سبتمبر… ميلاد يتجدد

بقلم: غادة محفوظ | جمهورية حواء
قال ابن رشد: “الأفكار لها أجنحة، لا أحد يستطيع أن يمنعها من التحليق.”
ومنذ أن أمسكت قلمي للمرة الأولى، أيقنت أنني ابنة الإبداع، وأن أفكاري ستظل جناحيّ اللذين يحملانني فوق صعوبات الحياة. لم أختر طريق المواجهة المباشرة، بل وجدت نفسي فيه كاستجابة لواقع يفرض تحدياته بلا رحمة. أنا لست سيدة حديدية كما يُقال، ولا امرأة خارقة كما يحب المجتمع أن يصف من يصمدن؛ أنا ببساطة أم لثلاثة أبناء، أتعامل مع الصعاب كمن يردّ على نداءات الحياة، فأحاول أن أحوّل الألم إلى أمل، والمعاناة إلى رسالة.
في شهر سبتمبر، شهر ميلادي، تتجدد معاركي مع الذات والواقع. سبتمبر بالنسبة لي ليس مجرد رقم في التقويم، بل مساحة نور وولادة متكررة للإصرار. ففيه أراجع نفسي، وأدرك أن معركتي الأبدية ليست معركة قوة، بل معركة وعي.
حين أمسكت قلمي، كان هدفي أن أجعل الكتابة وسيلة للبقاء، وصوتًا لغيري بقدر ما هي صوتي. أدركت أن الكلمة المؤثرة تستطيع أن تغيّر مجرى حياة، وأن الفكرة الصادقة قد تتحول إلى بذرة تنبت وسط صخور القهر. ولهذا اخترت أن يكون وعي المجتمع هو رهاني الأكبر، مؤمنة أن التغيير يبدأ من إدراك الناس لقيمتهم ودورهم في صناعة الغد.
في رحلتي، لم تكن كلماتي وحدها هي التي صنعت الأثر، بل كان للأصدقاء والأدباء والشخصيات الوطنية دورهم. كتب عني الكاتب خالد الهواري من قلب ذاكرة التاريخ، ليراني ابنة الصعيد التي حملت القيم الجنوبية الأصيلة، والمرأة التي أثبتت أن مصر ما زالت قادرة على إنجاب أجيال تستحق الرهان. كلماته كانت نسمة جميلة وسط ضجيج المعاناة، بمثابة شهادة لا تُنسى في معركة الوعي التي أخوضها.
ثم جاء صوت آخر، هو صوت الكاتب طارق رضوان، الذي وصفني بـ “الكاتبة والقيادة الواعية”. رأى في تجربتي بصمة أمل في حاضر مضطرب، وأكّد أن أفكاري ليست مجرد صدى عابر، بل وميض يستحق أن يُبنى عليه مستقبل. كلماته لم تكن مجاملة، بل مسؤولية إضافية، تذكّرني بأن وعيي رسالة أكبر من ذاتي.
ولم يكن غريبًا أن يحمل سبتمبر من العام الماضي خبرًا آخر مميزًا، حين حصلت على لقب ملهم اجتماعي. لم يكن مجرد تكريم، بل اعتراف بأن العمل في الظل، والتمسك بالفكرة المؤثرة، يتركان أثرًا عميقًا في الوعي الجمعي.
اليوم، ومع بداية سبتمبر من جديد، أقول:
أنا غادة محفوظ، ابنة الإبداع، وأداة أفكاري هي قلمي، وسلاحي الحقيقي هو وعيي.
لا أسعى إلى لقب ولا أبحث عن صورة، لكنني أؤمن أن الأفكار حين تُكتب بصدق، تتحول إلى أجنحة تحلق فوق الضيق، وتفتح لنا جميعًا أبواب الغد.
سبتمبر هو ميلاد يتجدد، وفصل جديد في رواية لم تكتمل بعد.
رواية بطلها إنسان عادي، وأم مصرية، ولكنها في النهاية ابنة الوعي والإبداع