الحكم الشرعي لصلاة المسافر بالبحر

كتبت سوزان مرمر
السؤال
أعمل في البحر على السفن التي تخدم حفّارات البترول، وتكون مدة عملي بالشهور. ومتوسط المسافة بين الحفّار في عرض البحر والميناء نحو 100 كيلومتر. تقوم السفينة بخدمة حفّار البترول، بنقل المعدات من الميناء إلى الحفّار، وفي بعض الأوقات تبقى السفينة منتظرة بجانب الحفّار مدة شهر أو أسبوعين، ثم تعود مرة أخرى إلى الميناء لتعبئة المعدات والرجوع مرة أخرى إلى الحفّار.
طبيعة عملي هي ست ساعات عمل، تعقبها ست ساعات راحة، أي بمعدل 12 ساعة عمل في اليوم. وتأتي أوقات الصلوات غالبًا خلال فترات الراحة أو النوم. فهل يجوز لي الجمع والقصر بين الصلوات أثناء عملي في البحر؟ مع التنويه إلى أن السفينة تمكث في الميناء أيامًا محدودة، وقد تنتظر في عرض البحر بجانب الحفّار مدة شهر مثلًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المسافة التي بين الميناء والحفار في البحر تُعد مسافة قصر، فيجوز لك الترخص برخص السفر أثناء قطعها ذهابًا وإيابًا؛ فتقصر الصلاة الرباعية، وتجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين صلاتي المغرب والعشاء.
أما في حال كانت السفينة مستقرة في البحر، ولديك نية جازمة بإقامة أربعة أيام فأكثر، فإن حكم السفر ينقطع، وحكمك في هذه الحالة حكم المقيم، فلا يجوز لك القصر ولا الجمع بين الصلوات في هذه المدة، ولا تترخص بشيء من رخص السفر في قول جمهور الفقهاء، وهو الراجح.
جاء في المدونة: قال مالك: والمسافر في البر والبحر سواء، إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم الصلاة وصام. اهـ.
وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: (ولو نوى) المسافر المستقل ولو محاربًا (إقامة أربعة أيام) تامة بلياليها، أو نوى الإقامة وأطلق (بموضع) عينه صالح للإقامة، وكذا غير صالح كمفازة على الأصح (انقطع سفره بوصوله)، أي: بوصول ذلك الموضع، سواء أكان مقصوده، أم في طريقه، أو نوى بموضع وصل إليه إقامة أربعة أيام، انقطع سفره بالنية، مع مكثه إن كان مستقلًا. اهـ.
وقال ابن النجار في منتهى الإرادات: وعلى المذهب: لا فرق بين كون ما نوى الإقامة فيه موضع لبث وقرار في العادة؛ كالقرى، أو لا يقام فيه عادة؛ كالمفازة. اهـ.
وأما كون الصلاة تأتي في وقت راحتك ونومك؛ فالظاهر أن ذلك وحده لا يُعد عذرًا يبيح الجمع بين الصلوات على الدوام؛ إذ الأصل أن تؤدى كل فريضة في وقتها الذي حدده الشرع، ولا يجوز الجمع بين الصلوات إلا لعذر معتبر -كالسفر، أو المرض، أو المطر، أو وجود مشقة شديدة، أو ضرورة عمل لا يمكن تلافيها ولا أداء الصلاة فيها-.
والمسلم مأمور بأن يجعل الصلاة في مقدمة اهتماماته؛ إذ هي خير أعمال المسلم، ورأس ماله، وعنوان نجاته، فعليك أن تتخذ ما يعينك على القيام بها في وقتها، وترتيب مواعيد راحتك إن أمكنك ذلك بما لا يضيع أوقات الصلاة، فإذا جاء وقت راحتك قبل دخول وقت الصلاة، وأردت أن تنام، فلا حرج عليك حينئذ أن تنام؛ لأن وقتها لم يدخل بعد، وأنت غير مخاطب بها قبل دخول وقتها، لكن ينبغي الاستعانة بمنبه، أو توكيل من يوقظك للصلاة، ولا يجب ذلك في قول كثير من أهل العلم
وأما إذا دخل عليك وقت الصلاة وأنت مستيقظ، فيمكنك أن تصلي الأولى في أول وقتها، وتؤخر الثانية إلى آخر وقتها، أو تجمع بين الصلاتين جمعًا صوريًا، فتصلي الأولى في آخر، وقتها، والثانية في أول وقتها، فإن أصابتك يومًا مشقة شديدة يغلب على ظنك أنك لا تستطيع معها الاستيقاظ، فلا حرج عليك في الجمع بين مشتركتي الوقت للحاجة، بشرط ألا تتخذ ذلك عادة.
والله أعلم.
				
					


