الاعلامية رانا على تكتب:  رجل من عالم آخر

 

بدأت الحكاية بلقاء عابر لم يكن في الحسبان. لم أعرفه من قبل، ولم يعرفني، لكن القدر شاء أن يجمعنا في لحظة بدت وكأنها مرسومة بعناية إلهية، لحظة تحمل بين طياتها رسالة عزاء ورحمة، وكأنها طبطبة من السماء على قلبي المرهق.

بادرتُ بإلقاء التحية، فردّ عليّ بود واحترام يليق بمقامه وسنه. ورغم أني لم أكن في وعيٍ كامل بما أفعل، وجدت نفسي مندفعة للحديث معه، أبوح له بما يثقل صدري عن معاناة والدتي، عن ألمها الجسدي والنفسي، وعن رحلة طويلة من التعب والخذلان.

كان يصغي لي بتركيز نادر، بوجه يفيض بالرحمة وعينين تحملان شعور الأب والمعلم في آنٍ واحد. لم يكتفِ بالاستماع، بل جعل مشكلتي قضيته، وبكرم أخلاقه الرفيعة قدّم لي حلولًا واقعية، ومساندة صادقة، وكأنه يقول لي: أنا معكِ، لستِ وحدك.

الأغرب من كل ذلك أنني شعرت أنه ينتمي إلينا، كأنه فرد من العائلة. كان حاضرًا بكل قلبه، وكأن آلامنا صارت آلامه، ودموعنا دموعه. جعلني أؤمن من جديد أن الخير لا يزال حاضرًا، وأن رحمة الله تسبق قسوة البشر، وأن المستحيل مجرد وهم نصنعه نحن.

لقد غيّر هذا الرجل في داخلي الكثير. منحني الأمل، وأعاد لي يقينًا كنت على وشك أن أفقده: أن الله لا يتركنا أبدًا، وأنه يُرسل إلينا من يذكّرنا بالرحمة حين نكاد ننساها.

تساءلت بعدها: لو أننا قابلنا في حياتنا مزيدًا من هؤلاء الناس الطيبين، كم كان العالم سيغدو أجمل؟ ربما كنا عشنا في مدينة فاضلة، خالية من الشرور والضغائن والأمراض النفسية.

إلى ذلك الرجل الذي جاءني كرسالة سماوية، أقول: شكرًا من قلبي. شكرًا لوعيك، لرقيك، لإنسانيتك، ولطيبة قلبك التي ستظل بصمة مضيئة في حياتي. دعوات أمي ودموعها الغالية بعد كربها هي أوفى دليل على أن الله يحبك، وأن بينك وبينه عمارًا لا ينقطع.

شكرًا لكل القلوب البيضاء التي تضيف للناس نورًا وصفاءً، وشكرًا لك يا رب لأنك ما زلت ترسل إلينا إشاراتك الرحيمة، في هيئة بشر من عالم آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى