” بالتي هى أحسن ” خطبة اليوم الجمعة الموحدة من وزارة الاوقاف

كتبت سوزان مرمر
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن (ادفع بالتي هي أحسن) قاعدة قرآنية، وأساس تربوي، وأسلوب رفيع في التعامل مع الآخر، خاصة في مواطن الخلاف والإساءة، وهو سلوك قائم على الاستجابة للأمر الإلهي والتوجيه النبوي، وليس مجرد رد فعل عاطفي نستجلب به رضا الآخرين فحسب.
والمتأمل في صفحات الكون يدرك أن الاختلاف سنة إلهية، وآية كونية، تدل عليها شواهدُ التفكر في اختلاف الليل والنهار، وتنوع ما تُنبتُه الأرضُ من زروع وثمار، وقد قرر هذا كلَّه القرآنُ الكريم، كما قرر أيضًا أن من آيات الله تعالى في الخلق؛ اختلافَ ألسنتهم وألوانهم، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: ٢٢].
وأخبر عن اختلافهم في الإيمان بالله ورسله فقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود: ١١٨-١١٩]، فالناس يختلفون ليس في صورهم، وألسنتهم، بل حتى في عقائدهم وأفكارهم.
وقد يتحول الاختلاف الذي هو سنة كونية إلى خلق مذموم، وسلوك مرفوض، وذلك حسب الدوافع والأسباب والآثار والنتائج التي تترتب عليه.
وهنا يضع الإسلام مبدأ (بالتي هي أحسن) لتكون منهجا ربانيا أساسه الاحترام واستيعاب الآخر، يسود من خلاله الوئام وتُجتنب مواطن الفرقة والخلاف. وبيان هذا من خلال عدة أمور:
الاختلاف في الرأي قد يكون محمودًا وقد يكون مذمومًا
الاختلاف نوعان:
اختلافُ تنوُّعٍ: وهو الذي يتمثل في الأقوال المتعددة التي لا تضاد ولا تناقض بينها في المجمل، وإنما تصب في معِين واحد، وهذا ما يعرف ب “الخلاف اللفظي”، وهو غالب نتاج الشريعة الغراء، وما تمخض عن أقوال الفقهاء والعلماء على اختلاف مشاربهم.
وهذا الاختلاف ليس مذمومًا إذا روعي فيه حدود الأدب والأخلاق، فهو نتيجة الاجتهاد، وتفاوت الأفهام في مسائل متفاوتة بل إن صاحبه مأجور إذا كان من أهل العلم؛ فعَنْ سيدنا عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:«إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ» [متفق عليه].
هذا الاختلاف يقود إلى النجاح، وتُثمر عنه الإنجازات، ولا يفسد للود قضية، وتُحفظ فيه الحقوق، وتُصان فيه الأعراض؛ ولهذا صنف رجل كتابًا في “الاختلاف”، فقال الإمام أحمد بن حنبل: لا تسمِّه “الاختلاف”، ولكن سمِّه “السعة”.
اختلافُ تضادٍ: وهو الأقوال والآراء المتضادة أو المتناقضة التي لا يمكن الجمع بينها وبين قواعد الشريعة ومقاصدها، كمن ينكر أمرًا متفقًا عليه، أو عبادة مجمعًا عليها، فهذا النوع لا يمكن أن يجري فيه الخلاف؛ لأن الشرع فيه محكم، قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢]، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤].