون درهمٌ ولا دينار! كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ كَانَتْ عِندَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ، مِنْ عِرْضِهِ أو مِنْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليومَ قَبْلَ أَلَّا يَكُونَ دِينَارٌ ولا دِرْهَمٌ؛ إِنْ كَانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِن لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أَخَذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ)).

 

 

 

نسأل الله العظيم أن يرزقنا العدلَ في أحكامنا، وفي قِسْمَتِنا، ومع أهلينا وجميع أعمالنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى