إدمان الشابو و رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة “رؤية مقترحة: الظاهرة والحلول”

يكتب / د. اسراء محمد رجب
يعاصر المجتمع المصري ظاهرة خطيرة تسمي “الشابو” ؛ المخدر الذي بدء انتشاره في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أكثر من 16 عاماً، فالشابو أحد أنواع المخدرات الغريبة والجديدة كليا علي المجتمعات العربية، وبدء يتوغل كالسرطان في مصر خاصة صعيد مصر. المخدر الذي يطلق عليه الشبو أو الكريستال ميث أو الآيس، كان يعرف في بداية انتشاره في مصر بأنه مخدر أولاد الأغنياء او الأكابر؛ إذ كانت اسعاره مرتفعة بشكل جنوني في بداية ظهوره؛ إلا أنه أصبح بعد ذلك في متناول الجميع، حتى بات يطلق عليه “مخدر الشوارع”.
ما هو الشابو ( الأيس ، الكريستال ميث، ميث) وكيف يتم تناوله:
يعد الشبو من الأمفيتامينات التي بدأ يزيد انتشارها في المجتمعات العربية في ظل السنوات الأخيرة، ومادة الميثامفيتامين أو الكريستال أو ما يسمي بالشابو، هي مادة كيميائية شديدة السمية والإدمان مصنعة علي هيئة مسحوق، ويتم تعاطيها من خلال عدة طرق إما الاستنشاق أو الشم أو الحقن بالعضل او الوريد، وهي مادة مهلوسة شديدة الخطورة منشطة للجهاز العصبي. وصُنعت لأول مرة في الحرب العالمية الثانية من قبل الأمريكان والألمان واليابانيين للحد من شعور الإجهاد وزيادة النشاط للجنود. (1)
أعراض إدمان مخدر الشابو:
يظهر بعض الأعراض على متعاطي مخدر الشبو أو الكريستال ميث، بمجرد البدء في تعاطيه منها: إهمال المظهر الشخصي، اتساع حدقة العين، فقدان الوزن والشهية، الشعور بالوخز، تشنجات قوية، عدم النوم لمدة قد تصل إلى أسبوع، تقلب المزاج، الثرثرة طوال الوقت، حركات لا إرادية بالوجه، نوبات غضب حادة، الهلوسة السمعية والبصرية
الحالة الشعورية لمتعاطي مخدر الشابو:
يثير الشبو حالة شعورية عند تناوله بأن صاحبه لا يهزم ولا يشعر بالتعب، وتستمر اثاره لعدة ساعات حيث يرفع مخدر النشوة ضغط الدم، ويسرع نبض القلب، تمكن المدمن من بذل جهد بدني مطول ينتهي بالإصابة بالجفاف، وينقل المدمن بعد عدة أيام من تعاطيه إلي حالة من نوبات القلق والفراغ تصل إلي الاكتئاب يصاحبه فقدان شهية وانخفاض ملحوظ في وزن الجسم وقد يظهر اضطرابات نفسية أشد وأخطر.(2)
وتشهد مصر حوادث خطيرة ومتكررة لهذا المخدر الشيطاني، فقد أصبح مخدر الشابو المتسبب الرئيسي في كثير من جرائم القتل والاغتصاب وحالات الانتحار، وفقاً لمحاضر رسمية مصرية. ويشكل مخدر الشبو 40% من حالات العنف والحوادث المرتبطة بتعاطي المخدرات. ولا تقف عواقب وخطورة المخدرات علي النحو الجنائي وحسب، بل تنعكس علي صحة الفرد ايضاً، حيث 29% من المتعاطين يعانون من اضطراب ذهني، 32% من المتعاطين يعانون من اضطرابات المزاج و 27% من المتعاطين يعانون من اضطرابات القلق. (3)
حيث اشار تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة الخاص بالمخدرات والجريمة إلي أن العواقب والمخاطر الصحية علي الفرد أكثر حدة مما كان سابقاً، إذ أن حوالي 35 مليون شخص عالمياً يعانون من اضطرابات نتيجة تعاطي المخدرات وبحاجة إلي خدمات وسبل علاجية، ولا يقتصر إدمان المخدرات علي جنس بعينه، حيث اشار التقرير إلي ان النسبة الاحصائية لمدمنين المخدرات مصر 10% من إجمالي الذكور، و 5% من إجمالي الإناث.(4)
جهود الدولة المصرية في مواجهة المخدرات وفق رؤية مصر (2030):
تحرص القيادة السياسية علي تحقيق رؤية مصر(2030) نحو إعلاء وتحسين جودة حياة المواطنين المصريين استنادا إلي ثلاثة ابعاد رئيسية وهم : البعد الاقتصادي الذي يهدف الي تحقيق التنمية الاقتصادية، والبعد الاجتماعي الذي يهدف الي تعزيز خصائص السكان، والبعد البيئي الذي يهدف الي تأمين بيئة معيشية أفضل. وتعيق ظاهرة المخدرات سبل تحقق أهداف التنمية المستدامة، فلا يمكن ان تقوم تنمية في ظل غياب الأمن والأمان بين أفراد المجتمع او بعقول قد أتلفتها المواد المخدرة، فالإدمان هو تدمير وهدر للكوادر والعقول البشرية.
وأبدت مصر التزاما صريحا بأهداف التنمية المستدامة وكنوع من هذا الالتزام، صدر قرار جمهوري يقضي بتشكيل لجنة قومية لمتابعة تحقيق اهداف التنمية المستدامة برئاسة مجلس الوزراء، وضعت (12) وزارة وهيئة حكومية، وقد تم إنشاء وحدة في كل وزارة للرصد والتقييم، والاهتمام بالاسثمار في البشر وتأهيلهم لسوق العمل لتحقيق اهداف التنمية المستدامة 2030، كما كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي الوزارات بالكشف عن المخدرات بين العاملين بالجهاز الإداري بالدولة، وبالفعل تم الكشف علي 300 ألف موظف بـ 29 وزارة كشفت نتائج الكشف نسبا مختلفة للتعاطي وصلت حوالي 8% .
و بالرغم من جهود الدولة المصرية في محاربة المخدرات ، كشف تقرير صادر عن صندوق مكافحة وعلاج الإدمان في مصر أن نسب مدمني ومتعاطي المخدرات المصريين وصلت لـ 10.4 % بشكل رسمي وذلك من خلال مسح قومي شامل قامت به وزارة التضامن، وتعتبر هذه النسبة أكثر من ضعف المعدل العالمي للتعاطي المحدد بحوالي 4% في الدولة الواحدة، كما ذكر التقرير أن حوالي 87% من الجرائم التي حدثت في المجتمع المصري كان سببها الجوهري هو تعاطي المخدرات. (5)
الرؤية المقترحة:
في ظل ما سبق عرضه لظاهرة مخدر الشبو ، لابد من توحيد الجهود وتضافر جميع مؤسسات الدولة المصرية والمجتمع المدني لمواجهة ظاهرة الإدمان وتعاطي المخدرات خاصة مخدر الشبو لما له من خطورة شديدة علي الفرد والمجتمع، وتتقدم هذه المقالة بطرح رؤية مقترحة للمعنيين من ذو السلطة وواضعي السياسات والمهتمين بقضايا المجتمع، تتمثل هذه الرؤية المقترحة في “وضع استراتيجية وطنية للخمس سنوات الجارية لمواجهة المخدرات المهلوسة” تتوحد فيها جميع مؤسسات الدولة علي هدف قومي محدد وهو ” مصر بلا إدمان مع انتهاء 2030″
اهداف الرؤية المقترحة:
تهدف الرؤية المقترحة إلي وضع استراتيجية وطنية للخمس سنوات الجارية لمواجهة ظاهرة الإدمان والمخدرات بكافة انواعها وخاصة المخدرات المهلوسة مثل الشبو حتي يتم الحد التام من وجودها في المجتمع المصري مع انتهاء 2030 ، ويتمثل الهدف القومي للاستراتيجية في الوصول الي مصر بلا إدمان وبلا مخدرات مع انتهاء 2030 حتي تكون مصر حققت أهم هدفين من اهداف التنمية المستدامة وهو الهدف الاجتماعي في تعزيز خصائص السكان وتأهيل كوادر بشرية ناجحة لمواصلة مسيرة التنمية والهدف البيئي المتمثل في بيئة آمنة وصحية ونظيفة.
أليات تحقيق الرؤية المقترحة:
يمكن تحقيق الرؤية المقترحة وتنفيذ هذه الاستراتيجية الوطنية من خلال توحيد كافة الجهود والربط بين جميع مؤسسات الدولة ومنظمات وكيانات المجتمع المدني نحو الهدف المنشود للوصول الي مصر بلا ادمان وبلا مخدرات وذلك من خلال:
الآلية الإعلامية:
وضع ميثاق وطني إعلامي غليظ ينكر تماماً كافة صورالعنف والإدمان بكل صوره واشكاله – حتي البسيطة منه- في الرسالة الإعلامية او الفنية ويعرض رسالة اعلامية نظيفة آمنة، وينشر قيم الرحمة والخير والصحة ويلفظ الإدمان بكل انواعه ويوجه الأفراد نحو الاهتمام بالصحة النفسية والبدنية وممارسة الهوايات والأنشطة المفيدة وسبل استثمار وقت الفراغ فيما هو نافع للفرد والمجتمع. وذلك لا سبيل لتحقيقه الا من خلال لجنة رقابية يتم اختيارها بعناية للإشراف والمتابعة والرقابة علي كافة صور الإعلام المسموع والمرئي والرقمي في نطاق جمهورية مصر العربية، كما يجب ان تكون هناك لجنة متخصصة للإعلام الرقمي ومتابعة مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي للتدخل الفوري في معالجة ومواجهة كل ما يمكن أن يبث سموم مباشرة او غير مباشرة في عقول الأفراد ودفعهم نحو براثن الإدمان.
الآلية الأمنية:
تقدم الجهات الأمنية جهود ملموسة في مواجهة المخدرات لا تنكر ولكن في ظل التحديات المعاصرة لابد من تكثيف الجهود الأمنية واعطاء أولية قصوي لملاحقة كافة مروجي المخدرات وشبكات تجارة المخدرات في مصر، كما لا بد من تكثيف عدد أفرد العناصر الأمنية في مصر، وخلق قنوات اتصال مباشرة آمنة بين المواطنين والجهات الأمنية لتعزيز تعاون افراد المجتمع مع الجهات الأمنية في مواجهة مروجي وتجار المخدرات وتشجيع الأفراد علي الإدلاء بأي معلومات لديهم عن مروجي وتجار المخدرات او المدمنين خاصة مدمني الشبو في مناطقهم مع وضع كافة المعايير التي تضمن حماية الأفراد وعدم افشاء بياناتهم الشخصية.
الآلية التربوية:
ينبغي تضمين رسالة تربوية بجميع مؤسسات التربية والتعليم بجميع مراحلها تهدف إلي توعية الطلاب بخطورة الإدمان وتنمي لديهم القيم الصحية وذلك من خلال الأهتمام بالأنشطة الفنية التي تنمي فكر الأفراد وتهذب أخلاقهم والأنشطة البدنية التي تحفزهم نحو المحافظة علي صحة أبدانهم والتغذية السليمة وإعادة فتح الأندية الصيفية بالمدارس وإقامة الأنشطة التدريبية الترفيهية المفيدة كي يمارسها الطلاب في عطلاتهم الدراسية الطويلة.
الآلية التشريعية:
لابد من تغليظ عقوبة تجار المخدرات من خلال سن القوانين الصارمة، ومعالجة كافة الثغرات في القوانين وسدها حتي لا يجد تجار المخدرات ومروجيها أي ثغرة قانونية للإفلات من العقوبة. لابد من تصنيف قضايا المخدرات من ضمن قضايا الأمن القومي لانها لا تقل خطورة عن الإرهاب. كذلك لا بد من وجود تشريعات لمعالجة كافة المدمنين بالمجان من خلال تكثيف مراكز علاج الأدمان وتكثيف الحماية المشددة عليها لمنع محاولة هروب اي مدمن وضمان عدم خروجه لحين امتثاله التام للشفاء من الإدمان.
الآلية المجتمعية:
ينبغي تضافر كافة منظمات المجتمع المدني نحو مواجهة ظاهرة الإدمان والمخدرات واطلاق المبادرات والحملات القومية التي تستهدف القضاء علي الإدمان والمخدرات في مصر، لتوعية الشباب والمراهقين من خطورة الإدمان وكيفية ان يكون الفرد عنصر ايجابيا في مجتمعه من خلال إبلاغ الجهات المختصة عن إي مدمن في محيطه حتي يتم معالجته من الإدمان.
المراجع:
محمد توفيق الجندي(2019). مدمرات العقول الإدمان علي المخدرات، الرياض: مكتبة الملك فهد، 29.
نيكول مايستراشي(2005). المخدرات، ترجمة زينا المغربل، المملكة العربية السعودية: مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، 55.
وزارة الصحة السعودية، https://www.moh.gov.sa/
محمد حسن محمد (2020) فعالية العلاج المعرفي السلوكي في تحقيق الدعم الاجتماعي لعينة من مدمني المخدرات دراسة تجريبية لمنع الانتكاسة، مجلة الخدمة الاجتماعية والعلوم الإنسانية، 50،1، 34-72
( صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، 2019) صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي (2019). التقرير السنوي للإدمان



