د. أمل عبد الرحمن تكتب: وحيدة وسط الزحام

أعيش داخلكِ يا أنا… متقوقعة في بحر من الخيالات.
أحيانًا تُنسيني من أكون، ومن أين أتيت، ولماذا أنا هنا أصلًا.
أتأملكِ تتساءلين بعينين تائهتين: من حولي؟ من أنتم؟ ولماذا لا أرى منكم شعورًا واحدًا صادقًا نحوي؟
لا رحمة، لا رأفة، لا محبة، لا غفران…
فقط نظرات مشتعلة، لا تلمع ببريق نور… بل تلمع بجمر الحقد والغلّ.
وأنا؟
أنا لا أعرفني…
ولا أعلم من جاء بي إلى هذا العالم، فأنا لا أنتمي إليكم… ولا لهذا المكان.
قلبي مغمور بالنور… بالأمل… لكنه ضائع بين قلوب مظلمة لا تحتمله.
الوحدة تنهشني، تمزق روحي رغم الزحام.
لا شيء فيهم يجذبني، لا أرواحهم تستهويني، لا ضحكاتهم تشجيني، ولا نظراتهم الزائفة ترويني.
سنوات مضت كنت أركض وسط الحياة، أحمل الهموم، أُسند من حولي… ونسيت أن بداخلي “روح” لها حق في الحب والاهتمام والاحترام.
ظننت أن دوري أن أروّي أرواح الآخرين، لكنهم تعوّدوا على عطائي، حتى صار وكأنه “واجب” لا محبة،
ومع أنه كان اختياري، لم يسأل أحدهم نفسه يومًا:
لماذا لا نُجبر نحن على ردّ الحب؟ على الثناء؟ على التشجيع؟
لماذا كأنهم أُجبروا فقط على إيذائي… على هدم ما فيّ من ضوء؟
نجحوا…
صرت وحيدة، وسط الزحام،
يتيمة بين أهلي،
غريبة رغم صِلات الدم،
أبحث في عيونهم عن أي بقايا محبة… فلا أجد غير صدى لنفسي المكسورة.
لا ألوم الزمن…
ولا ألوم أحدًا…
أنا فقط ألوم نفسي… لأني بقيت في مكان لا يشبهني، ونسيت أن لي “أرضًا” و”ملجأً” و”نَفْسًا” يجب أن أعود لها.
ضحكتي لم تعد ضحكتي،
وصوتي لم يعد صوتي،
نبراتي ترتعد،
وقدماي لا تقوى على حملي من ثقل روحي…
لكني رغم ذلك، أكتب لكِ يا أنا… لأذكّرك:
أنكِ لم تُخلقي لتكوني فريسة لذئاب الوجوه الناعمة.
لم تُخلقي لتنكسري… بل لتفيقي، وتنهضي، وتذهبي بعيدًا… حيث تشبهين الأرض، ويشبهكِ الأمان. بقلم ..



