لماذا أعاد الرئيس مشروع قانون الإجراءات الجنائية؟

بقلم: الباحث / بدر خالد السيد – باحث في الشأن القانوني

بين مطرقة الإصلاح القانوني وسندان الضمانات الحقوقية، يقف مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد في مصر عند مفترق طرق.
مشروع طموح طال انتظاره منذ عقود، كان من المفترض أن يُحدث نقلة نوعية في العدالة الجنائية، لكنه عاد مؤخرًا إلى البرلمان بعد اعتراض رئاسي على ثماني مواد فقط من بين أكثر من خمسمائة مادة، وهو ما فتح بابًا واسعًا للنقاش بين رجال القانون والشارع المصري على السواء.

قانون ينتظر منذ نصف قرن !!!
قانون الإجراءات الجنائية المصري ظل على حاله لعقود طويلة دون تطوير جوهري، رغم التحولات الاجتماعية والتكنولوجية التي شهدها المجتمع.
وجاء المشروع الجديد كمحاولة لإحداث ثورة تشريعية تتماشى مع روح الدستور، وتوازن بين حقوق المتهم وواجبات المجتمع في تحقيق العدالة.
تضمن المشروع العديد من النقاط الإيجابية، منها:
• توسيع بدائل الحبس الاحتياطي كالإقامة الجبرية والمراقبة الإلكترونية.
• تسهيل إجراءات التقاضي وتسريع الفصل في القضايا.
• تعزيز حماية الشهود والمبلغين.
• إتاحة المحاكمات عن بُعد باستخدام الوسائل الإلكترونية الحديثة.
• تحسين ضمانات حق الدفاع للمتهمين في مراحل التحقيق والمحاكمة.

تفاصيل الاعتراض الرئاسي
رغم الإشادة الواسعة بالمشروع، أرسل الرئيس عبد الفتاح السيسي خطابًا رسميًا لمجلس النواب يعيد فيه القانون لمراجعة ثماني مواد محددة فقط.
وهو ما يؤكد أن الاعتراض لم يكن رفضًا للمشروع، بل حرصًا على دقّة الصياغة وضمان التوازن بين الأمن والحقوق.
وتشمل المواد المعترَض عليها بحسب ما ورد في المصادر الرسمية:
رقم المادة موضوع الاعتراض الملاحظة الرئيسية
48 تعريف “حالات الخطر” غموض في التحديد القانوني.
105 استجواب المتهم بدون حضور محامٍ تحتاج ضوابط أدق لتفادي الإخلال بحق الدفاع.
112 مدة الحجز قبل الاستجواب ضرورة تحديد حد أقصى زمني واضح.
114 بدائل الحبس الاحتياطي وجوب توسيعها وتحديد شروطها.
123 عرض المتهم على النائب العام كل 90 يومًا مراجعة دورية لضمان العدالة.
231 الإعلان الإلكتروني ضرورة وجود بديل تقليدي عند تعطل النظام.
411 استئناف المتهم المتغيب إعادة تنظيم لضمان حق المرافعة.
اعتراض أم مراجعة ؟
بحسب فقهاء القانون، ما حدث ليس رفضًا سياسيًا بل ممارسة دستورية طبيعية.
فالدستور المصري يمنح رئيس الجمهورية حق إعادة القوانين للبرلمان في حال وجود ملاحظات جوهرية على بعض النصوص.
وبالتالي، فهذه الخطوة تعزز الدور المؤسسي والتشاركي في صناعة التشريع، ولا تُعد عرقلة لمسار الإصلاح.
قراءة في الدلالات
1. حرص على الضمانات الحقوقية:
الاعتراض ركّز على المواد التي تمس الحريات الشخصية وحق الدفاع، ما يعكس توجهًا نحو حماية المواطن من أي تطبيق فضفاض للقانون.
2. التوازن بين الأمن والعدالة:
الدولة لا تريد قانونًا يقيّد الأجهزة الأمنية، لكنها أيضًا لا تقبل أن يُساء استخدام السلطة على حساب حرية الأفراد.
3. رسالة سياسية وتشريعية:
أن الإصلاح لا يعني السرعة فقط، بل الدقة أيضًا. فالقانون الذي يُطبّق على الناس يجب أن يكون محكم الصياغة لا يحتمل اللبس أو التأويل.
خلفية سريعة
يُذكر أن مشروع القانون تمت مناقشته على مدار أكثر من خمس سنوات داخل لجنة العدالة التشريعية، وشهد الكثير من الإجتماعات بين ممثلين عن القضاء والنيابة والداخلية والبرلمان.
وكان الهدف منه استبدال القانون الحالي الصادر سنة 1950، والذي لم يعد يواكب التطورات الدستورية الحديثة.
في الختام
ما جرى لا يُعد تراجعًا عن الإصلاح، بل خطوة تصحيحية ضرورية في طريق بناء عدالة حقيقية.
فالعدالة لا تتحقق بالنوايا، بل بالنصوص المحكمة والتطبيق المنضبط.
وإذا كانت إعادة النظر في ثماني مواد فقط ستجعل القانون أكثر عدلاً ودقة،
فإنها بلا شك إعادة تصويب لمسار العدالة لا توقفها.
<< وفي النهاية، سيظل تطوير المنظومة الجنائية أحد أعمدة الجمهورية الجديدة،
حيث تكون الكرامة الإنسانية هي نقطة البداية والنهاية لأي نص قانوني. >>

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى