مأمون الشناوي يكتب:  تمام يامصيلحي .. تمام يافندم !!

 

ومصيلحي هو حلاق الصحة ، الذي استدعاه أخي الأكبر – يرحمه الله – لكيّ يطهر له جرحه ، ويبدل ضماداته ، بعد جراحة كبيرة أجريت له في بطنه !!.

كان أخي مهندساً زراعياً من الرواد ، في زمن النهضة الزراعية الكبري في الستينيات ، وأيام أن كان المهندس الزراعي يمثل عبد الناصر في مكانه !!.

المهم أن مصيلحي كان كلما اقترب من الجرح ، يتألم أخي ، وهذا طبيعي ، لكن مصيلحي كان ينزعج ويخاف أن يغضب الباشمهندس الكبير ، فيقوم بمسح الجرح ظاهرياً بالمطهر ، ويربطه متعجلاً ، وحتي يتخلص من تلك المهمة المزعجة !!.
وفي كل مرة يقول له أخي : تمام يامصيلحي ، فيرد بثقة : تمام يافندم !!.

حتي فوجئنا بعد عدة أيام ، بوجه أخي يتغير لونه ، ويميل إلي الاصفرار ، ثم راح في غيبوبة مخيفة ، علي وجه السرعة نقلناه إلي المستشفى ، فقال الأطباء بأنها حالة تسمم شديدة ، وأنه كان يمكن أن يفقد حياته بعد ساعات ، لأن كمية ضخمة من الصديد تكونت حول الجرح ، فتلوث ، ثم تسربت إلي باقي الجسم ، فتسمم ، كل هذا لعدم اتقان تطهير الجرح ، رغم أن مصيلحي كان يقول في كل مرة : تمام يافندم !!.

وعندما طلبت المخابرات المصرية من رأفت الهجان ، أن يجند معه عميلاً اسرائيلياً ، يعتمد عليه ويثق به ، رشح لهم صديقة له ، كانت دائمة النقد للحكومة الإسرائيلية ، ودائمة المعارضة لتصرفاتها ، ظناً منه أن هذا النقد يخفي وراءه نفساً كارهة لإسرائيل ، فنهره ضابط المخابرات المصري ، وأفهمه بأن هذه التي تنتقد الحكومة الإسرائيلية وتهاجمها بضراوة ، هي من أكثر الناس حباً لإسرائيل ، وانتماء لها ، ويستحيل تجنيدها ، لأنها – بمعارضتها ونقدها – تسعي لأن تكون بلدها أفضل وأكثر تقدما ، فمن السهل خيانة المنتفعين ، لكنه من المستحيل أن يخون معارض بلده !!.

فياكل مصيلحي ، يغضب من نقدنا ونقد غيرنا لسلوكيات الحكومة ، ومعارضتنا الحادة والجادة للكثير من تصرفاتها ، ويشهر سيف اتهاماته في وجهنا ، ويزايد علي وطنيتنا ، عليك أن تعلم بأن هذا النقد هو قمة الوطنية والولاء والانتماء ، والحب والصدق والإخلاص ، وأنه سعيّ دؤوب لأن تصبح بلادنا أرقي وأعظم ، وأن تحتل مكانها الذي تستحق بين الأمم ، وما يضيعها سوي ( تمام يافندم ) ، فيظل الصديد يتراكم علي الجرح ، حتي يسمم الجسد كله ، ويوشك علي الهلاك ، لاقدر الله !!.
فهمت يامصيلحي !!.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى