حين يصمت الجسد تتكلم أوراق الطلاق

بقلم الإعلامية مروة طايل :
تخيل معي غرفة مظلمة، تنبعث من داخلها أصوات تنهيدات مختنقة بين الجدران.
تقترب الأجساد، لكن تتراجع الأرواح.
تتلاقى اليدان بلا نبض، وتختفي الكلمات خلف الصمت.
ثم تسمع صوتًا خافتًا، عميقًا، يهمس من مكانه الدافئ يقول:
أنا السرير… الغريب الأقرب.
أعرف أنفاسكم أكثر مما يعرفها صدوركم، وأحفظ أسراركم أكثر مما تحفظها ذاكرتكم.
رأيت رجالًا يأتون مثقلين بالصمت، ونساء تستديرن بوجوههن إلى الجدار…
سمعت همسات حُب أضاءت الليل، ثم سمعت بعدها صمتًا أشد ظلمة من أي انقطاع كهربائي
سمعت تنهيدات لم تخرج من شغف، بل من ألم الحرمان، ثم برودة موت تتسلل بين جسدين يتظاهر كل منهما بالنوم
وشهدت على أجساد تقترب جسديًا، لكنها تبتعد أرواحاً..
حتى صار اللقاء طقسًا باردًا، بلا حرارة، بلا حياة.
أنا ذلك الذي توقف عن الاهتزاز.
حين مات الشغف، وماتت معه اللغة الوحيدة التي لا تحتاج ترجمة.
وحين تتوقف اللغة، يضيع المعنى، و يتحول الزواج إلى جثة لا يُعلن موتها إلا متأخرًا.
و ينطفىء النور داخلي، و تُضاء قاعات المحاكم بأوراق الطلاق
أنا السرير..
لست مجرد خشب ومسامير.
أنا مرآة أرواحكم.
فإن لم أرتجف بالحب… ستنهار بيوتكم بالصمت !!
“جنازة زوجية”
هناك بيوت لا تهدمها الفقر او الخيانه … بل يسقط سقفها..
حين تذوب الرغبة في الصمت، وتبقى الأجساد بلا لغة، هنا يُولد الموت البطيء للعلاقة
يعتقد البعض بإن الطلاق قد يبدأ من المحكمة… لكن الحقيقة أن أول ورقة طلاق تُكتب فوق مَرتبة باردة.
فالبيوت لا تنهار بالخلافات الكبيرة، بل تنهار حين ينام الزوجان كغريبين. ويخفت الحنين، فلا يبقى في السرير إلا صمت يقتل الروح.
نحن مجتمع يتفنن في إخفاء الحقيقة:
نتحدث عن نسب الطلاق كأرقام صماء، لا تسمع صرخة الوجع المختبئة خلف الجدران. لكننا لا نجرؤ أن نعترف أن الخلل يبدأ من غرفة النوم.
العلاقة التي وُجدت لتروي العطش، صارت تُفاقم الظمأ.
والحضن الذي كان يُفترض أن يكون ملاذًا، تحول إلى زنزانة من الصمت الثقيل..
سرير صامت، كنعش خشبي، يبتلع بين أضلاعه آلاف الزيجات كل عام.
الحكاية ليست عن رجل وامرأة… ولا عن طلاق يُسجل في دفاتر الدولة.
الحكاية عن سرير يُدفن فيه العمر حياً .
و أخطر طلاق يحدث بصمت… حين يتوقف السرير عن الاهتزاز فتسقط البيوت بلا زلزال
“صمت السرير… ورنين الطلاق الخفي”
كل بيت و له سرير.
لكن ليس كل سرير له حياة.
في كل غرفة نوم، سرير شاهد على قصص لم تُروي
هناك سرير يهتز فيضحك، وسرير آخر يئن تحت صمت مكتوم، وسرير ثالث يشيخ قبل أوانه.
فهل نملك الشجاعة لنسأل:
لماذا يخجل الناس من الكلام عن جسد جائع… بينما لا يخجلون من إعلان الطلاق على الملأ؟
أيهما أصدق؟ أن نقول “نعم” أمام المأذون… أم نقولها ليلًا فوق السرير؟
الجواب تعرفه آلاف النساء اللواتي يذرفن دموعًا في صمت، وآلاف الرجال الذين يهربون إلى فراغ الشهوة بدلًا من احتضان دفء واحد.
الجواب يعرفه المجتمع الذي يدفن الحقيقة تحت شعار “العيب”، بينما “العيب” الحقيقي أن نرى البيوت تتهاوى بصمت… ونصمت معها
الملاذ الأخير :
أخبركم بالحقيقه الاخيرة :
الطلاق لا يبدأ من دفتر المأذون… الطلاق يبدأ حين تُطلق الأجساد قبل أن تُطلق الارواح..
لم يكن السرير يومًا قطعة أثاث صامتة.
فهو الشاهد الوحيد على أسرار البيوت، وهو القبر الأول الذي تُدفن فيه المشاعر قبل أن تُدفن العلاقات.
السرير… شاهد أخرس لا يرحم.
يعرف متى مات الحب، ومتى صار الحبيب غريبًا.
يهتز فيُولد عُمر… ويصمت فيُدفن عُمر.
السرير الذي لا يهتز بالحب… يهتز يومًا بالحكم بالطلاق.
والسؤال الذي يطاردنا:
كم بيتًا قائمًا بالحجر… منهارًا بالروح؟