مأمون الشناوي يقدم لكم: دعوة على كوب لبن !!

علي مدار رحلة طويلة امتدت لسنوات ، حرصت فيها أن أقدم كوباً من اللبن الطازج فجر كل يوم ، دون انقطاع ، لأصدقائي وأحبتي ، وعن طيب خاطر ، وصفاء نية ، ودونما سعيّ إلي مجد أو شهرة أو مكسب مادي !!.

وتعاملت مع الأمر علي أنه التزام أخلاقي ، ودين أسدده ، وزكاة علم ومعرفة ، وعقد بيني وبينهم ، وميثاق غليظ لامجال للفكاك منه ، مهما كانت الذرائع والحجج والظروف ، وهي مهمة شاقة وصعبة ، خاصة في هذا العمر المتقدم ، والذي تتقلب فيه الصحة كما يتقلب طقس أمشير !!.

لكن هذا الحب الذي أحاطني به أصدقائي ، كان هو الشرارة التي تشحن روحي كلما يئست ، وهو الضوء الذي يتقد في حنايا نفسي كلما تقاعست ، فتنهض مثل طائر العنقاء أكثر حماسة وهمة !!.

ويحضرني هنا زعيم الأمة { سعد باشا زغلول } ، وقد تقدم به العمر ، وتمكن المرض من جسده النحيل ، وفي أحد احتفالات حزب الوفد ، حملوه لكيّ يحضر فقط ، وأجلسوه علي كرسي مُمسكاً بعصاته وهو يتنفس بصعوبة بالغة ، وعندما رأته الجماهير ضجت القاعة بالتصفيق والهتاف ، صارخين ( عايزين سعد ) ، فرمي سعد باشا عصاته ، وانتفض كالمارد ، وهبَ واقفاً مُتجهاً صوب المنصة ، وألقي واحداً من أعظم خطاباته بلاغة وثورية !!.

وغالباً ما كان يحلو لي في درب الرحلة الطويلة ، مراجعة تعليقات الأصدقاء والمتابعين بين الحين والآخر ، فأضحك تارة ، وأفرح كثيراً ، وأمتعض قليلاً ، وأحزن وأغضب نادراً !!.

وبعيداً عن الإطراء والثناء الذي يخجلني ، إلي حد عدم إكمال قراءته ، وبعيداً أيضاً عن الوقاحات والتجاوزات التي أتعثر فيها ، كما تتعثر قدماك في الحجارة والحصي ، فإن هناك تعليقات اتسمت بالظرف والتلقائية اللذيذة !!.

مثال ذلك صديقي الذي كتب ( إنت كويس .. معقول .. تمشي ) وتأكدت شكوكي حين رجعت إلي صفحته ، وعرفت أنه مدرس لغة عربية ، ظن أنه يصحح موضوع تعبير لأحد تلاميذه في فصل تالتة أول !!.

وهذا الصديق الذي كتب ( إنت ماشاء الله صحتك تبدو كويسه.. وأصغر من سنك ) ثم عرفت أنه طبيب تخسيس !!.

وأحدهم ترك موضوع المقال الذي كان عن الحب ، وراح يشتم في الحكومة ، ويشكو ارتفاع أسعار البطاطس والبصل !!.
أما أكثرهم تفكها ولذاذة ، ذلك الذي كتب ( هو أنت مش ميّت .. طيب بتكتب ازاي ) ، وقد اختلط عليه الأمر ، فظن أنني شاعرنا الراحل العظيم مأمون الشناوى !!.

وقد ذكرني بمتسابق في حفظ القرآن الكريم ، يقرأ أمام اللجنة الآية الكريمة [ وخر عليهم السقف من فوقهم .. قرأها من تحتهم ] ، فقال له الشيخ : ( يعني انت مش حافظ ، طيب مَيّز ، خر عليهم السقف ، هو السقف فين ، من فوقهم واللا من تحتهم ) !!.

وذات سهرة ، كان الشيخ { مصطفى إسماعيل } ، يتناول عشاءه قبل أن يبدأ تلاوته في أحد المآتم ، وبعد انتهائه من طعامه ، قال لمن حوله : ( فين الحلوّ ياولاد ) ، فرد واحد من المتفزلكين ، وما أكثرهم في تلك المناسبات : ( حلوّ إيه يامولانا ، إحنا في مَيّتم ) ، فقال له الشيخ : ( وهو أنا بروح أفراح ياحمار ) !!.

يبدو أنني أطلت عليكم ، علي غير عادتي ، أصدقائي الأعزاء ، لكنها دردشة تعمدتها ، في هذا الصباح المُبهج ، ربما تُخرجنا من الأجواء القاتمة ، والتي تكبس علي أنفاسنا ، وتحاصرنا ، ومن كابوس الأخبار التي تطاردنا كالأشباح في صحونا وفي نومنا ، فنريح أنفسنا قليلاً في تلك الأيام الثقيلة علي عقولنا وأرواحنا !!.

دمتم ، ودام حضوركم البهيّ ، ومَحفلكم الثريّ ، ومُنتداكم العامر بالخير والحب والجمال ، ودامت مودتنا ، ودام صباحكم الطيب !!.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى