النائبة أميرة أبو شقة تكتب: استغاثة الى السيد الرئيس

عندما يلجأ المواطن بشكواه أو استغاثته إلى السيد رئيس الجمهورية، فإن ذلك يعني أنه ضاقت به السُّبُل، واُغلقت الأبواب في وجهه، وتهشمت كرامته على عتبات المسؤولين!
بكل أسف، لم يعد المواطن الآن، يذهب بشكواه إلى المسؤول المعنيّ، لأنه يعرف أنه غير متاح، أو خارج نطاق الخدمة، كما لا يطرق باب الوزارة أو الحيّ أو المجلس المحلي، حتى لا يعكر مزاج السادة المسؤولين، أو يقلق راحتهم بالإزعاج!
ربما أدرك المواطن أن عليه اختصار الطريق ـ نظرًا لغلاء أجرة المواصلات ـ ليُخرج هاتفه، ويفتح الكاميرا، ويبدأ تصوير فيديو قصير ومؤثر تحت عنوان: «استغاثة إلى السيد رئيس الجمهورية”»!
لذلك أصبح مألوفًا أن يتجاوز المواطن طوابير المكاتب الحكومية، متخطيًا كافة الحلقات الإدارية، ليخاطب رأس الدولة مباشرة ـ في كل صغيرة وكبيرة ـ وكأنه لم يعُد في البلاد إلا مؤسسة واحدة فاعلة، وشخص واحد مسؤول، وصوت واحد يستجيب!
لم يعد غريبًا أن نجد على كافة مِنَصَّات التواصل الاجتماعي استغاثات «على كل شكل ولون»، غالبيتها مقاطع فيديو قصيرة، كلها «استغاثة إلى السيد الرئيس»، كما أصبح مألوفًا أن ترى شابًّا يتوسل في بث مباشر، أو سيدة تبكي بحرقة أمام كاميرا هاتفها، ترجوه أن يتدخل، أن يُنصف، أن يأمر، أن ينهي معاناتها مع موظف، أو حي، أو قرار إداري ظالم، أو حتى خصومة عائلية!!
للأسف، قد تكون المشكلة صغيرة جدًا، أو متناهية الصِّغر، يمكن أن تجد حلها الطبيعي بسهولة، في مكاتب كبار المسؤولين وصغار الموظفين، لكن التعقيدات الإدارية والبيروقراطية ـ التي اعتادها المواطن ـ جعلته يفقد ثقته في كل ما هو دون الرئيس!
لقد أصبحنا أمام مشهد عبثي، أن تُلقى كافة الأعباء على السيد رئيس الجمهورية، ليتلقى الشكاوى ـ على اختلاف أنواعها ـ بعيدًا عن منطق دولة المؤسسات، حتى بات الأمر واقعًا يتكرر كل يوم، دون أن يتحرك حياء المسؤولين التنفيذيين، أو ترتجَّ له كراسي الوزراء والمحافظين ونوابهم وموظفيهم!
نتصور أن المأساة ليست فقط أن يلجأ المواطن إلى السيد الرئيس، بل في تباطؤ وتقاعس الجهات التنفيذية المختصة، التي لا تتحرك غالبًا إلا عندما يأتي الأمر من «فوق»، بعد أن يعلو الصوت الشعبي وتبدأ حملات «السوشيال ميديا»، فتهرول الوزارات لإصدار البيانات وسرعة الاستجابة، ويظهر الجميع في صورة المنقِذين!
هكذا تبدو الدولة أمام المواطنين: كيان معطل لا يعمل إلا بـ«التعليمات»، ومؤسسات وإدارات لا تتحرك إلا إذا جاء الأمر موقَّعًا من «السيد الرئيس»… وحين تكون النتيجة أن آلاف المواطنين يوميًا يكتبون، ويستغيثون بأعلى مقام، فإننا لا نتحدث عن مشاعر حب أو ثقة موجودة بالفعل في القيادة، بل عن انعدام شبه تام للثقة في المسؤولين التنفيذيين، وقناعة عميقة لدى الناس بأن طريق العدالة والخدمة والحق، يمر فقط من باب القصر الجمهوري!
ولئن كانت بعض تلك النداءات نابعة من مظالم حقيقية، فإن بعضها الآخر لا يخلو من المبالغة، أو الابتزاز العاطفي، أو استدرار الشفقة، لأن الناس فهمت، بالفطرة، أن هذا الأسلوب هو الأسرع تأثيرًا، وأن «الفيديو المؤثر» أقوى من أية شكاوى مكتوبة، وأن «البوست المتداول» أبلغ من التقارير الرسمية!
هنا نصل إلى مفارقة مؤلمة: كلما تدخل السيد الرئيس في تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين، ازداد إعجاب الناس به، وازداد ضعف السُّلطة التنفيذية… وكلما أثنى المواطنون على سرعة استجابة القيادة، ازداد يقينهم بأن لا جدوى من باقي الهياكل الإدارية!
أخيرًا.. من المفترض أننا في دولة مؤسسات لا تحتكم إلى الاستغاثات الفردية، ولا تُدار بحملات الضغط العاطفي، ولا تنتظر الأمر المباشر من الأعلى كي تفتح بابًا أو تنصف مريضًا أو تنقل موظفًا، لذلك يجب أن تُدار الوزارات والمؤسسات بلوائح واضحة، وهياكل فاعلة، وقنوات مفتوحة دون مناشدة، حتى يثق المواطن في أن حقه سيأتيه دون صراخ، وأن العدل لا يحتاج إلى فيديو مؤثر ولا إلى دموع على قارعة «السوشيال ميديا».