مع إطلالة موسم الخريف الطيور المهاجرة بين مصر والسعودية: مسارات الطبيعة وتحديات المناخ

بقلم د. سهام عزالدين جبريل
تُعد مصر والسعودية من أهم محطات عبور الطيور المهاجرة في العالم، حيث تمر عبرهما ملايين الطيور مرتين كل عام، خلال رحلاتها الموسمية بين أوروبا وآسيا من جهة، وأفريقيا من جهة أخرى. هذه الظاهرة البيئية تمثل إحدى أبرز صور الترابط بين الطبيعة والإنسان، وتؤكد الدور الحيوي الذي تلعبه المنطقة العربية في التوازن البيئي العالمي.
وتُعد مصر والمملكة العربية السعودية بموقعهما الجغرافي الفريد عند ملتقى ثلاث قارات (آسيا، إفريقيا، أوروبا) من أهم مناطق عبور الطيور المهاجرة في العالم. ومع بداية كل خريف وربيع، تتحول سماء مصر والمملكة والبادية العربية وسواحلها وصحاريها إلى مسرح طبيعي مذهل لملايين الطيور التي تعبر في رحلات شاقة بحثًا عن الدفء أو الغذاء أو التكاثر.
خطوط هجرة الطيور في مصر
توجد أربعة مسارات رئيسية تمر عبر الأراضي المصرية:
1. المسار الشرقي (سيناء وخليج السويس والبحر الأحمر):
يعد من أكبر ممرات الطيور الجارحة عالميًا، حيث تعبره النسور والصقور والعقبان القادمة من شرق أوروبا وروسيا متجهة إلى إفريقيا الاستوائية.
2. المسار الساحلي على البحر المتوسط:
تستخدمه أسراب اللقالق والبجع والطيور المائية القادمة من شرق أوروبا وتركيا متجهة غربًا إلى شمال إفريقيا.
3. المسار الغربي (الصحراء الغربية ووادي النيل):
يعبره خليط من الطيور الصغيرة والمهاجرة الليلية مثل العصافير والشرشوريات، التي تجد في وادي النيل محطة طبيعية للاستراحة والتزود بالغذاء.
4. المسار الأوسط عبر الدلتا والفيوم:
مسار تستخدمه أسراب الطيور المائية مثل البط والقماري والطيور الساحلية المتنقلة بين البحيرات الشمالية المصرية (البرلس، المنزلة، إدكو، مريوط).
خطوط هجرة الطيور عبر سيناء
سيناء تمثل قلب الممر الشرقي، حيث تعبرها ملايين الطيور المهاجرة من أوروبا الشرقية وسيبيريا في طريقها إلى شرق ووسط إفريقيا. ومن أهم الأنواع التي تمر عبر سيناء:
اللقالق البيضاء التي تعبر على هيئة أسراب ضخمة.
العقبان والصقور التي تجد في جبال جنوب سيناء محطات استراحة طبيعية.
السمان الذي يهاجر ليلاً ويستريح في مناطق الساحل الشمالي وسيناء خلال رحلته من شرق أوروبا إلى إفريقيا.
خطوط الهجرة عبر السعودية
المملكة العربية السعودية تمثل بدورها معبرًا رئيسيًا في المسار الشرقي الممتد من سيبيريا وشرق أوروبا عبر بلاد الشام والجزيرة العربية وصولًا إلى إفريقيا. وتشمل هذه الخطوط:
الممر الشرقي على طول ساحل البحر الأحمر: حيث تعبر أسراب اللقالق والنسور والصقور.
الممر الداخلي عبر صحراء نجد: الذي تستخدمه الطيور الصغيرة المغردة والسمان.
المسار الساحلي الشرقي على الخليج العربي: حيث تتحرك أسراب الطيور المائية والخرشنة.
أسراب السمان والطيور الصغيرة
السمان الأوروبي: يأتي من شرق أوروبا وروسيا، ويعبر مصر في طريقه إلى السودان ووسط إفريقيا. يشتهر بموسم صيده خاصة في الساحل الشمالي وسيناء.
القمري واليمام: تأتي من أوروبا وبلاد الشام إلى وادي النيل والسودان.
العصافير والشرشوريات: تهاجر ليلاً في أسراب ضخمة يصعب ملاحظتها بالعين المجردة لكنها تُرصد بالرادارات.
تأثير التغيرات المناخية
أثبتت الدراسات أن التغيرات المناخية أثرت على أنماط هجرة الطيور في مصر والمنطقة، حيث:
تغيّر توقيت الهجرة، إذ تصل بعض الأنواع متأخرة عن موعدها المعتاد.
تراجعت أعداد بعض الأسراب بسبب الجفاف ونقص الغذاء في مناطق التوقف.
تغيرت المسارات، حيث بدأت بعض الطيور تتجه إلى مسارات بديلة بحثًا عن أجواء أكثر ملاءمة.
أهمية مصر والمملكة كممر عالمي
لا تقتصر أهمية المنطقة العربية من بادية الحجاز والشام وعبر سينا ومصر على كونها محطة طبيعية لهجرة الطيور، بل أيضًا كجزء من التوازن البيئي العالمي. لذلك، فإن حماية هذه المسارات من الصيد الجائر وتلوث البحيرات أمر ضروري لضمان استمرار هذه الظاهرة الطبيعية الفريدة التي تربط بين القارات والتى تمثل وحدة الجغرافيا الطبيعية الممتدة من الشمال البارد إلى الجنوب الدافئ حيث تقع منطقة التوازن الطبيعى فى المنطقة العربية .