في ذكرى الرحيل… إنصافا لعبد الناصر ووفاء للشعب

بقلم – بهجت العبيدي كاتب ومفكر مصري يقيم بالنمسا
تحل اليوم ذكرى رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، ذلك الرجل الذي لم يكن مجرد رئيس دولة، بل أصبح رمزا خالدا في ضمير الشعب المصري والعربي. ما زال اسمه حاضرًا بقوة، يتردد في وجدان الملايين، رغم محاولات البعض للنيل منه أو طمس إنجازاته.
ومن المفارقات أن كثيرا من هؤلاء الذين يرفعون أصواتهم اليوم بالنقد والإنكار، هم أنفسهم – أو آباؤهم وأجدادهم – من أكثر المستفيدين من القوانين التي سنها عبد الناصر، سواء عبر الإصلاح الزراعي الذي حرر الفلاح المصري من استعباد الإقطاع، أو عبر مجانية التعليم التي فتحت أبواب الجامعات لأبناء الفقراء والبسطاء، فأصبح منهم أساتذة وأطباء ومهندسون وقضاة وقيادات في الدولة والمجتمع. إنها مفارقة تكشف عن عمق أثر الرجل الذي غيّر وجه الحياة المصرية، رغم كل ما يمكن أن يقال عن سلبيات أو أخطاء.
يحاول بعض الكُتّاب وآخرون من أبناء الشعب اليوم تصوير العهد الملكي وكأنه “الفردوس المفقود”، يحنّون إلى زمن كان – بحسب وصفهم – أرقى وأنقى، وكأن مصر كانت واحة من الرفاهية. لكن الحقيقة التاريخية تختلف كثيرا عن هذه الصورة المصنوعة. فمعظم المصريين آنذاك عاشوا في قحط العيش، يكدحون في الحقول والورش بأجر زهيد لا يكفي لقوت يومهم.
أما تلك الصور الملونة التي تُنشر اليوم، فكانت تنتمي إلى الأحياء الراقية التي سكنها الأثرياء، مثلما نرى اليوم في بعض المناطق الثرية بالقاهرة أو الإسكندرية أو المدن الجديدة بمبانيها الفارهة وتخطيطها الحديث، حيث تتفوق تلك المباني وأسواق تلك المدن الجديدة على أرقى المدن الأوروبية. فهل يمكن للأجيال القادمة أن تقدم تلك المشاهد المحدودة على أنها تمثل كل الوطن، بينما ملايين المصريين ما زالوا يعانون في أحياء وقرى أخرى؟
إن الإنصاف يقتضي الاعتراف بأن عهد عبد الناصر، رغم ما حمله من إنجازات كبرى، لم يكن معصوما من الأخطاء؛ فقد شهد قرارات أحدثت تحولات جذرية في حياة الشعب، وفي الوقت نفسه صدرت فيه قرارات وسياسات اختلف الناس حولها.
وهذا أمر طبيعي في مسيرة أي قائد، إذ لم يعرف التاريخ حاكما كان كل ما قام به صوابا مطلقا. ومع ذلك تبقى الحقيقة أن عبد الناصر وضع أسس العدالة الاجتماعية، واستعاد كرامة المصري أمام نفسه وأمام العالم، وأعاد للعرب شعور الوحدة والمصير المشترك، حتى صار اسمه مرتبطا بالتحرر الوطني ومقاومة الاستعمار.
لذلك تبقى ذكرى عبد الناصر شاهدا على أن الزعيم يُقاس بما تركه من أثر في وجدان شعبه، لا بما يحاول خصومه – أو حتى المنتفعون من عهده – إلصاقه به من اتهامات. لقد عاش عبد الناصر لمصر والعروبة، وظل مخلصا لقضية الفقراء، ولهذا سيبقى في القلوب حيًّا مهما مرّت السنين