من الأقصر إلى الساحل الشمالي

لواء دكتور/ سمير فرج
عرضت في مقالي في الأسبوع الماضي في نفس المكان، قصة كفاح وصداقتي مع رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار، رئيس مجلس إدارة واحدة من أكبر شركات المطورين في العالم العربي، ومقرها دبي. وهو الذي بنى أطول ناطحة سحاب في العالم، “برج خليفة” في دبي، وكيف توطدت علاقتي وصداقتي مع هذا الإنسان الناجح، وكيف أنه قام ببناء 80 منزلًا وجامعًا ومدرسة في مشروع تطوير الأقصر من ماله الخاص تقديرا؛ لأنه أراد أن يشارك في ملحمة تطويرها.
نفذت شركة محمد العبار “إعمار” العديد من المشروعات، في مصر ومن وجهة نظري كان أهمها بناء القرية السياحية على الساحل الشمالي في منطقة فندق العلمين، والتي أطلق عليها “مراسي”. وأعتقد أنه خلال زيارتي لكل مدن العالم، فإن هذا المنتجع السياحي يعتبر من اجمل المنتجعات السياحية ليس في مصر فقط لكن والله في العالم كله.
كانت المفاجأة بالنسبة لي هي المارينا (مراسي اليخوت) داخل هذا المنتجع، والتي تطورت بصورة لا يصدقها عقل، حيث أراها أعظم من أي ميناء يخوت على البحر المتوسط. وبينما كنت أتجول هناك، وجدت نفسي أسير بين الإخوة العرب، ومعظمهم من الإمارات. أي أن محمد العبار نجح في جذب أهالي الإمارات إلى مراسي، حيث يجتمعون جميعًا في المساء في المارينا.
قبل الغروب، وانا اتجول في مرسى اليخوت او المارينا في منتجع مراسي استوقفتني أسرة إماراتية، وقال لي رب الأسرة: “أنا أعرفك، لأني أشاهدك كثيرًا في برامج التليفزيون. يا أخي، كيف يكون لكم هذا البحر الجميل والشواطئ الرائعة والجو الذي لا وجود له في أي مكان، ومع ذلك لا أستطيع أن أجد غرفة في فندق؟ جميع الفنادق محجوزة من شهر يونيو حتى شهر سبتمبر!”.
سألته: “أين نقيم الآن؟”، فقال: “لقد استأجرت قصرًا، في منتجع مراسي انه جميل طبعًا، لكن ليس هو المطلوب. أنا جئت هنا ومعي أسرتي نريد حياة فندقية؛ نصحو صباحًا، نجد الإفطار جاهزًا، ننزل البحر، نعود وكل شيء مرتب. أما هذا القصر، فزوجتي مضطرة للذهاب إلى السوبر ماركت وشراء الاحتياجات، ثم طلب أحد للتنظيف، ثم التفكير في الغداء والعشاء والفطور. نحن هنا لنستمتع، لا لنتحمل أعباء البيت!”.
وأضاف: “والله حرام عليكم يا مصر، تبنون كل هذا الجمال ولا نجد فندقًا! نحن سعداء بالمكان ومصر والمصريين، لكن هذه مشكلة”.
في المساء، جلست في أحد الكافيهات داخل المارينا، حيث التقيت بمجموعة من شباب الإمارات الذين تعرفوا عليّ من خلال شاشات التليفزيون، ودعوني على كوب من القهوة. كان الحديث كله عن مصر وروعة المكان، وقال أحدهم: “إيه الحلاوة دي؟ دي مصر أم الدنيا وحلاوة الدنيا!”.
أجمع الجميع أن معظم أبناء الإمارات هذا العام في مصر، في الساحل الشمالي، وأن الجو هنا أفضل من أوروبا، وأهم شيء هو خفة دم المصريين. “في أوروبا، ينظرون لك كعربي ومعك فلوس فقط، أما هنا فالمصري يقول لك: نورت مصر يا باشا! إنت منين يا باشا؟”.
ولن تجد هذه الوجوه المبتسمة مثل المصريين، ثم يعرضون لك قائمة الطعام ويقولون: “اطلب النوع ده على مسئوليتي، وإذا لم يعجبك فلا تدفع ثمنه”. واستطرد الآخر الإماراتي: “والله لن تجد مثل هذه الحفاوة إلا في مصر”.
وأضاف قائلًا: “أمس، نزلنا متأخرين لندخل الكافيه على الرصيف في الميناء، ولم نجد مكانًا. وفوجئنا بأسرة مصرية
تفسح لنا مكانا لنجلس، ويقولون إنتم ضيوفنا وهنا ضحكت وقلت له إحنا إللي بقينا ضيوف، المدينة الان كلها من أهالي دبي.
واستطرد أحدهم: “صدقني يا أخ سمير، نحن نحاول أن نحجز للصيف القادم، لكن المشكلة أن الفنادق محجوزة بالفعل لعام كامل. نحتاج واسطة زي ما بتقولوا يا مصريين”.
كان الحوار جميلًا واستمر ساعة كاملة في حب مصر وجمال شواطئها، وتطور المكان هناك. وتذكرت أن المشروعات الجديدة على طول الساحل الشمالي حتى مطروح، ستعيد مصر لتكون على رأس السياحة العربية في الصيف، كما كانت من قبل.
ويأتي السؤال الذي طرحته منذ عدة سنوات في مقالاتي هنا في الأهرام: كيف تُستغل هذه الخرسانات الموجودة على الساحل الشمالي طوال العام، ونحن المصريون لا نستخدمها إلا ثلاثة شهور فقط في الصيف؟ بل إن البعض لا يذهب هناك إلا أسبوعين فقط.
إذاً، نحن نريد دراسة كاملة لتحويل هذه القصور والمنتجعات على الساحل الشمالي إلى مصدر دخل مستمر. بحيث تستفيد منها الأسرة المصرية التي تؤجر مكانها في الصيف، ويمكن أن تخصص معظمها في شهور الصيف للعائلات المصرية، على أن يُترك باقي الموسم لتأجيره للأسر العربية والأجنبية.
وصدقوني، تركيا تستغل نفس الساحل على البحر المتوسط وتربح منه المليارات كل عام، وللأسف الساحل هناك لا يُقارن بساحلنا! فهناك، كله صخور، بينما عندنا أجمل السواحل الرملية.
لذلك، أرجو أن يُعاد النظر بشكل جاد إلى الساحل الشمالي ليكون مصدر دخل حقيقي للمصريين، وواجهة سياحية مستدامة، تعود بالنفع على كل المصريين.