الطبقة الوسطى بين الإهمال والتهميش… هل يكفي التشخيص المتأخر ؟

بقلم الدكتور محمد على
الدكتور محمود محيي الدين بيخرج علينا النهارده ويقول: «آن الأوان للتمرد على النهج الاقتصادي في مصر، وحان وقت إعادة تمكين الطبقة الوسطى». الحقيقة إن الكلام ده مش جديد على الإطلاق، لكنه متاخر قوي. النهج الاقتصادي القائم كان واضحا للجميع إنه يحتاج طرق ومسارات اخري
فتضخم الديون وتراجع في القدرة الشرائية، ادت الي ضغط غير مسبوق على المواطن. الطبقة الوسطى تم سحقها على مدار السنوات الماضية، وده مش نتيجة بس للظروف الطارئة التي حلت خلال الأعوام الماضية، لكن اساسا نتيجة مسار اقتصادي تجاهل صوت الخبراء والمفكرين الاقتصاديين . يا دكتور محمود نحن لا نحتاج إلى تشخيص متأخر للمرض، بل إلى علاج مبكر كان يمكن أن ينقذ المجتمع من هذا الوضع.
في عام 2021، كتبت مقالي «اقتصاديات كان وأخواتها» وقدمت فيه رؤية متكاملة تشخيصا للداء ولكيفية الخروج من الأزمة. قلت بوضوح إن الاقتصاد لا يمكن أن يقوم على الريع والاقتراض فقط، وإن أول خطوة أساسية هي تحديد هوية واضحة: هل نحن اقتصاد زراعي أم صناعي أم تجاري؟ وحذرت من أن البقاء في المنطقة الرمادية يعني ضياع البوصلة. دعوت أيضا إلى تمكين القطاع الخاص والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإلى خلق بيئة جاذبة للاستثمار عبر قوانين ومحاكم اقتصادية متخصصة، إضافة إلى ضرورة الاستثمار في العنصر البشري باعتباره أساس أي نهضة حقيقية.
شددت كذلك على أن الاقتراض العشوائي يترك تركة ديون ثقيلة للأجيال القادمة، وأن غياب الشفافية عن الصناديق المالية والإنفاق العام يفتح الباب للشكوك ويضعف الثقة بين المواطن والدولة. هذه ليست شعارات، بل كانت رؤية عملية مكتوبة منذ أربع سنوات.
النهارده، وبعد أن تجاهلت هذه التحذيرات لسنوات، نسمع نفس الأفكار تخرج على لسان مبعوث أممي وكأنها جديدة. الحقيقة أن الزمن أثبت أن ما قلناه كان في مكانه، لكن الإصرار على الاستمرار في نفس النهج هو ما قادنا إلى التدهور الحالي. تكرار نفس الكلام الآن لا يكفي، ولا يعفي أحدًا من المسؤولية.
مصر تحتاج إلى شجاعة سياسية واقتصادية لترجمة هذه الرؤى إلى سياسات على أرض الواقع، لا إلى تصريحات إعلامية متأخرة. الطبقة الوسطى لم تعد تتحمل المزيد من الضغوط، وإن لم يكن هناك تحرك سريع وجاد، فالخطر لن يكون اقتصاديا فقط، بل اجتماعيًا وسياسيًا كذلك.