عامان من اللهب .. غزة بين رماد الحرب وصفقات السلام المؤجلة

كتب- محمد عبد الصبور
مرَّ عامان على اندلاع الحرب التي قلبت موازين الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي رأسًا على عقب.
منذ السابع من أكتوبر 2023، حين دوّت الصواريخ الأولى واشتعلت غزة، لم تهدأ الأرض تحت أقدام الملايين، ولم يعد المشهد كما كان. تحولت الحرب من مواجهة عسكرية محدودة إلى صراع شامل أعاد تشكيل خريطة المنطقة سياسيًا وإنسانيًا، وترك خلفه ما يشبه الإبادة العمرانية والاجتماعية.
اليوم، وبعد مرور عامين كاملين، تقف غزة بين الركام والرماد، بينما تبقى صفقات التهدئة المتكررة مجرد وعود مؤجلة في طريقٍ طويل من الألم.
الصفقات الفاشلة .. هدنة تولد وتموت في اليوم نفسه
مع بداية عام 2025، هلّل العالم لصفقةٍ وصفت بأنها “الأمل الأخير لإنهاء الحرب”، بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة.
الصفقة تضمنت ثلاث مراحل: وقف إطلاق نار مؤقت، تبادل أسرى، ثم انسحاب تدريجي وبداية الإعمار.
لكنها لم تُنفذ إلا في حدودها الدنيا؛ فالقصف لم يتوقف تمامًا، والمفاوضات توقفت عند المرحلة الأولى، بعد أن اختلف الطرفان على شروط الانسحاب الكامل وضمانات رفع الحصار.
هكذا وُلدت الهدنة ميتة، مثل غيرها من عشرات الاتفاقات السابقة التي تُوقّع على الورق ثم تتبدد تحت القنابل.
لقد تحولت “الصفقات” إلى وقفٍ مؤقت للقتال لا أكثر، بينما تستمر الحرب بأشكال جديدة — حرب الغذاء والماء والدواء والتهجير.
أرقام الكارثة .. حين يتحول الوطن إلى ركام
خسائر الحرب فادحة إلى حد لا تُقاس فيه المآسي بالأرقام وحدها، لكن الأرقام تظل شاهدًا قاسيًا:
أكثر من 66 ألف قتيل فلسطيني،
نحو 170 ألف جريح،
تدمير ما يزيد على 190 ألف مبنى، بينها أكثر من 100 ألف منزل أُزيلت من الوجود،
ودمار يطال 92٪ من المساكن في القطاع بحسب تقارير الأمم المتحدة والأونروا.
في الجنوب، رفح الفلسطينية كانت الملجأ الأخير قبل أن تتحول إلى ساحة خراب.
من أبريل إلى يوليو 2025 فقط، تضاعف عدد المباني المدمرة من 15 ألفًا إلى أكثر من 28 ألف مبنى، بينما نزح عنها نحو 800 ألف شخص في واحدة من أكبر موجات النزوح بتاريخ غزة الحديث.
رفح اليوم لم تعد مدينة؛ إنها رمزٌ لمعنى “التهجير القسري”، حيث تلاشت الشوارع والمنازل والمدارس والمستشفيات، وبقي الناس في العراء ينتظرون معجزة أو هدنة حقيقية لا تتبخر مع أول فجر.