سلسلة أسماء الله الحسنى .. الملك .. هو النافذ الامر فى ملكه

كتبت سوزان مرمر

روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِن لِلهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ»

ومن أسماء الله الحسنى التي وردت في الكتاب والسنة الملك، والمالك، والمليك، وقد ورد ذكر الملك في عدة مواضع، قال تعالى: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114]، وقال تعالى: ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [الجمعة: 1]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1، 2]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر: 16]، وقد ورد ذكر المليك مرة واحدة، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54، 55]، وقد ورد ذكر اسم المالك مرتين في قوله تعالى: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]، وفي قوله: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 26].

قال الزجاج: وقال أصحاب المعاني: «الملك: النافذ الأمر في ملكه، إذ ليس كل مالك ينفذ أمره أو تصرفه فيما يملِكه، فالملك أعم من المالك، والله تعالى مالك المالكين كلهم، والملاك إنما استفادوا التصرف في أملاكهم من جهته تعالى»

وقال الخطابي رحمه الله: «الملك هو التام الملك الجامع لأصناف المملوكات»

«فأما المالك فهو الخاص الملك».

أما المليك الذي ورد ذكره في قوله تعالى: ﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 55]، قال ابن كثير رحمه الله: «أي: عند الملك العظيم الخالق للأشياء كلها ومقدِّرها، وهو مقتدر على ما يشاء مما يطلبون ويريدون»

وقال ابن القيم رحمه الله: «إن حقيقة الملك إنما تتم بالعطاء والمنع والإكرام والإهانة والإثابة والعقوبة، والغضب والرضا والتولية والعزل، وإعزاز من يليق به العز وإذلال من يليق به الذل؛ قال تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 26، 27]، وقال تعالى: ﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29]، يغفر ذنبًا ويفرج كربًا، ويكشف غمًّا وينصر مظلومًا، ويأخذ ظالِمًا، ويفك عانيًا، ويغني فقيرًا، ويجبر كسيرًا، ويشفي مريضًا، ويقيل عثرة ويستر عورة، ويعز ذليلًا، ويذل عزيزًا، ويعطي سائلًا، ويذهب بدولة، ويأتي بأخرى، ويداول الأيام بين الناس، ويرفع أقوامًا، ويضع آخرين، يسوق المقادير التي قدرها قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام إلى مواقيتها، فلا يتقدَّم شيءٍ منها ولا يتأخر، بل كل منها قد أحصاه كما أحصاه كتابه وجرى به قلمه، ونفذ حكمه، وسبق به علمه، فهو المتصرف في الممالك كلها وحده، تصرف ملك قادر قاهر عادل رحيم تام الملك، لا ينازعه في ملكه منازع، ولا يعارضه فيه معارضٌ، فتصرفه في المملكة دائر بين العدل والإحسان، والحكمة والمصلحة والرحمة، فلا يخرج تصرفه عن ذلك .

من آثار الإيمان بهذا الأسماء:

1- تفرد الله تعالى بالملك لا شريك له دليل ظاهر على وجوب إفراده وحده بالعبادة، قال تعالى: ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [الزمر: 6] وقال تعالى: ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ [المؤمنون: 116]

وأن عبادة من سواه ممن لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا ولا حياة ولا موتًا ولا نشورًا أعظم الضلال، قال تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67].

2- اختصاصه تعالى بالملك يوم القيامة؛ قال تعالى: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]، إنما اختص الله نفسه بأنه مالك يوم الدين مع أنه مالك الدنيا والآخرة لأمرين اثنين:

(أ) أن الله يبدل الأرض في ذلك اليوم غير الأرض والسماوات غير السماوات، كما قال تعالى: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [إبراهيم: 48].

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى