قراءة تحليلة عن ماهيّة الفن المصري القديم

 

إعداد د/ شيماء المتعب

يعد الفن المصري القديم هو أحد أهم وأعمق الفنون التي عرفتها الحضارات الإنسانية عبر التاريخ. لم يكن الفن في مصر القديمة مجرد زينة أو ترف أو ترفيه بصري، بل كان علم.. ورسالة.. وفلسفة وجود. كان الفن جزءًا من العقيدة، ومن نظرة المصري القديم للكون، وللخلق، وللموت، وللبعث، وللأبدية. لذلك فإن أي عمل فني وُجد في مصر القديمة كان دائمًا يحمل معنى، ويحمل غاية، ويحمل رمزًا.

(الفن كعقيدة)

الفن في الحضارة المصرية كان مرتبطًا بالدين ارتباطًا وثيقًا. المصري لم يفصل بين الدين والحياة، فانعكس ذلك على كل فنونهم: النقوش، الجداريات، المعابد، المقابر، التماثيل، وصناعة الحلي. كانت كل ضربة إزميل وكل خط وكل لون يحمل مفاهيم روحية، وظيفتها التواصل مع العالم الآخر، وتخليد الروح، وتحقيق الاستمرارية.

(الفن كتوثيق للحياة)

واحدة من أهم مميزات الفن المصري القديم أنه كان واقعيًا وصادقًا في توثيق المجتمع:

سجّل حياة الفلاح

*الصناعة

*الصيد

*الحروب

*الاحتفالات

*طقوس اليوم الطبيعي

كل تفاصيل الحياة اليومية تحولت إلى سجل بصري خالد، وكأن الفنان المصري أراد أن يقول للعالم: “هذا نحن.. وهذه حياتنا”.

(الفن كرمز ونظام)

إمتاز الفن المصري بالدقة والرمزية القوية مع الالتزام بنظام ثابت متوارث عبر آلاف السنين.
كانت الأبعاد، ووضعيات الجسد، وطريقة رسم العين والكتف والقدم تخضع لقواعد هندسية ثابتة، هدفها ليس النسخ الواقعي لمظهر الإنسان، بل الحفاظ على صورة كاملة “صالحة للخلود”. ولهذا نرى رأس في وضع جانبي، والجذع مواجه، والقدم في حركة. النظام هنا كان علم وليس سذاجة.

استمرارية الجمال عبر الزمن

ما يميّز الفن المصري أنه لم يكن سريع التغير. حضارة استمرت آلاف السنين احتفظت بثبات روح الفن، ورموزه، وفلسفته، لأن الهدف لم يكن الموضة.. بل البقاء. وهكذا بقي الفن المصري القديم حتى اليوم هو الأقرب لفهم الإنسان الأول لعلاقته بالسماء والأرض والروح.

الفن المصري القديم هو فن الروح والخلود. هو لغة المصري في مواجهة الزمن. وهو الدليل أن الإنسان يمكن أن يصنع جمالًا يبقى بعد زوال الجسد والحاكم والدولة. لهذا فهو ليس مجرد “فن قديم”، بل أحد أرقى مدارس الفن في تاريخ الإنسانية كلها، ومدرسة ما زالت حتى اليوم مصدر إلهام ودهشة ودهشة لا تنتهي.تمام
وهذه نقطة مهمة جدا لأن فهم اللون في الفن المصري القديم هو مفتاح قراءة اللوحة والرمز والنقش وكمان التمثال.

المصري القديم لم يستعمل اللون عشوائي… كل لون كان له معنى وهدف ووظيفة عقائدية وروحية وفلسفية.

الألوان ورموزها عند المصريين القدماء

اللون مصدره القديم دلالته ومعناه العقائدي

الأحمر أكسيد الحديد / المغرة الحمراء القوة – الدم – الحيوية – الحرارة – وكان أحيانًا رمز للغضب – وأحيانا للشر إذا ارتبط بقرين ست (Seth).
الأصفر / الذهبي الذهب الطبيعي – أكاسيد صفراء رمز الأبدية والخلود، لون الآلهة وأجسادهم، لون الشمس، ارتباط مباشر برع. كل ما هو ذهبي = لا يفنى.
الأزرق حجر اللازورد – نحاس محروق ممزوج رمز السماء والماء والخلق والحماية، كان لون كفارة وتحقيق توازن (ماعت). يرتبط بالإلهة حتحور وبولادة العالم.
الأخضر مالاكيت / نحاس طبيعي رمز الحياة والنماء والتجدد والخصوبة والزراعة. اللون الخاص بالإله أوزوريس لأنه رمز القيامة والانبعاث.
الأسود الفحم / الطمي النيلي (كيميت) رمز الحياة والتربة الخصبة والبعث والعمق وعودة الروح. وليس رمزًا للموت كما في العصر الحديث. الأسود كان إيجابيًا.
الأبيض الحجر الجيري / الجبس الطهارة – الوقار – القداسة – الحق – ماعت. كل مقدس أو طقس أو ثياب كهنة كانت بيضاء.
البني مزيج من الأحمر والأسود أو الأصفر يمثل الأرض / الجسد البشري الطبيعي / الواقعية الجسدية بدون قداسة.

(فلسفة اللون عند المصري القديم)

اللون ليس تزيين بصري بل “طاقة رمزية”.

اللون في المقبرة وظيفته حماية الروح وتأمين البعث.

اللون في المعبد وظيفته تحقيق توازن ماعت بين الكون والقوى.

اللون في التمثال هو إعادة “تنشيط” الكيان حتى يعيش في العالم الآخر.

المصري القديم كان يرى أن اللون يمنح الشيء صفة.
مثال: لما يرسم أوزوريس أخضر → فهو لا يصف لونه.. هو يعطيه قوة التجدد .
اللون = معنى روحي حي.
كل لون هو رمز… وكل رمز مقصود… وكل قصد عقائدي مرتبط بفكرة الخلود.

النحت وطبيعته وتعدد أنواعه وعناصره المستخدمه فى العصر الفرعوني القديم وتطوره مع تتابع الأسرات الحاكمه.
لم يقتصر الفن فى ذلك الوقت على النقوش والرموز والرسوم والألوان فقط ولكن أعتمد الفنان المصرى القديم أيضا على وجه أخر من الفنون وهو فن النحت بأنواعه وخصائصه ومواده المتنوعه المستخدمه أن ذاك .
وسوف أأخذ حضراتكم فى جوله مختصرة ومختزلة عن النحت المصرى القديم .

(النحت في مصر القديمة)

النحت عند المصريين القدماء لم يكن مجرد عمل جمالي أو زينة، بل كان علم وظيفي روحي مرتبط بفكرة الخلود واستمرارية الحياة بعد الموت. التمثال لم يكن تمثالًا فقط، بل كان “جسم بديل” يمكن أن تسكنه الروح (الــكا). لذلك صار للنحت قدسية ووظيفة دينية وسياسية واضحة.

(طبيعة النحت في العصر الفرعوني):

*يعد النحت فى العصور الفرعونيه القديمه قائم على الدقة و القياس العلمي الهندسي

حيث كان يخضع لقواعد ثابته مثالية للجسم البشري

يوازن بين الواقعية والجلال والهيبة

الالتزام بالثبات والوقار وعدم المبالغة في الحركة

الهدف ليس الشكل الحي فقط، بل الشكل “الخالِد”.

(عناصر ومواد النحت المستخدمة)

المصري القديم استخدم تنوع ضخم في خامات النحت، كل مادة لها معنى وقيمة:

(الخامة الاستخدام الدلالة)

الحجر الجيري تماثيل – مقابر – جدران أسهل في التشكيل – منتشر
الجرانيت الأحمر والأسود تماثيل ملوك – مسلات – قداسة القوة والتحمّل – ملكي
الديوريت والبازلت تماثيل الملوك والإلهة ندرة – صعوبة – قيمة عالية
الخشب (الجميز – السنط) تماثيل أشخاص وحياة يومية مرن – واقعية – خفة
المعادن (ذهب – برونز – نحاس) تماثيل طقسية وقدسية خلود و طاقة روحية
الطين والفايانس تماثيل صغيرة ونماذج استخدام شعبي واسع

الأدوات: أزميل – مطارق – أحجار صقل – فؤوس – أدوات نحاسية وبرونزية للأعمال الدقيقة.

