حين يتكلم الصمت

بقلم : د/ بسمة خالد

هناك لحظة لا يُعلن عنها أحد، لكنها تُشبه الهدوء الذي يسبق الغياب.

لحظة تدرك فيها أن الكلام لم يَعُد يُجدي، وأن التبرير أصبح عبثًا، وأن أكثر ما تريده هو أن تصمت فقط لتنجو من الإنهاك.

أحيانًا لا تنتهي العلاقات بالصراخ أو الخلافات، وإنما تنتهي بصمتٍ ثقيل، بصمتٍ يحمل في داخله كل الخيبات التي لم تُقال، وكل المرات التي حاولت فيها أن تشرح ولم يُفهَمك أحد.

تبدأ الحكاية بمحاولات مستمرة للفهم، بالحديث، وبمحاولة تبرير المواقف. لكن شيئًا فشيئًا، يتحوّل الكلام إلى صمت، والاهتمام إلى لا مبالاة، لأن التعب لا يأتي فجأة هو يتراكم بصمت حتى يصبح أكبر من طاقتك على الاحتمال.

عندما تصل لتلك المرحلة التي لا تجد فيها رغبة حتى في قول “أنا زعلان”، فاعلم أن الصبر قد وصل إلى نهايته. لم تعد تبحث عن تبرير، ولا تنتظر تغييرًا، ولا تملك طاقة للشرح من جديد. يصبح الصمت هو الرد الوحيد، لأنه أصدق من أي حديث، وأعمق من أي تبرير.

الصمت هنا ليس قسوة، وإنما حماية للنفس من مزيدٍ من الإنهاك. هو إعلان غير معلن بأنك حاولت بما يكفي، وأنك لم تعد تملك ما تُقدّمه سوى الانسحاب الهادئ.

والغريب أن هذا الصمت قد يكون أكثر وجعًا من الغضب نفسه، لأنه لا يعني اللامبالاة كما يظن البعض، وإنما يعني أنك وصلت إلى أقصى طاقتك العاطفية، وأنك اخترت السلام الداخلي على الاستمرار في معركة لا تنتهي. أحيانًا، يكون أقوى رد هو ألا ترد، وأعمق حب هو أن تختار نفسك حين تُستنزف من أجل الآخرين.

وفي النهاية، لا أحد يرحل فجأة، ولا أحد يصمت دون سبب. هناك دائمًا قصة طويلة من الخذلان خلف كل هدوءٍ غريب، وصبرٍ لم يَعُد قادرًا على الاحتمال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى