سلسلة اسماء الله الحسنى .. معنى اسم الباسط الذى يبسط الرزق لعباده

كتبت سوزان مرمر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ان لله تسعة وتسعون اسم مائة الا واحدة من احصاها دخل الجنة ”
الدِّلالاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (البَّاسِطِ):
البَاسِطُ اسْمُ فَاعِلٍ فِعْلُهُ بَسَطَ يَبْسُطُ بَسْطًا، والبَسْطُ نَقِيضُ القَبْضِ، وأَرْضٌ مُنْبَسِطَةٌ مُسْتَويَةٌ، وانْبَسَطَ الشَّيْءُ عَلَى الأَرْضِ امتَدَّ عَليهَا واتَّسَعَ، وتبَسَّطَ فِي البِلَادِ؛ أَيْ: سَارَ فِيهَا طُولًا وَعَرْضًا، وبَسِيطُ الوَجْهِ يَعْنِي مُتَهلِّل، والبَسِيطُ هُو الرَّجُلُ المُنبَسِطُ اللِّسَانِ، وبَسَطَ إليَّ يَدَهُ بما أُحِبُّ وأَكْرَهُ، بَسْطُها؛ يعني: مَدُّهَا، وفي الآية: ﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ﴾ [المائدة: 28]، وبَسْطُ الكَفِّ يُسْتَعْمَلُ عَلَى أنوَاعٍ فَتارةً للطَّلَبِ نحو قَولِ اللهِ تَعَالَى: ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ ﴾ [الرعد: 14]، وتَارةً للأَخْذِ نحو قَوْلِهِ: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ﴾ [الأنعام: 93]، وتارةً للصولةِ والضَّرْبِ، كمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ﴾ [الممتحنة: 2]، وتَارَةً للبَذْلِ والعَطَاءِ نحو قَوْلِهِ: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [المائدة: 64][10]، وبَسْطُ اليَدِ فِي حَقِّنا مَعْلُومُ المعْنَى والكَيْفِيَّةِ، أَمَّا فِي حَقِّ اللهِ فَمَعْلُومُ المَعْنَى، مَجْهُولُ الكَيْفِيَّةِ.
البَاسِطُ سُبْحَانَهُ هُوَ الذِي يَبْسُطُ الرِّزقَ لِعِبَادِهِ بجُودِهِ وَرَحْمَتِهِ، يُوَسِّعُهُ عَلَيْهِمْ بِبَالِغِ كَرَمِهِ وَحِكْمَتِهِ، فَيَبْتَلِيهم بِذَلِكَ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ مَشِيئَتُهُ، فَإِنْ شَاءَ وَسَّعَ وإنْ شَاءَ قَتَّرَ، فَهُوَ البَاسِطُ القَابِضُ؛ فإِنْ قَبَضَ كَانَ ذَلِكَ لما تَقْتَضِيهِ حِكُمَتُهُ البَاهِرَةُ لا لِشَيْءٍ آخَرَ، فَإِنَّ خَزَائِنَ مُلْكِهِ لا تَفْنى وَمَوادَّ جُودِهِ لا تَتَنَاهَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الشورى: 12]، وقَالَ: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ ﴾ [الشورى: 27][11].
والبَاسِطُ سُبْحَانَهُ أَيْضًا هُوَ الذِي يَبْسُطُ يَدَهُ بالتَّوْبَةِ لمَنْ أَسَاءَ، وهو الذِي يُمْلي لَهُم فَجَعَلهُم بَيْنَ الخْوفِ والرَّجَاءِ، رَوَى مُسْلمٌ مِنْ حَدِيثِ أبي مُوسَى الأشْعَرِي رضي الله عنه؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ لِيتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ الليلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا”[12].
وَبَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ أَوْجَبَ عَدَمَ إطْلَاقِ البَاسِطِ إلا مُقَارِنًا للقَابِضِ، وأَلَّا يَفْصِلَ بينهما؛ لِأَنَّ كَمَالَ القُدْرَةِ لا يَتَحَقَّقُ إلا بهما مَعًا[13]، وهَذَا الكَلَامُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لأنَّ أَسْمَاءَ اللهِ كُلَّها حُسْنَى، وكُلُّها تَدُلُّ عَلَى الكَمَال، وكُلُّ وَاحِدٍ مِنهَا يُفِيدُ المدْحَ والثَّنَاءَ عَلَى اللهِ بِنَفْسِهِ، كَمَا أَنَّ الأسْمَاءَ الحُسْنَى لا تَخْلُو مِنَ التَّقْييدِ العَقْلِي بالممْكِنَاتِ، فَالقَبْضُ مُقَيَّدٌ بما يَشَاءُ اللهُ قَبْضَهُ، والبَسْطُ كَذَلِكَ، ولِذَلِكَ إِذَا صَرَّحَ النَّصُّ بالتَّقْييدِ ذُكِرَ الوَصْفُ فِيهِ مُفْردًا؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ تعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ﴾ [الفرقان: 45، 46]، فَالْقَبْضُ فِي الآيةِ مُقَيَّدٌ بالظِّلِّ، وإِطْلَاقُ القَابِضِ أَيْضًا مُقْيَّدٌ بالممْكِنَاتِ، وهَكَذَا فِي سَائِرِ الأسمَاءِ ودِلَالَتِها عَلَى التَّقْييدِ بالمفْعُولاتِ، وقَالَ تَعَالَى في البَسْطِ: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ﴾ [الشورى: 27]، فَالبَسْطُ مُقَيَّدٌ في الآيةِ بالرِّزْقِ، فاسْمَا اللهِ القَابِضُ والبَاسِطُ كُلٌّ مِنْهُما يُفِيدُ المدْحَ والثَّنَاءَ بِنَفْسِهِ، وإِنْ ذُكِرَا مُقْتَرِنَيْنِ زَادَتْ دِلَالَةُ الكَمَال فِي وَصْفِ رَبِّ العِزَّةِ والجَلَالِ، كَمَا هُوَ الحَالُ عِنْدَ اقْتِرانِ الحَي مَعَ القَيُّومِ، والرَّحْمَنِ مَعَ الرَّحِيمِ، والغَّنِي مَعَ الكَرِيمِ، والقَرِيبِ مَعَ المجيبِ، وغيرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ، فَالْقَولُ بِوُجُوبِ ذِكْرِ الاسْمَينِ مَعًا فِيهِ نَظَرٌ وإنْ كَانَ مُسْتَحْسَنًا.
ثالثًا: وُرُودُهُ فِي الحَدِيثِ الشَّرَيفِ:
وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَنسٍ رضي الله عنه، قَالَ: غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ، لَوْ سَعَّرْتَ، فَقَالَ: “إنَّ اللهَ هُوَ الخَالِقُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ المُسَعِّرُ، وإنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ ولا يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بمَظْلَمَةٍ ظَلَمْتُها إياهُ فِي دَمٍ ولَا مَالٍ”[14].
وَقْد وَرَدَتْ فِعلًا فِي القُرآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245].
وَفِي أَحَادِيثَ كَثيرَةٍ، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللهَ يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيْلِ، لِيتَوُبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، ويبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ…”[15].
وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: “يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ، ويَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ…” الحَدِيثُ[16].
مَعْنَى الاسْمَينِ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى:
قَالَ الزَّجَّاجِيُّ: “(القَابِضُ) اسْمُ الفَاعِلِ مِنْ قَبَضَ فَهُوَ قَابِضٌ، والمَفْعُولُ مَقْبَوضٌ، وذَلِكَ عَلَى ضُرُوبٍ.
فَأَمَّا فِي هَذِهِ الآيةِ التي ذُكِرَ فِيهَا هَذَا الحَرْفُ فِي سُورَةِ البَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ عز وجل: ﴿ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ﴾ [البقرة: 245]، فَقَالُوا: تَأْوِيلُه: يُقَتِّرُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، ويَتَوَسَّعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى مِنَ المَصْلَحَةِ لِعِبَادِهِ.
فَالقَبْضُ هَاهُنَا: التَّقْتِيرُ والتَّضْيِيقُ.
والبَسْطُ: التَّوْسِعَةُ فِي الرِّزْقِ والإِكْثَارِ مِنْهُ.
فَاللهَ عز وجل القَابِضُ البَّاسِطُ، يُقَتِّرُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، ويُوسِّعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ.
وَمَخْرَجُ ذَلِكَ مِنَ اللُّغَةِ، أَنَّ أَصْلَ القَبْضِ: ضَمُّ الشَّيْءِ المُنْبَسِطِ مِنْ أَطْرَافِهِ، فيَقْبِضُهُ القَابِضُ إِليهِ أَولًا أَولًا حَتَى يَحُوزَهُ ويَجْمَعَهُ. والبَسْطُ: نَشْرُ الشَّيْءِ المُجْتَمِعِ أَوِ المُنْضَمِّ أَو المَطْوِيِّ.
فَمَنْ قُبِضَ رِزْقُهُ فَقْدَ ضُيِّقَ عَلَيهِ، ومَنْ بُسِطَ رِزْقُهُ فَقْدَ فُسِحَ لَهُ فِيهِ، وَوُسِّعَ عَلَيهِ.
ومِنْ ذَلِكَ قِيلَ: فُلانٌ قَبيضٌ، أَيْ: بَخِيلٌ شَدِيدٌ كَأَنَّه لَا يَبْسُطُ كَفَّهُ بِخَيْرٍ إِلَى أَحَدٍ، ولا يَسْمَحُ بِذَلِكَ، وفُلَانٌ بَاسِطُ الكَفِّ، وبَاسِطُ الجَاهِ، وإِنَّمَا يُرادُ بِهِ السَّخَاءُ وبَذْلُهُ مَالَهُ وجَاهَهُ”[17].



