حوادث الطرق… بين الموت والانتحار والإهمال

بقلم/ هيثم جمال السدوري

تشهد الطرق السريعة في محافظات الصعيد والوجه البحري خلال الآونة الأخيرة موجة غير مسبوقة من الحوادث المروّعة التي أودت بحياة شباب ونساء وأطفال ورجال، تاركةً خلفها أسرًا منكوبة وأحلامًا مكسورة ووجعًا لا ينتهي.

تلك الحوادث لم تعد مجرد أرقام في نشرات الأخبار، بل تحوّلت إلى ظاهرة مخيفة تستنزف أرواح الأبرياء يوميًا، وتفرض سؤالًا ملحًا: من المسؤول؟ وكيف نوقف هذا النزيف؟

 

أولًا: أسباب متشابكة خلف مشهد الدماء

 

تتعدد الأسباب وتتداخل، لكن الحقيقة المؤلمة أن كل سبب منها قابل للعلاج إذا وُجدت الإرادة والتنظيم والمحاسبة:

 

1. الرعونة والسرعة الزائدة

 

رغم الحملات المرورية، ما يزال السائقون يتعاملون مع الطرق السريعة باعتبارها ساحات سباق. معدل السرعة في بعض الطرق يتجاوز الحدود الآمنة بأضعاف، في غياب رادع فعّال وحاسم.

 

2. القيادة تحت تأثير المخدرات

 

رغم أن النسبة ليست الأكبر، لكنها موجودة وخطيرة. بعض السائقين يقودون مركباتهم تحت تأثير المواد المخدرة، ما يجعل الحادث أمرًا حتميًا وليس احتمالًا.

 

3. قيادة الأطفال وصغار السن

 

ظاهرة خطيرة يتجاهلها البعض، حيث يقود أطفال دون السن القانوني سيارات نقل وميكروباصات وموتوسيكلات على الطرق السريعة، مما يجعلهم قنابل موقوتة تتحرك وسط المدنيين.

 

4. أخطاء هندسية وطرق بلا حماية

 

في بعض المحافظات، توجد طرق غير مطابقة للمواصفات، أو تفتقر للصيانة، أو تفتقد أبسط عناصر الأمان مثل المطبات الذكية، وعواكس الطريق، والإنارة الجيدة.

 

5. غياب الإرشادات والعلامات التحذيرية

 

طرق بلا لوحات، أو بلا تعليمات واضحة، أو بلا علامات عاكسة…

كيف نلوم السائق إذا لم يجد ما يرشده؟ وكيف ننجو إذا تركنا الطرق بلا لسان يتحدث؟

 

6. ضعف الرقابة والمحاسبة

 

المشكلة ليست في القوانين… بل في تطبيقها.

عندما يقود شخص تحت تأثير المخدرات ويخرج بكفالة بسيطة، أو عندما لا تُحاسَب الجهات المقصّرة في صيانة الطرق، تصبح الفوضى هي القائد الحقيقي.

 

 

 

ثانيًا: مسؤولية الدولة… ومسؤولية المجتمع

 

حوادث الطرق ليست قضاءً وقدرًا فقط؛ بل مسؤولية مشتركة بين الدولة والأفراد.

المسؤولية تبدأ من التشريع الصارم وتنتهي عند الوعي الشعبي، وبينهما مؤسسات يجب أن تعمل جنبًا إلى جنب.

 

جهات يجب أن تكون جزءًا من الحل:

 

وزارة النقل

 

هيئة الطرق والكباري

 

الإدارة العامة للمرور

 

كليات الهندسة

 

المحافظات ومجالس المدن

 

الجمعيات المهتمة بالسلامة المرورية

 

الخبراء والمختصون

 

نقابة السائقين

 

 

بدون هذا التكامل لن نستطيع مواجهة المشكلة بحجمها الحقيقي.

 

 

 

ثالثًا: لماذا نحتاج «لقاء وطني» لوقف نزيف الطرق؟

 

الواقع يقول إن الحلول المجزّأة لن تنقذ الأرواح.

نحن بحاجة إلى لقاء وطني أو سردية شاملة تجمع كل الأطراف لصياغة رؤية موحدة لحماية الطرق، وتقديم توصيات تُرفع لمجلس الوزراء والجهات المعنية.

 

أهم أهداف هذا اللقاء:

 

1. وضع خريطة واضحة لمناطق الحوادث في مصر.

 

 

2. تحديد أوجه القصور لدى كل جهة.

 

 

3. التوصل إلى حزمة تشريعات جديدة للحد من الحوادث.

 

 

4. إطلاق حملة توعية قومية تستهدف السائقين والشباب والأسر.

 

 

5. إنشاء مرصد وطني للسلامة المرورية لرصد الحوادث وتحليلها.

 

 

6. وضع خطة لرفع كفاءة الطرق وتطبيق معايير الأمان العالمية.

 

 

 

 

 

رابعًا: توصيات عاجلة للحد من الكارثة

 

1. تشديد العقوبات على السرعة والقيادة تحت تأثير المخدرات

 

عقوبات رادعة… لا رمزية.

 

2. منع قيادة صغار السن تمامًا

 

ووضع عقوبات على أولياء الأمور وأصحاب المركبات.

 

3. تطوير الطرق وتزويدها بالعلامات والإرشادات

 

طرق آمنة تعني حوادث أقل بنسبة قد تصل إلى 70%.

 

4. زيادة عدد الرادارات وربطها إلكترونيًا

 

تقليل الاعتماد على اللجان البشرية يحدّ من التجاوزات.

 

5. حملة قومية للوعي المروري

 

الوعي يصنع فرقًا قد يعادل تطوير الطرق.

 

6. تفعيل دور المجتمع المدني

 

ليكون شريكًا لا متفرجًا في مواجهة الأزمة.

 

خامسًا: دموع الأمهات لا تكفي… نحتاج أفعالًا

 

كل حادث طريق ليس مجرد رقم…

إنه قصة إنسان كان يمكن أن يعيش.

أم تبكي، وأب ينهار، وأسرة تفقد سندها، وطفل لم يعرف الحياة بعد.

 

أي تأخير في مواجهة هذه الكارثة يعني موتًا جديدًا كل يوم.

 

ختامًا

حوادث الطرق في مصر ليست قدرًا محتومًا.

هي مشكلة يمكن حلها إذا تكاتف الجميع: دولة، مؤسسات، مجتمع، وإعلام.

الأرواح التي تذهب على الأسفلت كل يوم تُحتم علينا أن نتحرك…

ليس بالكلام، بل بالقرارات، والالتزام، والعمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى