د.أحمد شندي يكتب: المثلث العربي: قطر والسعودية والإمارات وصناعة القرار

 

في خضم التحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة العربية والشرق الأوسط، يبرز ما يمكن تسميته بـ”المثلث العربي” المكوَّن من السعودية وقطر والإمارات، كأحد أهم المحاور الجيوسياسية والاقتصادية المؤثرة في رسم ملامح المستقبل الإقليمي. هذه الدول الثلاث، رغم خصوصية كل منها في السياسات والمواقف، تتقاطع في المصالح والرؤى الكبرى، مما يجعلها حجر أساس في استقرار المنطقة.

قوة اقتصادية متكاملة

يتميز هذا التحالف بثقل اقتصادي كبير:
– السعودية، أكبر اقتصاد في العالم العربي، تلعب دوراً محورياً في سوق الطاقة العالمي من خلال “أوبك+”، وتتبنى رؤية 2030 الطموحة للتحول الاقتصادي.
– الإمارات، بفضل دبي وأبوظبي، تمثل نموذجاً في التنوع الاقتصادي والانفتاح المالي والسياحي، وتُعد مركزاً لوجستياً وتجاريًا إقليميًا.
– قطر، رغم مساحتها الصغيرة، تملك واحداً من أقوى اقتصادات الغاز في العالم، وتدير استثمارات سيادية عالمية مؤثرة عبر صندوقها السيادي.

*نقد الرأي العالمي حول المثلث العربي (السعودية – الإمارات – قطر) وتأثير إسرائيل والولايات المتحدة عليه:

رغم بروز السعودية وقطر والإمارات كقوى إقليمية صاعدة، فإن الرأي العالمي – وخاصة في الأوساط السياسية الغربية – غالباً ما يُوجّه نقداً مزدوجاً لأدوار هذه الدول، ويُشكّك في مدى استقلالية قرارها السياسي في ظل العلاقات المعقدة مع الولايات المتحدة و*إسرائيل*، خصوصاً بعد تطورات ما بعد “اتفاقات إبراهام” وتزايد النفوذ الأمني والاقتصادي الخارجي في المنطقة.

1. الهيمنة الأمريكية و”التحالف الاستراتيجي” المشروط

الولايات المتحدة تظل الشريك الأمني والعسكري الأول للدول الثلاث، ما يثير جدلاً حول:

– مدى استقلال القرار الخليجي: يرى محللون غربيون أن كثيراً من التحولات الكبرى في السياسة الخليجية (مثل المصالحة الخليجية، أو الانفتاح على إسرائيل، أو تهدئة الخلاف مع إيران) جاءت بضغوط أو بترتيب أمريكي.
– التحالف مقابل الحماية: لا يزال الخطاب الأمريكي يُلمّح إلى أن بقاء الدعم العسكري مشروط بالتوافق مع السياسة الأمريكية، خصوصاً في ملفات مثل الطاقة، حقوق الإنسان، والتطبيع.

النقد: بعض المراقبين يعتبرون أن الدول الثلاث ما زالت “مناورة” وليست “مستقلة”، بل تتبع أحياناً خططاً أمريكية لتأمين مصالح واشنطن في الخليج والشرق الأوسط.

2- النفوذ الإسرائيلي بعد اتفاقات إبراهام ازداد بشكل ملحوظ على عدة مستويات، سواء سياسيًا أو اقتصاديًا أو أمنيًا ؛ ومن أبرز ملامح هذا النفوذ:

1. العلاقات السياسية والدبلوماسية
– تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية (الإمارات، البحرين، المغرب، السودان) فتح قنوات دبلوماسية مباشرة، بما في ذلك فتح سفارات وتبادل زيارات رسمية.
– تعزيز شرعية إسرائيل الإقليمية بعد سنوات من العزلة السياسية في المنطقة العربية.

2. التعاون الأمني والاستخباراتي
– تنامت الشراكات الأمنية بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية، خصوصًا في مجالات مكافحة الإرهاب و*مراقبة إيران*.
– ظهور تقارير عن التعاون في مجال التكنولوجيا الأمنية، مثل برامج التجسس (بيغاسوس كمثال) وتقنيات المراقبة.

3. العلاقات الاقتصادية والتجارية
– توقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية بمليارات الدولارات، خصوصًا مع الإمارات، في مجالات:
– الزراعة والتكنولوجيا
– الطاقة (بما في ذلك مشاريع مشتركة في الغاز والمياه)
– السياحة والرحلات الجوية المباشرة

4. النفوذ الثقافي والإعلامي
– محاولات لإعادة صياغة صورة إسرائيل في الإعلام العربي الرسمي وشبه الرسمي.
– دعم خطاب “السلام الإقليمي” و”مواجهة التهديدات المشتركة” على حساب القضية الفلسطينية.

5. انعكاسات على القضية الفلسطينية
– تراجع واضح لمركزية القضية الفلسطينية في الخطاب العربي الرسمي.
– شعور فلسطيني بـ”الخذلان” من بعض
الدول العربية، واتهامات بـ”تطبيع مجاني”.

بالنسبة العلاقة مع كل دولة من ناحية النفوذ الاستخباراتي الإسرائيلي*:

1. الإمارات العربية المتحدة
العلاقة:
– الإمارات كانت أولى الدول الموقعة على الاتفاق في 2020.
– علاقة استراتيجية في مختلف المجالات، خصوصًا التكنولوجيا، الأمن، والطاقة.

النفوذ الاستخباراتي:
– تعاون وثيق في الأمن السيبراني: شركات إسرائيلية زوّدت الإمارات بتقنيات مراقبة مثل “NSO Group” و*”Candiru”*.
– مشاركة معلومات استخباراتية عن إيران، الحوثيين، وجماعات إسلامية في المنطقة.
– تدريبات ومناورات أمنية مشتركة (بعضها سرّي).

2. البحرين
العلاقة:
– البحرين حليفة وثيقة للسعودية والولايات المتحدة، ووقّعت الاتفاق في نفس توقيت الإمارات.
– التعاون مع إسرائيل يتركز أكثر على الجانب الأمني.

النفوذ الاستخباراتي:
– إسرائيل تعمل عبر التعاون مع الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين لتعزيز مراقبة التحركات البحرية الإيرانية.
– معلومات استخباراتية متبادلة بشأن أنشطة حزب الله وإيران في الخليج.
– برامج تدريب لضباط بحرينيين في مجال مكافحة التجسس.

3. المغرب
العلاقة:
– المغرب طبع علاقاته مقابل اعتراف أمريكي بسيادته على الصحراء الغربية.
– التركيز الأكبر على التعاون الأمني والعسكري.

النفوذ الاستخباراتي:
– المغرب حصل على برنامج بيغاسوس من إسرائيل، ما أثار جدلًا عالميًا بعد استخدامه ضد صحفيين ومعارضين.
– تعاون استخباراتي في مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، خاصة في منطقة الساحل والصحراء.
– زيارات متبادلة بين كبار المسؤولين الأمنيين.

4. السودان
العلاقة:
– الاتفاق تم في إطار ضغوط أمريكية بعد الإطاحة بالبشير.
– العلاقة ما زالت غير مستقرة سياسيًا بسبب الاضطرابات الداخلية.

النفوذ الاستخباراتي:
– محدود نسبيًا بسبب الوضع الداخلي، لكن هناك تقارير عن:
– مساعدات إسرائيلية للسلطات الانتقالية في مراقبة الحركات المسلحة.
– محاولات لإنشاء قنوات استخباراتية خلفية مع عناصر في الجيش السوداني.

نظرة عامة على النفوذ الاستخباراتي الإسرائيلي بعد الاتفاقات:
– إسرائيل تستفيد من مراكز النفوذ الجغرافي لهذه الدول لجمع معلومات عن:
– تحركات إيران في الخليج والبحر الأحمر.
– نشاطات تنظيمات مثل حزب الله، حماس، داعش.
– توسيع بصمتها الاستخباراتية في العالم العربي دون الحاجة للتواجد المباشر داخل أراضي “الخصوم”.
– تكتيك التحالفات الناعمة: إسرائيل لا تسعى فقط لمعلومات، بل لإنشاء شراكات أمنية استراتيجية دائمة.

خلاصة القول:

يشكّل “المثلث العربي” الذي انخرط في اتفاقات إبراهام محورًا جديدًا في الجغرافيا السياسية للمنطقة، حيث أصبح نقطة التقاء للمصالح الإسرائيلية والأمريكية في العالم العربي. هذا التحالف الثلاثي لم يكن وليد اللحظة، بل هو نتاج عقود من التمهيد الدبلوماسي، والضغوط الأمريكية، والتحولات الإقليمية في ميزان القوى.

ولذلك فإن النفوذ الأمريكي-الإسرائيلي جعل من هذا المثلث العربي واجهة لـ”تحالف استراتيجي جديد” يهدف لإعادة تشكيل المنطقة بعيدًا عن مفاهيم الصراع العربي الإسرائيلي التقليدي. لكن هذا التحالف يظل هشًا نسبيًا، نظرًا لتقلبات الشعوب، والرفض الشعبي الواسع للتطبيع، والتغيرات المحتملة في الإدارات الأمريكية مستقبلاً

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى