سياسة قلب الترابيزة: حين يتحوّل النقاش إلى ساحة دفاع عن النفس

كتبت د. سارة هاشم
في كل علاقة — سواء كانت عاطفية، أو عائلية، أو مهنية — هناك مساحة اسمها ((الحوار الآمن)).
مساحة يُفترض أن يتحدث فيها الطرفان بصراحة، ويُسمع فيها الألم قبل التبرير، ونستوعب النية قبل التفسير المنطقي.
لكن في بعض العلاقات، تتحول تلك المساحة إلى ميدان معركة…
يصبح الحوار اختبارًا للسيطرة، لا وسيلة للتفاهم.
🎭 ما هي سياسة قلب الترابيزة؟
سياسة “قلب الترابيزة” هي أسلوب دفاعي يستخدمه البعض للهروب من مواجهة الخطأ أو تحمّل المسؤولية.
تبدأ القصة عادة بجملة بسيطة مثل:
(انا زعلت لما عملت كذا)
فينقلب النقاش فجأة إلى:
“يعني إنتِ دايمًا صح؟ طب وانتي لما عملتي كذا؟!”
في لحظة واحدة، يختفي موضوع النقاش، ويتحوّل الطرف المتألم إلى متهم.
الهدف هنا ليس التفاهم، بل تشتيت الانتباه، وتغيير موضع القوة.
و لكن لماذا يفعل الناس ذلك؟؟
دعنا نعرف دافع السلوك كي نستطيع التعامل معه
الخوف من المواجهة:
بعض الأشخاص نشأوا على فكرة أن الاعتراف بالخطأ يعني الضعف،
وأن “الاعتذار” إسقاط لقيمتهم، وليس دليلاً على نضجهم.
تجنّب الشعور بالذنب:
الاعتراف بالخطأ يفتح بابًا داخليًا نحو الشعور بالذنب،
فيفضّل الشخص الهروب إلى الهجوم حتى لا يواجه ذاته.
الرغبة في السيطرة:
(قاعدة نرجسية)
قلب الترابيزة يمنح صاحبه شعورًا لحظيًا بالتحكم في مجريات الحديث،
فيُبقي نفسه “الممسك بخيوط الموقف” حتى لو فقد المضمون.
كيف تشعر عندما تُقلب الترابيزة عليك؟
تشعر بالارتباك.
تشعر أنك فجأة في مشهد لا تعرف كيف وصلت إليه.
كنت تتحدث عن موقف محدد،
وإذا بك تدافع عن نفسك في سلسلة اتهامات لا تنتهي!
تخرج من النقاش وأنت لا تعرف من المخطئ ولا من المصيب،
لكنك متأكد أنك مرهق، ومحبَط، ومخنوق.
و هنا يأتي السؤال الأهم
كيف تتعامل مع من يقلب الترابيزة؟
1. لاحظ التغيير:
أول خطوة هي أن تدرك أن الموضوع تحوّل، وأنك لم تعد تتحدث عن نفس النقطة.
2. أوقف النقاش بهدوء:
جملة بسيطة مثل: “واضح إن الكلام خرج عن هدفه و عن الموضوع الرئيسي خلينا نكمل كلام وقت تاني”
كفيلة بإنهاء الدائرة السامة.
3. لا تبرر ولا تهاجم:
لأن أي تبرير هو وقود إضافي للعبة النفسية المستخدمة ضدك في النقاش.
الصمت الواعي هنا أقوى من ألف حجة.
4. قيّم العلاقة نفسها:
لو تكررت هذه الطريقة باستمرار، فاعرف أن المشكلة ليست في الحوار المطروح بل في العلاقة نفسها
من لا يحتمل مواجهة بسيطة لن يحتمل علاقة حقيقية.
🌱 في النهاية…
النقاش الصحي لا يُقلب فيه الترابيزة،
بل تُرتّب فيه الأشياء على الطاولة بوضوح،
يُقال فيه “أنا أخطأت”، ويُرد عليها “أنا كمان أتألمت”،
ثم يبدأ الطرفان معًا في البناء من جديد.
لكن حين يصبح الحوار ساحة دفاع وهجوم، و مباراة للسيطرة و إجبار طرف واحد ليكون في محل المخطىء دائما
حين تحتاج في كل مرة أن تثبت أنك “مش المتهم”،
فاعرف أن الوقت حان لتسحب نفسك بهدوء،
و لا تنسى أن تترك الترابيزة مقلوبة…!
لأن من قلبها هو الوحيد القادر أن يعيدها إلى وضعها الصحيح.