أنواع النحت في مصر القديمة

1. النحت الكامل المستدير (Free Standing)
تماثيل منفصلة يمكن رؤيتها من جميع الاتجاهات (كالملوك والآلهة).

2. النحت الغائر
الحفر للداخل على الجدران، يظهر فيه الخط غائر داخل السطح (انتشر في المقابر لأنه يعطي ظل وحماية للخط).

3. النحت البارز
حفر بارز تظهر فيه العناصر مرتفعة عن السطح (انتشر في المعابد والمناظر الكبرى).

4. التماثيل الضخمة المعمارية
مثل تماثيل أبو الهول، تماثيل رمسيس الثاني، تماثيل المدخل في المعابد.

5. النحت الصغير (الموديلات – الفيغر)
نماذج صغيرة لحياة المصري في العالم الآخر (زراعة، صيد، خبز، صناعة).

(تطور النحت مع الأسرات الحاكمة)

*عصر الدولة القديمة
تماثيل صرامة هندسية – وقار شديد – ثبات وتقديس الملك والآلهة (الهرم الأكبر/ أهرام الجيزة).

*عصر الدولة الوسطى
تزايد الواقعية، وتعابير أقرب للإنسان الحقيقي، انتشر الرمز الاجتماعي أكثر من القدسي فقط.

*عصر الدولة الحديثة (أقوى مرحلة)

إبداع عالي – دقة مذهلة – قوة رمزية – تماثيل ضخمة – تجليات الفن في عهد رمسيس الثاني – تحتمس الثالث.

*عصر إخناتون (المدرسة العمارنة)
ثورة فنية كاملة:
واقعية حرة – انسيابية – رقة – تصوير الجانب الإنساني الحقيقي لا الإلهي المثالي. (أشهر ثورة فنية في التاريخ).

*العصور المتأخرة
عودة للمدرسة القديمة وصياغة كلاسيكية محافظة، بدون تطوير كبير، مع لمسات فارسية ويونانية

حيث يعد أن النحت المصري القديم هو سجل حضاري خالد،فهو أعتبر
منذ القدم لغة المصري مع الأبدية، ومع العقيدة، ومع السلطة، ومع الخلق.
ولذلك ظل النحات المصري يعامل الحجر كجسد له روح، والتمثال ككائن سيعيش ما بعد الموت.

هذا الفن تطور عبر الزمن ولكنه احتفظ بروحه الخاصة التي ميزت مصر عن كل حضارات العالم.

(وختاما )

إن دراسة الفن المصري القديم بفروعه المختلفة من رسم ونحت ولون ورمز، ليست مجرد قراءة لماضٍ سحيق، بل هي قراءة لفلسفة أمة أدركت معنى الخلود قبل أن يفهمه العالم بآلاف السنين. المصري القديم لم يصنع فنًا ليُعجب به الناس، بل صنع فنًا ليشهد له الزمن، وليبقى عبر الدهور رمزًا لهويته وحضارته ورؤيته للوجود والبعث والأبدية.

واليوم، ومع افتتاح المتحف المصري الكبير أمام العالم في هذه اللحظة التاريخية الفريدة، نحن لا نفتتح متحفًا فقط… بل نفتتح بوابة جديدة لعودة الروح المصرية القديمة لتتحدث من جديد بلغتها الخالدة. هذا الافتتاح هو تتويج لمسيرة آلاف السنين من الإبداع، وإحياء لرسالة الفن المصري القديم، وتجديد لعهد بين الماضي والمستقبل، وبين الجذور والامتداد.

إن المتحف المصري الكبير لا يقدم للعالم آثارًا صامتة… بل يقدم ذاكرة أمة، وفلسفة حضارة، وشاهدًا حيًا على فن مازال قادرًا أن يدهشنا ويلهمنا، ويثبت للعالم أن مصر ستظل دائمًا منبعًا للجمال، ومعملًا لإنتاج رموز الخلود، وواحدة من أرقى المدارس الفنية التي عرفتها الإنسانية إلى اليوم.

مع خالص تقديرى
د/شيماء المتعب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى